ستغيّر قواعد اللعبة في المنطقة.. منافذ إعلامية رئيسية تتحدّث عن مؤامرة نتنياهو الخبيثة
البعث الأسبوعية- هيفاء علي
منذ الحرب الهمجية على غزة، برز اليمن أفقر دولة في المنطقة العربية، كأكبر تهديد للكيان الإسرائيلي المحتل، ففي الأسبوع الماضي، أوقف اليمنيون ثلاث سفن شحن إسرائيلية أثناء عبورها البحر الأحمر.
لا يملك اليمن احتياطياتٍ نفطية كثيرة، ورغم ذلك، يتخذ موقفاً حازماً ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، والسبب أن اليمن يتمتع بموقع استراتيجي على الطرف الجنوبي للبحر الأحمر – وهو طريق شحن دولي حيوي – وله حقّ النقض على مرور السفن عبر مياهه الإقليمية. لذلك أعلنت القوات المسلحة اليمنية واللجان الشعبية في البلاد تضامنها مع الفلسطينيين الذين يواجهون هجوم الإبادة الجماعية الذي يشنّه الكيان المحتل منذ 7 تشرين الأول، وحذّرت من أنه سيتم منع جميع السفن الإسرائيلية من دخول البحر الأحمر أو الخروج منه. وبالفعل نفّذ اليمنيون تهديدهم، ويُعتقد أن آخر سفينة إسرائيلية محظورة هي ناقلة نفط، وبالتالي سيكون لإغلاق الطريق البحري عواقب وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي. كذلك أطلق اليمنيون صواريخ على الكيان المحتل رداً على المجازر التي تعرّض لها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، وبالتالي، فإن السلاح الاقتصادي الذي يستخدمه اليمنيون هو الذي يمكن أن يكون الأكثر ضرراً للكيان المحتل.
من المفارقات العجيبة أنه من المفترض أن الدول الأقوى والأغنى بالنفط هي التي كان يتعيّن عليها استخدام أسلحة الضغط الاقتصادية، لكنها لم تفعل ذلك، مع الإشارة إلى أن العدوان الإسرائيلي السافر على قطاع غزة قد أثار إداناتٍ واسعة النطاق على مستوى العالم بأسره، ولكن لم يكن هناك سوى القليل من الإجراءات المهمة.
على سبيل المثال، يمكن لتركيا أن تمارس ضغوطاً حاسمة على الكيان الإسرائيلي، بدلاً من جعجعة أردوغان، وذلك من خلال وقف تدفق النفط من خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان، الذي ينقل ما يقرب من نصف النفط الذي يستورده الكيان المحتل. ويعدّ ميناء جيهان في جنوب تركيا نقطة تحميل الناقلات المتجهة إلى المحطات الإسرائيلية في حيفا وعسقلان، ولكن تجاهل أردوغان الدعوات لحظر شحنات النفط عبر هذا الخط حتى لو كانت مثل هذه الخطوة يمكن أن تشل الاقتصاد الإسرائيلي وآلة الحرب الخاصة به.
لم تعُد الحرب عبثية
أجرى مقاول البنتاغون أيلون ماسك ومجرم الحرب بنيامين نتنياهو محادثة تم بثها على “تويتر” أثناء اعتذار ماسك إلى الكيان الإسرائيلي في محاولة يائسة لإنقاذ صورته العامة وسط اتهامات باهظة الثمن بمعاداة السامية. وخلال المحادثة قال المجرم نتنياهو: إن كل الذين خرجوا باحتجاجات عبر العالم لا يهتمون بالفلسطينيين، بل يكرهون “إسرائيل”، “وهم يكرهون “إسرائيل” لأنهم يكرهون الولايات المتحدة. أما المدافعون عن الكيان الإسرائيلي فيكررون باستمرار أن الاحتجاجات ضد الحرب على اليمن وسورية لم تحدث، وهذه الحجة تميل إلى تجنّب الحقيقة المزعجة المتمثلة في أن إراقة الدماء في اليمن وسورية تم تسهيلها من خلال التدخل الأميركي، تماماً كما حدث مع إراقة الدماء في غزة، وأن الحرب العالمية على سورية ما كان لها أن تحدث إلا لأن التحالف الغربي وشركاءه الإقليميين غمروا البلاد بالأسلحة المقدمة للفصائل الإرهابية بمختلف مسمياتها في محاولة يائسة لتغيير نظام الحكم، وكذا جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات التحالف في اليمن التي حظيت بدعم كامل من الولايات المتحدة وحلفائها.
ولكن هناك العديد من الأسباب المشروعة التي تجعل مذبحة غزة تحظى باهتمام خاص، ففي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخراً تحت عنوان “المدنيون في غزة تحت النيران الإسرائيلية يُقتلون بمعدل تاريخي”، توضح الصحيفة أن تصرّفات الكيان الإسرائيلي في غزة تختلف تمام الاختلاف عن الصراعات الأخرى في غزة. ففي هذا القرن، سقط المزيد من المدنيين بشكل أسرع كثيراً من السنوات السابقة. وفي الأسبوع الماضي، قال منسق الإغاثة الطارئة التابع للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”: إن غزة تشكّل أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم على الإطلاق، بل أسوأ من “حقول القتل” في كمبوديا.
حقيقة، يتم التعامل مع هذا الصراع بشكل مختلف لأنه مختلف، والسبب الآخر الذي يجعل حملة القصف هذه تثير ردّ فعل شعبياً عالمياً أكثر بكثير من غيرها هو أن الحركة المؤيدة للفلسطينيين كان لديها أجيال لتبنيها، في حين عندما يقوم الغرب بتدمير دولة ما بالمتفجرات العسكرية، فإن هذه عادة ما تكون محنة سريعة تتحرّك بسرعة كبيرة من الموافقة. وبحلول الوقت الذي تدرك فيه الشعوب أن دعاة الحرب في الإمبراطورية قد كذبوا عليهم بشأن مبررات الحرب الفاسدة، تكون الإمبراطورية عادة منخرطة في حربين أو ثلاثة حروب جديدة. ومن جهة أخرى، ظل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دون حل لعقود من الزمن، الأمر الذي أتاح الوقت لتراكم المعارضة الشعبية. بمجرد أن يدرك شخص ما حقائق الوضع الفلسطيني، يسارع إلى دعمه لذلك تظل كل العيون مفتوحة حديثاً على هذه القضية مدى الحياة.
ولأن الهجوم على غزة ينطوي على رعب لا مثيل له ويتم بثه في الوقت الحقيقي على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم يخرجون من الغيبوبة التي أحدثتها الدعاية التي جعلتهم يوافقون على حرب شريرة تلو الأخرى على مر السنين. لقد بدأ الناس يدركون أنهم تعرّضوا للخداع بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبدؤوا يتساءلون عن أي شيء آخر تم خداعهم بشأنه، مثل الحرب على سورية واليمن وليبيا والعراق، وسيبدؤون في النهاية في البحث عن هذه الصراعات واكتشاف دور حكومتهم فيها.
الدرس المستفاد من غزة صريح وقصير: حقوق الإنسان ليست عالمية، والقانون الدولي يُطبّق بشكل تعسفي وغير عادل، وعليه، فإن عدم القدرة على إيجاد حجج مقنعة لتفسير مقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء يمكن تفسيره جزئياً بالسرعة التي تطوّرت بها الأحداث، إذ لم يكن هناك وقت لتحديد وتيرة الهجمات على غزة، وإعداد المبررات والأمل في أنه بمجرد انتهاء كل شيء، فإن الوقت وفترات الاهتمام القصيرة ستمحو الخسائر.
هذه هي اللحظة السياسية التي يُطلب فيها من المنتقدين الجدد لآلة الحرب الغربية أن يفكّروا بعناية في السبب وراء عدم وجود مقاومة قوية للأعمال الإجرامية الأخرى من جانب حكوماتهم، وهو ما يبدو كأنه كابوس في طور التكوين بالنسبة لدعاة الدعاية الذين تتمثل مهمتهم في تصنيع الموافقة على أعمال الحرب الفاسدة. الإمبراطورية على وشك أن تدرك أن الجمهور الغربي فقد شهيته للحرب، وكل إجراءات التطهير والدعاية التي تم اتخاذها منذ حرب فيتنام لبناء منصة للموافقة على الحروب “الإنسانية” تم تقليصها إلى لا شيء في غضون بضعة أسابيع، لقد تغيّرت ملايين العيون الغربية إلى الأبد، والحرب لم تعُد عبثية.
الإبادة الجماعية في غزة مؤامرة إجرامية
تحدّثت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مؤامرة نتنياهو الكبرى، موضحة أن كل ما يفكر فيه الإستراتيجيون الأمريكيون يتوقف على رحيل نتنياهو، ومن ثم استئناف العمل مع بديله على الفور، وخلال هذه الفترة ستستفيد الولايات المتحدة من احتكارها لتلك العملية وإنهائها في نهاية المطاف لمنع روسيا من القيام بذلك. واستشهدت الصحيفة بوثيقة سرية حملت عنوان “جدار أريحا” لتعلن أن الكيان الإسرائيلي كان على علم بخطة هجوم حركة المقاومة منذ أكثر من عام، ولكنه رغم ذلك أخطأ في تقديره بأن المجموعة تفتقر إلى القدرات والنية لتنفيذ الهجوم، مضيفة: على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان قد تم إبلاغ نتنياهو بذلك، فمن الممكن أن يتم عزله نتيجة لذلك، بعدما تبين أن حكومته الثالثة كانت تعرف بالضبط ما كانت تخطط له حركة المقاومة، ولكنها لم تتخذ أي إجراء لوقفها أو تحسين الدفاعات حول غزة. مع التنويه بأن هذا التقرير هو الأحدث في سلسلة من التقارير التي تتحدّث عن هذه المؤامرة والتي نشرتها كل من صحيفة “واشنطن بوست”، ووكالة “أسوشيتد برس”.
تم إطلاق التقارير الثلاثة في غضون أقل من أسبوع، ما يشير بقوة إلى أن عملية إعلامية منسقة جارية لإعادة تشكيل نظرة الرأي العام الغربي والعالمي بشكل كامل للحرب الأخيرة والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الأوسع الذي تدور فيه هذه الحرب. ويرى التحليل في تقرير وكالة “أسوشيتد برس” أن صناع السياسة الأمريكيين خلصوا إلى أن الأعمال العدائية المستمرة ستغيّر قواعد اللعبة في المنطقة، وهذا ما يفسّر لماذا بدأت هذه المنافذ الإعلامية الرئيسية الثلاث، وجميعها متحالفة مع الديمقراطيين الحاكمين في الولايات المتحدة، في تنسيق ثورتها السردية التي بدأت تتكشف أخيراً خلال الأسبوع الماضي. وبالتالي، من المحتمل أن توجّه صحيفة “نيويورك تايمز” ضربة قاتلة لحياة نتنياهو السياسية وحياته المهنية، حيث اتخذ قراراً متعمّداً بالانسحاب من أجل تسهيل الهجوم، وتعني هذه الاكتشافات أن الحكومة الإسرائيلية سمحت وشجعت على قتل مواطنيها، وأن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن الوفيات التي حدثت في ذلك اليوم، وتهدف هذه المؤامرة الإجرامية إلى خلق ذريعة لإبادة جماعية مخطط لها منذ فترة طويلة ضد سكان غزة.
وحسب الصحيفة نفسها، كل شيء يشير إلى حياكة مؤامرة من “إسرائيل” وإدارة بايدن وربما وكالات المخابرات البريطانية والأوروبية، وقد نشرت صحيفة “التايمز” التقرير في الوقت الذي شنّ فيه الكيان الإسرائيلي موجة جديدة من الهجمات على غزة خلال زيارة أنتوني بلينكن. وذكرت الصحيفة أن الوثيقة المكوّنة من 40 صفحة تقريباً، التي أطلقت عليها السلطات الإسرائيلية اسم “جدار أريحا”، تصف نقطة بنقطة بالضبط نوع الغزو المدمّر الذي أدّى إلى مقتل حوالي 1200 شخص، ووصفت هجوماً مكثفاً يهدف إلى اختراق التحصينات في قطاع غزة والاستيلاء على المستوطنات واستهداف قواعد عسكرية رئيسية. وقد تم تنفيذ هذه الخطة بدقة مثيرة للقلق، حيث تضمّنت الاستخدام المنسق للصواريخ والطائرات دون طيار والقوات البرية، كما ذكرت الوثيقة أنه سيتم إطلاق وابل من الصواريخ منذ بداية الهجوم، وطائرات دون طيار لتحييد الكاميرات الأمنية والمدافع الرشاشة الآلية على طول الحدود، واجتياح رجال المقاومة للمستوطنات التي تشكّل غلاف غزة بشكل جماعي على متن طائرات شراعية ودراجات نارية، وسيراً على الأقدام، وكل هذا حدث في 7 تشرين الأول. وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت “التايمز” أن مسؤولي الجيش والاستخبارات الإسرائيليين كانوا على علم بأن حركة المقاومة أجرت مهمة تدريبية شاملة ليوم واحد لممارسة الخطة بالتفصيل قبل ثلاثة أشهر فقط من الهجوم، حيث تضمّن التدريب سلسلة من عمليات إسقاط الطائرات الإسرائيلية والاستيلاء على كيبوتز وقاعدة تدريب عسكرية، ما أسفر عن مقتل جميع الجنود. وحسب “التايمز”، كان وراء كل هذه الإخفاقات اعتقاد واحد غير دقيق إلى حدّ كبير بأن حركة المقاومة لا تملك القدرة على الهجوم ولن تجرؤ على القيام بذلك. وقال المسؤولون: إن هذا الاعتقاد كان متأصّلاً داخل الحكومة الإسرائيلية، لدرجة أنهم تجاهلوا الأدلة المتزايدة التي تشير إلى عكس ذلك. لقد عرفوا بالضبط ما تم التخطيط له وقرّروا ترك الأمور تسير، حيث رفض المسؤولون العسكريون والمخابرات الإسرائيلية الخطة باعتبارها طموحة، معتبرين أن تنفيذها صعب للغاية على حركة “حماس”. وتضيف الصحيفة: “ليس من الواضح ما إذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو غيره من كبار القادة السياسيين قد اطلعوا على الوثيقة، ولكن من المستحيل تصديق أن معلومات من هذا النوع يمكن أن تصل إلى أجهزة الاستخبارات دون إجراء تحليل أكثر تعمّقاً، وبالتالي فإن فكرة إخفاء مثل هذه الخطط الرفيعة المستوى عن رئيس الوزراء بعد أحداث 11 أيلول أمر لا يصدق”، حسب الصحيفة.
وفي نهاية المطاف، تم الاختيار بالسماح لحركة حماس بمواصلة عملياتها، من أجل تزويد الكيان الإسرائيلي بالذريعة لشن هجوم عسكري ضخم مخطط له منذ فترة طويلة على غزة، ونتنياهو وحده يستطيع اتخاذ مثل هذا القرار. في غضون ذلك، أرسلت الولايات المتحدة على الفور قوة عسكرية ضخمة إلى المنطقة، معلنة نشر أكبر حاملة طائرات وسفينة مرافقة لها إلى المنطقة خلال 24 ساعة من الهجوم.
وبدلاً من التصرّف بناءً على هذه المعلومات الاستخبارية، قام الكيان الإسرائيلي بتنسيق سحب القوات وجمع المعلومات الاستخبارية في اللحظة المحددة التي وقع فيها الهجوم. وبعد أربعة أيام من الهجوم، أفاد الصحفي سيمور هيرش بأنه في الأيام التي سبقت الهجوم، أمرت السلطات العسكرية الإسرائيلية المحلية، بموافقة نتنياهو، اثنتين من كتائب الجيش الثلاث، التي تضم كل منها حوالي 800 جندي، الذين كانوا يقومون بحماية الحدود مع غزة للتركيز على عطلة ما يسمى “عيد العرش” الذي يقام بالقرب من الضفة الغربية. ولم يجعل الانسحاب الحدود عرضة للهجوم فحسب، بل خلق أيضاً الظروف التي كان لا بد من نقل القوات العسكرية فيها لاعتراض مقاتلي المقاومة في حركة حماس، ما أدّى إلى تصعيد الموقف. وبالإضافة إلى الانسحاب العسكري، اتخذ الكيان الإسرائيلي قراراً بسحب وحدة استخبارات الإشارات المكونة من 8200 فرد من الخدمة خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما يعني أن وحدة استخبارات الإشارات التي اكتشفت التدريبات هناك قبل ثلاثة أشهر لم تكن في الخدمة وقت هجوم السبت.
وتختم الصحيفة بالإشارة إلى أن الكشف عن المعرفة الإسرائيلية المتقدمة بالهجوم يكشف أيضاً عن وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية الأمريكية، التي صدّقت تماماً ادّعاءات “إسرائيل” بأنها فوجئت بالهجوم، مضيفة: تم استخدام أحداث 7 تشرين الأول كذريعة لارتكاب الإبادة الجماعية يومياً بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وبالتالي، تكشف هذه الاكتشافات الإبادة الجماعية في غزة على حقيقتها: مؤامرة إجرامية من نظام نتنياهو وداعميه الإمبرياليين، ذهب ضحيتها أكثر من 20 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء، وآلاف الجرحى، فضلاً عن الحديث عن تدمير قطاع غزة بشكل ممنهج.