رياض الصالح الحسين.. كان من الممكن أن يكون شاعراً عالمياً
أمينة عبّاس
ما زال اسمه وشعره وحياته أموراً مغرية للعاملين في الوسط الأدبي للتوقّف عندها، وهو الذي شكّل علامة فارقة في الحياة الشعرية السورية، فكانت تجربته، مؤخراً، عنواناً لندوة عُقدت في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، شارك فيها عماد نداف وبكور عاروب، للحديث عن واحد من الشعراء الذين يشبهون النيازك في حياتهم القصيرة (ثمانية وعشرون عاماً)، والتي إن كانت غير طويلة إلا أنها كانت عميقة على مستوى النتاج الذي جعل منه شخصية مؤثرة وفاعلة لم ترحل ما دامت دواوينه على قيد الحياة وقد كتبها تحت وطأة المرض، فأعطى أفضل ما لديه لأن الكتابة بالنسبة له كانت طريقته لمحاربة الموت، وهو ليس الأول ولا الأخير من المبدعين العرب والأجانب الذين كتبوا إبداعاتهم تحت وطأة الموت الذي إما أن يعطي خيبة ويأساً وعزوفاً وانطواء، أو حالة النقيض كما عند سعد الله ونوس وممدوح عدوان وسنية صالح وأمل دنقل الذين كتبوا أجمل إبداعاتهم في أوج الألم الجسدي والنفسي.
في مجموعته الشعرية الأولى “خراب الدورة الدموية” الصادرة عام 1979 عرّف الشاعر رياض الصالح الحسين القراء عن نفسه بقوله: “أنا رياض الصالح الحسين، عمري اثنتان وعشرون برتقالة قاحلة، ومئات المجازر والانقلابات، وللمرة الألف يداي مبادتان كشجرتي فرح في صحراء”، أما في قصيدته “أساطير” من الديوان نفسه فيقول: “جائع جائع، كعصفور على صخرة نائية في بحر متسع، ولكني لا أريد أن أموت.. أنا مقهور مقهور، كورقة صفراء لم تأخذها الريح في الخريف، ولكني لا أريد أن أسقط في الفراغ.. أنا معذب معذب، مثل ديك بعنق مقطوع يركض في أزقة خاوية، ودمه لا يتساقط منه”.
فقير يكتب الشعر
أجمع المشاركون في الندوة على أن الحسين كان مدهشاً بشعره البسيط البريء العفوي، وحالة الدهشة كان يستثيرها لدى المتلقي بصوره التي كان يبدعها، وأكد أ.عماد نداف أن المرء يحتار كيف يتحدث عن رياض الصالح الحسين، حيث إن حياته وتجربته العبثية التي عاشها تتطلّب من أي دارس الوقوف على ذلك الزمن الذي عاش فيه عمراً قصيراً، وهو الزمن الحافل بالأحداث بعد حصول سورية على الاستقلال، ومن ثم حدوث الانقلابات، فالوحدة والانفصال، ومن ثم نكسة حزيران التي فعلت فعلها في نفوس الناس. وعلى صعيد الزمن الأدبي فقد سطعت على الساحة الأدبية حينها نجوم كانت تعتلي المنابر، وكان هو متميزاً في تلك الفترة لبساطة شعره، أما أحلامه فكانت بسيطة: “وهأنذا أحلم بشيء واحد أو قليلاً: أن تصير الكلمة خبزاً وعنباً طائراً وسريراً، وأن ألفّ ذراعي اليسرى حول كتفك واليمنى حول كتف العالم وأقول للقمر: صوّرنا”، مشيراً إلى أن الحسين كان شاعراً تعامل بطفولة مع همّه السياسي ولم ينتمِ إلى أي حزب، وكان مربكاً في التعبير عن ذاته، وطرح مفهوم الثورة ضد الزمن الذي يعيشه، وفي ثورته الشعرية كان يشبه الشاعر الفرنسي رامبو والشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وهو كشاعر سوري كان من الممكن أن يكون شاعراً عالمياً، حيث كانت لديه قدرة كبيرة على ابتكار العبارات الجديدة واستخدامها أول مرة في شعره: “حارّ كجمرة، بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس وأريد أن أحيا.. ألا يكفي هذا أيتها الأحجار التي لا تحب الموسيقا”، كما تتميّز قصائده بالحكائية، فالحكايات في شعره، برأي نداف، ساعدت على تخليده وإيصاله للناس كشابّ فقير يكتب الشعر.
عالمية الروح
وتحدث الباحث بكور عاروب عن أدوات الحسين الشاعر والمعجم اللغوي البسيط الذي كان ينهل منه، فقدم القصيدة النثرية للقارئ بسلاسة ووضوح، وعُرف بصوره المدهشة التي تكشف عن زاد معرفي كبير امتلكه نتيجة مطالعاته الكثيرة، إلى جانب جمالية القصص التي كانت ركناً مهماً في قصيدته، موضحاً أن أهم ما جمع مؤلفات الشاعر الحسين الثقافة الإنسانية وعالمية الروح، وهو بخصوصيته يختلف عن رامبو، لكنه لا يقلّ عنه وعن أبو القاسم الشابي وبوشكين.
اثنان
وفي نهاية الندوة، ألقى الشاعر أكرم صالح الحسين قصيدة بعنوان “اثنان” لأخيه رياض يقول فيها: “كانا اثنين، يمشيان معاً، في الشوارع المهجورة، منه تفوح رائحة التبغ، ومنها تتساقط أوراق الليمون، وعند المنعطف، كنجمتين سقطا، كانا اثنين، أحدهما يغنّي، والآخر يحب الإصغاء، فجأة توقف عن هذا، وتوقفت عن ذاك، عندما انكسر المزمار، كانا اثنين، أهدته قلماً للكتابة، وأهداها حذاء خفيفاً للنزهات، بالقلم كتب لها “وداعاً”وبالحذاء الخفيف جاءت لتودعه”.
ولد رياض صالح الحسين في درعا سنة 1954 لعائلة تنحدر من قرية مارع بريف حلب، كان والده يتنقل بين المحافظات السورية، لم يكمل الحسين تعليمه بسبب مرضه” قصور كلوي” الذي أثر على سمعه ونطقه، ما دفعه إلى تعليم نفسه بنفسه، أجبرته الظروف المعيشية على العمل بسن مبكر في حلب فعمل كعامل وموظف وصحفي، كتب كلّ قصائد ديوانه الأول في حلب، وكان ينشر في عدد من المنابر الثقافية بعض المتابعات والزوايا، في عام 1977 قرّر الانتقال إلى دمشق وفيها عمل في مركز الدراسات الفلسطينيـة ومصححاً في وزارة الثقافة، وبدأ مرحلة جديدة من العطاء الشعري.
مجموعاته الشّعرية: “خراب الدورة الدموية” 1979، “أساطير يومية” 1980، “بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس” 1982، “وعل في الغابة” 1983 صدرت هذه المجموعة بعد عام من وفاته، رحل في 20/11/1982.