مجلة البعث الأسبوعية

” المشكلة ليست فيما يعرفه الناس” استغلال وتوظيف الإعلام كوسيلة رئيسية من وسائل إدارة الحرب والصراع

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

نتيجة لتأثير وسائل الإعلام الغربية الرئيسية التي تشكل أداة مهمة من أدوات إدارة الحروب والصراعات سواء كوسيلة من وسائل الحشد والتجنيد، أو كوسيلة للحرب النفسيه وتزييف الحقائق، لن يواجه السحرة المبتدئون الذين يقدمون المشورة للرئيس جو بايدن – مثل وزير الخارجية أنطوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي جاكوب سوليفان، والمتخصص في شؤون الصين كورت كامبل – أي صعوبات في تحشيد الأمريكيين لأوسع حرب منذ 77 عاماً، بدءاً من أوكرانيا، والتي قد تمتد إلى الصين، وبطبيعة الحال الذرائع الكاذبة دائماً متوفرة.

يرى مراقبون أن الغالبية العظمى من الأمريكيين، جاهلة أو غافلة عن حقيقة أن وسائل الإعلام الغربية مملوكة ومدارة من قبل نفس الشركات التي تحقق أرباحاً ضخمة من خلال المساعدة في تأجيج الحروب الصغيرة ثم بيع الأسلحة، وبالتالي زيادة الأرباح الضخمة للمجتمعات الصناعية الأمريكية، وذلك من خلال استغلال وتوظيف الإعلام كوسيلة رئيسية من وسائل إدارة الحرب والصراع، حيث تتعامل هذه الشركات مع الإعلام باعتباره فرصة سياسية يمكن توظيفها في التحريض ضد روسيا والرئيس بوتين لمحاولة عزلهما دولياً، حيث عمدت إلى تشويه وشيطنة صورة الرئيس الروسي، وتضخيم خسائر الجيش الروسي من ناحية، وكذلك حجم الدمار الذي خلفته الحرب على أوكرانيا وشعبها من جهة أخرى، لتصدير صورة تعكس فشل الجيش الروسي في عمليته العسكرية في أوكرانيا لإصابة الرأي العام الروسي بالإحباط واليأس، وتضليل الرأي العام العالمي وخاصة الأمريكيين، وكذلك إبراز ما ترى أنها جرائم حرب غير مبررة ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا.

لقد بدت شبكات إعلامية ضخمة مثل “سي إن إن” الإخبارية، و”فوكس نيوز”، و”نيويورك تايمز”، و”واشنطن بوست”، و”ديلي نيوز” وغيرها وكأنها تقود حملة منظمة للنيل من روسيا، وشحن الرأي العام العالمي ضدها بما يتجاوز الهدف الخاص بدفعها لوقف الحرب في أوكرانيا، أو حتى التعاطف مع أوكرانيا وشعبها في مواجهة ما تصفه بالعدوان الروسي الذي تتعرض له. وهذا يمكن تفهمه في ضوء السياسية الأمريكية خاصة، والغربية عامة والتي تستهدف إضعاف مكانة روسيا الدولية وإخراجها من دائرة التنافس على قيادة النظام الدولي القائم والمستقبلي، ولاسيما بعدما أظهرت تحدياً لواشنطن والغرب في أكثر من مشهد عالمي مؤثر.

ولم يكتف الغرب بذلك، بل عمل على تكميم وسائل الإعلام الروسية من خلال حظر القنوات التي تعبر عن وجهة نظر موسكو مثل “روسيا اليوم”، و”سبوتنك”، بل وقامت شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى التي تدير وسائل التواصل الاجتماعي مثل “غوغل”، و”فيسبوك” وغيرهما بمنع وسائل الإعلام الروسية التي تمولها الدولة من استخدام تقنيتها الإعلانية لجمع إيرادات على مواقعها وتطبيقاتها، في حين سمحت هذه الشركات بنشر محتوى غير موثوق بثته بعض الجهات الإعلامية في أوكرانيا والغرب بما في ذلك فيديوهات وأفلام وتقارير مزيفة حول حالات الذعر التي تنتاب المدنيين عند إطلاق صافرات الإنذار، أو تعرض لصور أسرى جنود روس أو صور لآليات روسية مدمرة، تبين لاحقاً أنها جميعها مزيفة وغير حقيقية وذلك لتحقيق الهدف من هذه الحملة الإعلامية.

إنهم يخدعون أنفسهم

يجد رؤساء الشركات والنخب، وأولئك الذين تربوا على الإيمان بـ “استثنائية” الولايات المتحدة، أن الثروة وبريقها مربحة للغاية بحيث لا يمكنهم التفكير بشكل صحيح. في الحقيقة، إنهم يخدعون أنفسهم في التفكير بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخسر الحرب، ويمكن لها ضبط التصعيد وجعل الحرب تقتصر على أوروبا، وأنه من المتوقع أن تقف الصين على الخط الجانبي وتكتفي بالمراقبة. على أي حال، ترى النخبة أن الثروة وبريقها تستحق المخاطرة.

تعرف وسائل الإعلام أيضاً أنه بإمكانها دائماً تسويق فكرة رهاب الروس “لشرح”، على سبيل المثال، لماذا الروس “مدفوعون جينياً تقريباً” لفعل الشر  بحسب جيمس كلابر، المدير السابق للاستخبارات الوطنية والذي تم تعيينه الآن خبيراً في “سي إن إن”، أو فيونا هيل مستشارة الرئيس الأمريكي في موسكو، التي تصر على أن “بوتين يريد طرد الولايات المتحدة من أوروبا”

نتيجة التشويش والتضليل المتعمد لوسائل الإعلام الغربية تجاه المصالح الرئيسية لروسيا في أوكرانيا والصين في تايوان، المؤرخين الذين بقوا لتسجيل الحرب الدائرة سيصفونها على أنها نتيجة حتمية للغطرسة والغباء، باستثناء بعض المؤرخين الموضوعين  مثل البروفيسور جون ميرشايمر – الذي فهم الأمر بشكل صحيح منذ البداية، عندما أوضح في مقاله الذي نشرته مجلة ” الشؤون الخارجية” في عددها الصادر خريف 2014 “لماذا الأزمة الأوكرانية هي خطأ الغرب”.

كما تناولت المؤرخة والمؤلفة الأمريكية، باربرا توكمان الحالة التي يواجهها العالم في أوكرانيا في كتابها “مسيرة الحماقة.. من طروادة إلى فيتنام”، و لو كانت على قيد الحياة، لكانت بالتأكيد قامت بتحديثه لأخذ العراق وأفغانستان وسورية وأوكرانيا في الاعتبار.

كتبت توكمان: “يلعب العقل الخشبي الذي يتسق في تقييم الموقف من حيث المفاهيم الثابتة المسبقة مع تجاهل أو رفض أي إشارات معاكسة، ويتصرف وفقاً للرغبة مع عدم السماح للحقائق بأن تنحرف عنها دوراً كبيراً بشكل ملحوظ في الإدارة الأمريكية”.

بفضل وسائل الإعلام الأمريكية، نسبة صغيرة جداً من الأمريكيين تعرف أنه قبل أربعة عشر عاماً، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سفير الولايات المتحدة في روسيا المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، من أن روسيا قد تضطر إلى التدخل في أوكرانيا، في حال أصبحت الأخيرة عضواً في حلف شمال الأطلسي، إذ توضح البرقية (رقم 182)  التي أرسلتها السفارة في موسكو في 1 شباط 2008، أنه تم تحذير صانعي السياسة في واشنطن، بعبارات محددة للغاية، حول الخط الأحمر لروسيا فيما يتعلق بعضوية أوكرانيا في الحلف. ومع ذلك، في3 نيسان 2008، أكدت القمة التي عقدها الحلف في بوخارست أن الحلف: “يرحب بتطلعات أوكرانيا وجورجيا الأوروبية الأطلسية للحصول على عضوية الحلف، وعلى أن تصبح هذه الدول أعضاء في حلف شمال الأطلسي “.

قبل ثماني سنوات، في 22 شباط 2014، نظمت الولايات المتحدة انقلاباً في كييف، والذي وُصف بأنه “أكثر انقلاب صارخ في التاريخ”، بقدر ما تم الحشد له على اليوتيوب قبل 18 يوماً، حيث دعا قادة كييف الجدد والذين تم اختيارهم وتحديدهم بالإسم من قبل مساعدة وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في المحادثة التي تم نشرها عبر الـ يوتيوب مع السفير الأمريكي في كييف، على الفور إلى انضمام أوكرانيا إلى الحلف.

قبل ست سنوات، في كانون الثاني 2016، أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المراسلين الغربيين عن قلقه من إمكانية تحويل ما يسمى بمواقع الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في رومانيا وبولندا بين عشية وضحاها لاستيعاب صواريخ هجومية تشكل تهديداً للقوات الروسية. وفي 21 كانون الأول 2021، أخبر بوتين كبار قادته العسكريين: “إنه أمر مقلق للغاية حيث يتم نشر نظام الدفاع العالمي الأمريكي بالقرب من روسيا. تم تكييف نظام الإطلاق العمودي مارك 41، الموجود في رومانيا والتي سيتم نشرها في بولندا، لإطلاق صواريخ توماهوك. إذا استمرت هذه البنية التحتية في المضي قدماً، وإذا تم نشر أنظمة الصواريخ الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، فستكون مدة رحلتها إلى موسكو من سبع إلى 10 دقائق فقط، أو حتى خمس دقائق للأنظمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. هذا تحد كبير لنا ولأمننا “.

في 30 كانون الأول 2021، تحدث بايدن وبوتين عبر الهاتف بناءً على طلب بوتين العاجل، وجاء في بيان الكرملين: “شدد جوزيف بايدن على أن روسيا والولايات المتحدة تتقاسمان مسؤولية خاصة لضمان الاستقرار في أوروبا والعالم بأسره وأن واشنطن ليس لديها نية لنشر أسلحة هجومية في أوكرانيا”. وأشار يوري أوشاكوف، كبير مستشاري السياسة الخارجية في الكرملين، إلى أن هذا كان أيضاً أحد الأهداف التي تأمل موسكو في تحقيقها من خلال مقترحاتها الخاصة بضمانات أمنية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

في 12 شباط، أطلع أوشاكوف وسائل الإعلام على المحادثة الهاتفية بين بوتين وبايدن في وقت سابق من ذلك اليوم. كانت المكالمة بمثابة متابعة من نوع ما لمحادثة هاتفية في 30 كانون الأول، حيث أوضح الرئيس الروسي أن مقترحات الرئيس بايدن لم تتناول في الواقع العناصر المركزية والرئيسية لمبادرات روسيا سواء فيما يتعلق بعدم توسيع الناتو، أو عدم نشر أنظمة أسلحة الضربات الخاطفة على الأراضي الأوكرانية … بالنسبة لهذه العناصر، لدينا لم يتلق أي رد ذي معنى.

تصر الولايات المتحدة على عدم وجود مبرر للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث تقوم وسائل الإعلام الرئيسية بتجديد هذا الخطاب، بينما تُبقي الأمريكيين على علم بمثل هذه “الحقائق”، وليس الآراء.

في الحقيقة، تتعاطى وسائل الإعلام الرئيسية، مع الأمريكيين كما كانت تتعاطى معهم قبل 20 عاماً، عندما قيل لهم إن هناك أسلحة دمار شامل في العراق. لقد أخذوها ببساطة على أساس الثقة بإدارتهم ووسائل إعلامهم، وفي الوقت نفسه، لم تعرب وسائل الإعلام المذنبة عن ندمها، أو عن قدر ضئيل من الإحراج.

إن الأمر يزداد سوءاً الآن، فروسيا ليست العراق، لكن رغم ذلك  تم إضفاء الشيطنة على بوتين خلال السنوات الست الماضية لدرجة أن الناس يميلون إلى تصديق أمثال جيمس كلابر بأن هناك شيئاً جينياً يجعل الروس أشراراً.

كانت “بوابة روسيا” خدعة كبيرة، والآن من الواضح أنها كذلك، لكن الأمريكيين لا يعرفون ذلك أيضاً. إن عواقب الشيطنة المطولة خطيرة للغاية، وستصبح أكثر خطورة في الأسابيع العديدة القادمة، حيث يتنافس السياسيون ليكونوا الأقوى في معارضة ومواجهة العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا.

كان الفكاهي ويل روجرز محقاً حين قال: “المشكلة ليست فما يعرفه الناس، بل فيما لا يعرفونه بالفعل، تلك هي المشكلة”.