دراساتصحيفة البعث

الحرب على غزّة تضع الاقتصاد الإسرائيلي على حافة الانهيار

د. معن منيف سليمان

وضعت الحرب على غزّة الاقتصاد الإسرائيلي على حافة الانهيار، خسائر فادحة وإفلاس وشيك، وتقارير تحذّر من الانزلاق في الركود، وسط توقعات باستمرار الأزمة إلى سنوات مقبلة، ومن العقارات والمصارف والبورصة، مروراً بالعملة وسوق العمل وشركات التكنولوجيا والصناعات وصولاً إلى عجز الموازنة والنمو الاقتصادي، يسود اللون الأحمر إيذاناً بانهيار يعمّق أزمة غير مسبوقة، قد تكون بداية نهاية المشروع الاستيطاني الصهيوني.

يتجه الاقتصاد الإسرائيلي إلى إلغاء جميع المكاسب التي حقّقها خلال العام الجاري، بفعل الحرب على قطاع غزّة. وقبل أيام أفاد تقرير لبنك “جي بي مورغان تشيس” الأمريكي، بأن الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11 بالمئة حتى نهاية العام الجاري. وكانت آخر مرّة سجّلت فيها “إسرائيل” هذا الانكماش خلال عام 2020، مع إغلاق الاقتصاد بسبب تفشّي جائحة كورونا.

وأظهرت تقديرات أولية، أنّ الحرب على غزّة ستكلّف ميزانية الكيان الصهيوني 200 مليار شيكل (51 مليار دولار). وقال اقتصاديون إن “إسرائيل” تواجه ركوداً اقتصادياً كبيراً بسبب الحرب ضدّ قطاع غزّة.

وبحسب التقديرات الأولية، فإن عجز الموازنة سيبلغ 2.3 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي في 2023 و3.5 بالمئة في 2024، مقابل تحقيق فائض 2022 في حال بقاء الصراع مقصوراً على قطاع غزّة، ولم يمتد لجبهات أخرى.

وشرحت “ذا إيكونوميست” في تقريرٍ لها أن إنقاذ الشركات ودفع رواتب جنود الاحتياط وإيواء سكان قرى بأكملها في الفنادق سيكون لها أثرها. وبحسب التقرير، سوف يتطلّب الأمر زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي من أجل تمويل أي عمل عسكري قادم.

وتتوقّع وكالة التصنيف الائتماني “موديز” أن يتسع العجز المالي في الميزانية الإسرائيلية إلى 3.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الجاري، 2023، وإلى 7.8 بالمئة في العام المقبل، 2024. كما تتوقّع الوكالة في تقريرها، الذي نشرت “غلوبس” قطوفاً منه، أن يقفز التضخم إلى 6.8 بالمئة في “إسرائيل” في عام 2024 مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4 بالمئة فقط.

وأصدرت كلّ من وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الائتمانية، ووكالة “موديز” لخدمات المستثمرين، و”فيتش” للتصنيفات الائتمانية، تحذيرات بشأن توقعات ديون الكيان، ما جعلها أقرب إلى التخفيض الأوّل على الإطلاق.

أما على صعيد الخسائر التي منّي بها الاقتصاد الإسرائيلي، فقد أصبحت الأسهم الإسرائيلية هي الأسوأ أداءً في العالم منذ اندلاع الحرب. وانخفض المؤشّر الرئيسي في “تل أبيب” بنسبة 16 بالمئة من حيث القيمة الدولارية، مع خسارة ما يقرب من 25 مليار دولار من قيمته.

ومنذ عشية الحرب حتى نهاية جلسات تشرين الأول الماضي، تراجعت أسهم أكبر خمسة بنوك مدرجة في بورصة “تل أبيب” بنسبة 20 بالمئة، على إثر الحرب. وواصل مستثمرون محليون وأجانب بيع أسهم لهم في الشركات الإسرائيلية المدرجة، وخاصة البنوك العاملة في السوق المحلية، وواجهت العملة الإسرائيلية خسائر متواصلة وهجمات بيع مكثّفة للسندات، في حين واصل الدولار الأمريكي ارتفاعه مقابل الشيكل على الرغم من تدخل البنك المركزي لإنقاذه من الانهيار.

ووسط خسائر هائلة يتعرّض لها الاحتلال مع حرب ممتدّة لا تعرف نهاية، اضطرّ البنك المركزي إلى بيع 8.2 مليارات دولار من النقد الأجنبي في شهر تشرين الأول الماضي، ما أدّى إلى تراجع الاحتياطي إلى 191.235 مليار دولار. وهذه هي المرّة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها “بنك إسرائيل” النقد الأجنبي.

ومن المتوقّع أن تضرّ الحرب بأنشطة البنوك، ويتمثل الخطر الرئيسي في زيادة صعوبة سداد القروض من جانب الشركات والأسر، وخاصة في قطاع العقارات. وهو ما دفع وكالة التصنيف الإسرائيلية “ميدروج” إلى الاستشهاد بهذه المخاطر في تقييم وضع البنوك في هذا الوقت.

وتأثر إنتاج مستوطنات غلاف غزّة من المحاصيل الزراعية خلال الحرب، بسبب وجود نسبة مهمّة من المحاصيل في هذه الأراضي. وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزّة باسم “رقعة الخضار الإسرائيلية”، وهي تحتوي أيضاً مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك. كذلك، تعرّضت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الشمال على الحدود مع لبنان إلى تعليق عمليات قطف المحاصيل بسبب التوترات الأمنية مع المقاومة اللبنانية.

أما على صعيد الخسائر التي منّيت بها المصالح التجارية المتوسطة والصغيرة خلال ثلاثة أسابيع من الحرب، فأظهر استطلاع دائرة الإحصاء المركزية أن تقديرات 51 بالمئة من المصالح التجارية خسرت أكثر من نصف الإيرادات في تشرين الأول الماضي مقارنة بإيرادها الشهري خلال العام المالي الحالي.

وتتعرّض الشركات الإسرائيلية لاهتزازات عنيفة بسبب الحرب، بداية من المطاعم الصغيرة إلى شركات التكنولوجيا المتقدمة وحقول الغاز الكبرى التي تديرها شركة “شيفرون”.

وتقلّص نشاط البناء بنسبة تراوح ما بين 80 ـ 90 بالمئة، كما تراجعت حركة السياحة بنسبة 76 بالمئة على أساس سنوي، وإلغاء غالبية رحلات الطيران، وانهار إنفاق الأسر ما أحدث صدمة كبيرة لقطاع المستهلكين الذي يمثّل نحو نصف الناتج المحلّي الإجمالي. وانخفض الاستهلاك الخاص بنحو الثلث في الأيام التي تلت اندلاع الحرب، مقارنة بمتوسط أسبوع في عام 2023، وانخفض الإنفاق على بنود مثل الترفيه والتسلية بنسبة تصل إلى 70 بالمئة.

إن الحرب على غزّة وضعت الاقتصاد الإسرائيلي على حافة الانهيار الذي يمثّل حجر الدومينو لبداية انهيار أوسع للمشروع الصهيوني، وزوال الكيان الإسرائيلي الغاصب.