ثقافة

في غياب النقد… لا تقييم ولا تقويم

أمينة عباس

اتفقت الآراء في ندوة “دور النقد في حماية المنظومة الثقافية الوطنية” التي أقيمت، مؤخراً، في المركز الثقافي العربي بـ”أبو رمانة” بإدارة الزميل محمد خالد الخضر ومشاركة الدكتور غسان غنيم والزميل عمار النعمة وربيع زهر الدين على أنّ النقد غائب من حياتنا وفي جميع المجالات، وأننا أمة لا تقبل النقد أساساً، ومن يمارسه -ولو بشكل موضوعي- يُنبذ وتُكال له التهم ويُهدد بالقانون حتى لو قال كلمته بوضوح وصراحة.

النقد عملية ذهنية معقدة

الدكتور غنيم افتتح الندوة بتعريفه للنقد الأدبي، وبيّن أنه نوع من الخطاب الذي ينصبّ على الإبداع لمعرفة القوانين التي تحكمه واستنباط الدلالات الكامنة فيه وتشريح الظاهرة الإبداعية وتقديمها بتركيب جديد، معلناً عن مدى اقترابها من المثال المفترض في عقل الناقد الذي يحتوي في حالته المثالية جلّ ما أنتجته البشرية فكراً وثقافة وعلماً، موضحاً أن النقد إجراء تقني يتعامل مع النصوص الأدبية وفق مناهج وأصول بهدف الوصول إلى حقائق النصوص وفهم أبعادها الجمالية والموضوعية وما بين السطور وخلفها، وقول ما لم يُكتَب في النص والكشف عن جماليات النصوص وأساليبها وإجراءاتها، ولاسيما أن النصوص الأدبية بطبيعتها عصية على الاصطياد السهل، وقد حيّرت الدارسين والفلاسفة ممن تصدّوا لها منذ زمن بعيد، وهذا ما جعل بعض الفلاسفة، ومنهم أفلاطون، يقفون موقفاً سلبياً من الكتابة الأدبية لما وجدوا فيها من نشوز على القوننة، ومبيناً أن من مهمات النقاد أيضاً البحث عن اللامحدود من الدلالات التي ضمها المؤلف بنصه أو تلك التي جهلها المؤلف من خلال البحث عن مقصدية النص وما كان الكاتب يريد قوله من دون إغفال للأنساق الحضارية والحياتية والمعرفية التي أنتجت النص، وهذا ما يجعل النصوص قابلة للتأويل بشكل متعدد.

وأكّد غنيم أن الجوهر الحقيقي للنقد يكمن في دراسة النصوص الأدبية من حيث تكوينها ومن حيث هي أجناس متمايزة لها خواص ليست نهائية ولكنها تميزها من دون إغفال مشروعية استفادة الأجناس من بعضها ودراسة نواحي الجمال والإدهاش والإبداع من دون فصل ذلك عن الدلالة، إلى جانب أن النقد عملية ذهنية معقدة لها بعض نكهة العلم بحيث يغدو آلية واعية ومقصوراً على من يمكن أن يُطلق عليه لقب ناقد فهو مهارة خاصة ومتخصصة وليست عمومية ومشاع يقوم على المعرفة ويتسم بالشمولية جوهره يقوم على محاولة الكشف عن جوانب النضج الفني في النصوص الأدبية.

لا تقييم ولا تقويم

وتحدث الزميل النعمة عن قيمة النقد وضرورته في الإعلام وأهمية أن يكون الإعلامي ناقداً بالضرورة، لكن على أرض الواقع في المشهد الثقافي يغيب النقد، فلا تقييم ولا تقويم ولا إبداء رأي بما ينقله الإعلامي في الصحافة اليومية وقد تحول إلى مجرد ناقل للحدث في أحسن الأحوال، منادياً بتشجيع التخصص في مجال النقد الإعلامي ولا سيما في المجال الثقافي، ومنوهاً بأهمية النقد الأدبي كضرورة من الضرورات التي لا تتم الآداب إلا بها، لأنه يقوّم النص الأدبي ويحلله ويدرسه على ضوء أدوات النقد الأدبي ومعادلاته الخاصة، مؤكداً أن الكثيرين من الكتّاب على اختلاف تخصصاتهم يشعرون بأنهم غير منصَفين من النقد والنقاد، وأن النقد يقتصر على بعض المقالات في الصحف والمجلات، وهذا برأيه ليس بعيداً عن الحقيقة حيث الحالة النقدية ليست كما يجب وهي إما مصلحة أو تهجماً أو مزاجية أو حسب العلاقة الشخصية في الوقت الذي يجب أن يتعامل النقد فيه مع النص وليس مع الكاتب للوصول لنقد صحيح ودقيق يستطيع الناقد من خلاله الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الأدبية عبر نقد موضوعي ودقيق، ولم يخفِ النعمة وجود تقصير من النقاد في دراسة الكتّاب، وأن النقد في عصرنا تطور إلى الخلف متخذاً موقعاً جديداً يتناسب مع العالم الافتراضي (الإنترنت) ليتنحى جانباً وبشكل شبه كامل النقد القائم على قراءة العمل الأدبي بروية وبعين مجردة من الصورة التي باتت في زمن الإنترنت عنواناً مسجلاً في بريد أغلب الكتّاب، لذا بات النقد برأيه مبتعداً عن هدفه الأساس فصار له لباس حريري موحد يرتديه أغلب القصائد مع تغيير اسم الكاتب فقط، ما جعله يصاب كما الشعر بالشللية بدرجة عالية، في حين أن النقد الحقيقي لا يقوم على المجاملات وإنما على وضع اليد على مكامن الضعف والقوة لنرتقي بأنفسنا وأعمالنا.

بنّاء وهدّام

وكمهتمّ بالأدب عرّف زهر الدين في مشاركته النقد في اللغة: “تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، وكمصطلح تمحيص العمل الأدبي بشكل متكامل حال الانتهاء من كتابته حيث يتم تقدير النص الأدبي تقديراً صحيحاً يكشف مَواطن الجودة والرداءة فيه ويبيّن درجته وقيمته ومن ثم الحكم عليه بمعايير معينة”، كما فرّق بين النقد البنّاء والنقد الهدّام حيث النقد البنّاء هو الذي يسعى الناقد فيه إلى تقويم الخطأ، محاولاً إصلاحه بناءً على أسسٍ علميّة، ومبتعداً فيه عن التعصب وإصدار الأحكام المسبقة، في حين أن النقد الهدّام هو الذي يكون فيه النقد من أجل النيل من الآخرين وتشويه سمعتهم والترصد لهم بإظهار أخطائهم من غير حجة ولا برهان، ومؤكداً أن النقد يحتاج إلى توافر الموهبة النقدية والأهلية العلميّة والكفاءة وذلك من خلال التخصص والتزام الأدب وإطلاق الأحكام بشفافية ونزاهة وتمييز العمل الجيد من العمل الرديء، موضحاً أنّ الفرد ليكون ناقداً يجب أن يطور بعض الصفات الشخصية فيه من خلال الابتعاد عن الأحكام المسبقة أو المبنيّة على الافتراضات، وأن يكون بعيداً عن التعصّب والجمود وتأثيرات الثقافة الضارة وكذلك اعتماد معايير التفكير الناقد عبر الابتعاد عن السطحية والوضوح واعتماد عبارات موثوق بصحتها تكون مدعومة بالأدلة والبراهين واستيفاء الموضوع حقه من دون زيادة أو حشو.