دراساتصحيفة البعث

آن الوقت لتوقف الولايات المتحدة الحرب على غزة

عائدة أسعد

لقد طفح الكيل وآن الوقت للولايات المتحدة لإعادة النظر في نصيحة المجتمع الدولي للضغط على “إسرائيل” لوقف الحرب والقتل الجماعي للمدنيين في قطاع غزة، ومواصلة عدوانها لليوم الـ58 من الحرب.

لقد خرج معظم الناس حول العالم في مسيرات يطالبون بوقف حرب الإبادة الجماعية، معلنين وقف الاحتلال في أرض فلسطين، وطالبوا الولايات المتحدة بعدم استخدام المعايير المزدوجة عندما يتعلق الأمر بإنفاذ النظام القائم على القواعد، حيث لم يعد هناك وقت للولايات المتحدة لتتظاهر بأنها غبية وصمّاء، وتستمر في التطاول على الإنسانية والإساءة إليها.

إن الدعوة إلى وقف الحرب، في الواقع، لا تتعلق بالتحيّز السياسي، بل هي دعوة من باب الإنسانية، ولهذا السبب يثير قادة الدول في جميع أنحاء العالم هذا القلق أيضاً. وبعد أن أدانت جامعة الدول العربية بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي الغزو الإسرائيلي لغزة ووصفته بأنه “جرائم حرب ومجازر همجية ووحشية وغير إنسانية”، سمع العالم لهجة مماثلة من قادة البريكس أيضاً، حيث تشترك دول البريكس بالمخاوف نفسها بشأن الوضع في غزة، وقد قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا: “إن العقاب الجماعي للمدنيين الفلسطينيين من خلال الاستخدام غير القانوني للقوة من قبل إسرائيل هو جريمة حرب”.

حتى الآن تجاوز العدوان الإسرائيلي على غزة 15 ألف ضحية، معظمهم من المدنيين، والحرب المستمرة لن تؤدي إلا إلى تعقيد الطريق إلى السلام، وهي ليست سوى وسيلة تعمل على إدامة آلام الإنسانية، ولا تؤدي إلا إلى إشعال الاستياء في المستقبل؛ وبالتالي فهي ليست حلاً دائماً، بل هي جنين لكارثة الإنسانية القادمة والأطفال الذين نشؤوا في ظروف الحرب، والذين كانت عائلاتهم هم الضحايا في حرب اليوم، سوف يتذكرونها على أنها قهر وإذلال، وبالتالي فإن هذه الحلقة المفرغة لن تنتهي أبداً دون الاستعداد لوقف الحرب في أقرب وقت ممكن والتقدم نحو اتفاق سلمي.

ولهذا السبب، يتعيّن على الولايات المتحدة أن توقف الحرب إذا كانت لديها النية الحقيقية للالتزام بالقيمة المشتركة للإنسانية التي لا تعتمد فقط على المنظور الغربي للإنسانية، بل أيضاً على الأساس المتين للإنسانية العالمية دون منظور متحيّز ومع التصميم على فرض العدالة.

لا شكّ أن الولايات المتحدة حتى الآن هي الدولة الوحيدة القادرة على وقف الحرب في غزة، حيث يتمّ شحن الأسلحة الحربية والأموال لدعم الكيان الإسرائيلي، وهي لم تفرض عقوبات إلا على الدول التي لم تقف إلى جانبها من حيث السياسة العليا ودافعت بلا كلل عن الجانب الخطأ الذي تقف إلى جانبه.

وعلى هذا النحو فإن المفتاح إلى عالم ينعمُ بالسلام يتطلب أن تتعلم الولايات المتحدة القيمة الأساسية للديمقراطية، حيث تكون أصوات الناس ذات أهمية كبيرة في إدارة الحكومة، وفي أي مجتمع ديمقراطي.

لقد آن الأوان لتحقيق مطلبين حاسمين: الأول هو وقف الحرب على الفور، وهو الأمر الذي تمتلك الولايات المتحدة وحلفاؤها القدرة على القيام بذلك، والثاني هو أن الولايات المتحدة يجب أن تجبر “إسرائيل” على قبول حلّ عادل للقضية الفلسطينية، وهي المشكلة الأساسية للحرب.

من الواضح كما قال ميرشايمر إن أصل مشكلة الصراع بين “إسرائيل” والمقاومة هو استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان، وكيفية ترسيخ “إسرائيل” نفسها على أرض فلسطين، لذا فإن التعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية الأساسية هو إزالة الاحتلال، ولا توجد وسيلة أخرى حوله، ولكن لكي تتمكّن الولايات المتحدة من تحقيق هذه التطلعات، يتعيّن عليها أن تغيّر موقفها وتصبح مستمعاً جيداً للأحداث وليس لتعزيز غرورها، كما يتعيّن على الولايات المتحدة أن تتوقف بشكل ثابت عن النظر إلى السياسة العالمية من خلال العدسة الظالمة للمنظور الغربي، وأن تستمع إلى صوت المجتمع الدولي، وصوت الإنسانية الذي طفح به الكيل.