الغرب يستعدّ لأخبار سيّئة.. أوكرانيا سقطت.. والتفاوض مع روسيا أحلى الأمرّين
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
ربّما يتعيّن على الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ “إعداد الرأي العام الغربي لحقيقة أن أوكرانيا لا تستطيع الوفاء بالمهام الموكلة إليها، وكذلك تحويل المسؤولية إلى كييف لعدم قدرة الأسلحة الأمريكية على (حل أي مشكلة) في ساحة المعركة”.
هذا ما قاله نائب مدير معهد رابطة الدول المستقلة فلاديمير جاريخين، وهو ما يمكن أن يختصر المشهد القائم حالياً في الغرب حول الجدوى من الاستمرار في دعم النظام الأوكراني الذي لم يتمكّن حتى الآن وبعد مرور نحو عامين كاملين من الحرب على روسيا، من تحقيق أيّ نصر عسكري يمكن أن يمنح الناتو ورقة ضغط على روسيا التي لا تزال إلى الآن تسيطر على المشهدين السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي في أوروبا، فالقيادة الأوكرانية تشتكي من عدم كفاية إمدادات الأسلحة، في الوقت الذي لم يوفّر فيه الغرب أيّ مناسبة لتزويد أوكرانيا بأحدث أسلحة الناتو العسكرية، حيث فتحت مصانع السلاح الأمريكية الباب على مصراعيه أمام طلبات الأسلحة الأوروبية التي ترغب أن تدعم النظام الأوكراني في حرب بالوكالة على روسيا.
وكان الأمين العام لحلف “الناتو” قد قال، في مقابلة مع قناة ARD التلفزيونية الألمانية، عندما سئل عمّا إذا كان يتوقع أن الوضع بالنسبة لكييف على الجبهة قد يتدهور: إنه يتعيّن “الاستعداد لأخبار سيئة”.
فالأخبار السيّئة حاضرة بالفعل، وهي أن موازنة الاتحاد الأوروبي لم تعُد قادرة على الوفاء بما تعهّدت به من التزامات تجاه النظام الأوكراني، فضلاً عن أن مخازن الأسلحة الغربية أصبحت خالية من كل أنواع السلاح الذي يمكن أن تمدّ كييف به، والطامة الكبرى أنهم بدؤوا يدركون في الغرب أن السلاح الأمريكي الذي كانوا يفتخرون أحياناً بتقديمه على أنه السلاح الأمثل في المعارك الكبرى سقط في الامتحان أمام السلاح الروسي الذي استطاع أن يحيّده تماماً، الأمر الذي دفع الكثيرين ممّن ينوون التعاقد مع مصانع السلاح الأمريكية إلى الإحجام عن ذلك والتفكير بمصادر أخرى للتزوّد بالسلاح.
ويبدو أن واشنطن بعد أن فقدت أيّ أمل في إمكانية توريط بولندا في الحرب الدائرة مع روسيا، راحت تعمل على تحريض بلغاريا للقيام بهذه المهمّة، ولكن الرئيس البلغاري رومين راديف فطن في اللحظة الأخيرة إلى طبيعة الفخّ الذي ينتظره فرفض التصديق على اتفاقية النقل الحر لمئة ناقلة جند مدرّعة تم سحبها من الخدمة إلى أوكرانيا وأعاد القانون إلى البرلمان لإجراء مزيد من المناقشة.
وكان قد صرّح ضابط المخابرات العسكرية الأمريكية السابق، سكوت ريتر، بأنه إذا استمرّت بلغاريا في كونها تابعة للولايات المتحدة وقرّرت تحت نفوذها بدء صراع مع روسيا، فإنها ستتقاسم مصير أوكرانيا.
وقال ريتر في مقابلة مع الصحفي البلغاري مارتين كاربوفسكي: “هل تريد حقاً الانضمام إلى الحرب ضد روسيا؟ ألم تشاهد ما حدث في أوكرانيا؟ لا يمكنك هزيمة روسيا”.
ودعا ريتر بلغاريا إلى الخروج من تحت تأثير الولايات المتحدة، وذلك من أجل ممارسة سياسة اقتصادية مستقلة دون تأثير العقوبات الغربية التي تعرقل بناء العلاقات الاقتصادية المتبادلة المنفعة مع موسكو.
فالدول الأوروبية بدأت تدريجياً تدرك أنها بعد أن خسرت الصراع العسكري مع روسيا لا ينبغي عليها أن تخسر إمكانية العودة إلى علاقات طبيعية معها، فالاقتصاد الأوروبي عاجز تماماً عن الصمود إذا لم يتمكّن من العودة إلى علاقات اقتصادية جيّدة مع روسيا، لأن روسيا هي الامتداد الجغرافي الطبيعي لأوروبا، كما أن الاستمرار في حالة الحرب مع روسيا مع الهزيمة الحتمية للجيش الأوكراني في المعركة يمكن أن يؤدّي بالنتيجة إلى وصول الجيش الروسي إلى أقصى الغرب الأوكراني، وربّما سقوط أوكرانيا بالكامل ومحوها من الخريطة، وبالتالي يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يبحث عن حكومة أوكرانية من تحت الركام تتعهّد بتسديد الالتزامات التي قام النظام الأوكراني بترتيبها على بلاده لأوروبا، فمن الذي سيدفع لها كل هذه الأموال فيما بعد؟.
وعلى المقلب الأوكراني، صرّح مستشار رئيس المكتب الرئاسي الأوكراني ميخائيل بودولياك بأن الاستياء تراكم في المجتمع الأوكراني ضد السلطة بما في ذلك بسبب إخفاقات القوات الأوكرانية على خط المواجهة والفساد.
ووصف الحالة الحالية للمجتمع الأوكراني بالاكتئاب، متابعاً: “عامان من الحرب والركود وركود الحياة السياسية والعديد من الطموحات التي لم تتحقق”.
وفي الوقت ذاته، أكّد أن الخلاف بين رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وقائد القوات الأوكرانية فاليري زالوجني الذي تكتب عنه وسائل الإعلام الغربية، ليس موجوداً.
وأكد رئيس معهد أبحاث “بنتا” في كييف فلاديمير فيسينكو، أن إقالة القائد العام للقوات الأوكرانية فاليري زالوجني، من منصبه ستؤدّي إلى عواقب وخيمة على الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي.
وقال فيسينكو لصحيفة NBC News: إن إقالة زالوجني ستضعف موقف زيلينسكي وستكون بمنزلة “ضربة قوية” له.
وأفادت صحيفة “سترانا” الأوكرانية في وقت سابق نقلاً عن مصدر سياسي بأن زيلينسكي، لن يجري انتخابات رئاسية إلا بعد رفض زالوجني، المشاركة فيها.
ونشرت الصحيفة نفسها في وقت سابق استطلاعاً أظهر أن مستوى ثقة الأوكرانيين بزالوجني تتجاوز مستوى ثقتهم بزيلينسكي.
أوروبياً، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف: “بات من الصعب على نحو متزايد أن تقوم الدول الأوروبية بحرق الأموال في البرميل الأوكراني الذي لا قاع له”، وذلك في تعليق له على ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز عن وجود خلافات في الاتحاد الأوروبي بشأن الميزانية، الأمر الذي يعيق حصول أوكرانيا على 50 مليار يورو وفقاً لبرنامج المساعدات الممتدّ لأربع سنوات، مؤكداً أن العملية العسكرية الخاصة ستستمر، وقد تكيّف الاقتصاد الروسي معها.
وكتبت صحيفة “Financial Times” أن هناك مخاطر من عدم حصول كييف على 50 مليار يورو التي وعد بها الاتحاد الأوروبي بسبب أزمة الموازنة بألمانيا وتعزيز مواقف الأحزاب اليمينية في أوروبا.
وأضاف مصدر رفيع المستوى في حديث للصحيفة: إن محاولات الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى حل وسط في هذا المجال يعرقلها فوز الحزب اليميني المتطرف في انتخابات هولندا وقرار المحكمة الألمانية بشأن الحدّ من ميزانية الحكومة الألمانية.
إذن، بات واضحاً أن الجميع أصبح يبحث عن ذريعة للتنصّل من التزاماته تجاه أوكرانيا، وذلك تحت حجج وذرائع متعدّدة، منها التأكّد من الأموال التي تُدفع للنظام الأوكراني لن تمرّ عبر ممرّات الفساد المتفشّي هناك، وكذلك الرفض الشعبي الغربي المتزايد للاستمرار في دعم النظام الأوكراني، والخلافات داخل حكومات الاتحاد الأوروبي حول جدوى الاستمرار في الدعم، ووصول حكومات يمينية في أوروبا إلى السلطة ترفض الاستمرار في هذه السياسة، ولكن ذلك كلّه يختبئ خلف عنوان عريض واحد هو اليأس من الانتصار على روسيا، والقناعة بأن جميع ما يُقدّم من أموال في هذا الإطار إنما هو استنزاف فعلي لموازنة الغرب الجماعي، دون أدنى فائدة، وبالتالي الحل الأفضل هو التخلي عن النظام الأوكراني الحالي والتفاوض مع روسيا قبل زوال أوكرانيا نهائياً.