ثقافة

“دم اللقلق”.. قول ما لا يُقال

أمينة عباس

احتفى المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، مؤخراً، بالمجموعة القصصية الرابعة للقاص بشار البطرس والتي حملت عنوان “دم اللقلق”، من خلال ندوة شارك فيها الدكتور عاطف البطرس، والأستاذ عماد عبيد، وبيَّن مدير الندوة الزميل علي العقباني أن البطرس مهندس ترك أعمال الإنشاء والبناء والتخطيط وذهب إلى عالم الأدب قارئاً ومنشّطاً، واحترف كتابة القصة القصيرة وأصدر ثلاث مجموعات قصصية هي: “شجرة التوت الشامي”، و”على البخار”، و”المنبوذ”، وفي رصيده عدد من الأعمال التلفزيونية مثل “العشق الحرام” و”الخبز الحرام” ومعالجة درامية لـ”ليس سراباً”، ومشاركة في الجزأين الأول والثاني من مسلسل “بقعة ضوء”. ورأى العقباني أن قصص البطرس في “دم اللقلق” تخرج بنا عن اليومي وتحيلنا إلى أسئلة فلسفية ووجودية وتأملية، إذ لا نلمح فيها أي مقارنة آمنة للحالة السورية الراهنة، إنما إحالات ذهنية تأملية نحو فضاءات من الأسئلة المغامِرة التي لم تأتِ قسراً وإنما من متن الحكاية.

لسان حال الناس

وأوضح القاص بشار البطرس في تصريحه لـ”البعث” أن الكاتب هو أسوأ من يتحدث عن أعماله، لكنه أكد أنه يكتب بلسان حال الناس وبكلّ ما يحلمون به لقناعته أن المبدعين هم ضمير الناس، وقد أراد من خلال هذه المجموعة قول ما لا يُقال لإيمانه بأن الأدب يتجاوز الخطوط الحمراء ويعبّر عما يحلم به الناس، مبيناً أنه على صعيد الشكل قدّم في هذه المجموعة أشكالاً متنوعة من القصص الطويلة والقصيرة وتلك التي تعتمد على تقنية السيناريو وأخرى عن بيئات غير عربية والقصص التخييلية مثل قصة “المتنبي عاشقاً”، مع إشارته إلى وجود تجريب في كلّ القصص التي كتبها وهو حال المبدع الحقيقي برأيه، وأن الأجناس الأدبية وكل الفنون متداخلة مع بعضها، فنجد الشعر في القصة، والقصة في الشعر.. إلخ، وهذا أمر طبيعي برأيه في عالم الكتابة، لذلك يرى أن على الكاتب أن يستفيد من كل الأجناس الأدبية لخدمة الجنس الذي يبدع فيه، منوهاً بأن ما يحرّضه على الكتابة هو قراءة التاريخ، ففي هذه المجموعة هناك ثلاث قصص مستلهمة من أحداث تاريخية، أما موضوع الحبّ فهو موجود فيها أيضاً، وقد سبق أن خصّص مجموعة كاملة هي “على البخار” للحديث عن الحب، مع تأكيده أنه معروف كقاص، وهو يعتز بذلك، وأنه لم يكتب السيناريو التلفزيوني إلا بعد إصداره لمجموعات قصصية عدّة، بعكس بعض الكتّاب الذين يكتبون روايات أو قصصاً وفي ذهنهم تحويلها إلى سيناريوهات.

كاتب قصة محترف

وبعيداً عن رابطة الدم التي تربطه بالقاص بشار البطرس، أكّد الناقد عاطف البطرس شقيق بشار في بداية مشاركته أن حديثه عنه وعن المجموعة لن يكون من منطلق هذه الرابطة، إنما من خلال النصوص الموجودة في المجموعة، مشيراً إلى علاقة بشار المهندس ببشار الكاتب القاص انطلاقاً من أن الهندسة تنظيم وترتيب وبناء على أسس علمية، والقصة بهذا المعنى بناء له أسس وقواعد وأصول ولذلك يُقال “بنية القصة”، ومبيناً أن أول ما يطالعنا في هذه المجموعة هو تنوّع الأساليب في بناء القصص، بالإضافة إلى مجموعة من الخصائص التي تجعل من القاص كاتب قصة محترفاً بتنوع أسلوبه وطريقة تناوله وتنوع الموضوعات فيها، حيث منها ما هو مألوف وعادي، ومنها ما هو غريب وغير معتاد، إلى جانب وجود  قصص مخالفة للأعراف لكنها مكتوبة بشكل مهذب، مع تأكيده أن القاص يبتعد عن إبراز المهارات والمتعاليات النصيّة واستعراض ثقافته بشكل مقصود إلا في حالات قليلة جداً يضطر فيها إلى فعل ذلك وفقاً للموضوع المطروح.

وتوقّف الدكتور البطرس عند بعض قصص المجموعة ليؤكد أن القاص يكتب ما هو متخيل، ليوهمنا في الوقت ذاته أنه يكتب حكاية واقعية، كما يعمل على أنسنة الحيوانات والأشياء مثل قصة “عروس البحر والمزمار”، ولم يخفِ عاطف البطرس أنه توقف مطولاً عند قصة “المتنبي عاشقاً” التي أثارت لديه العديد من الأسئلة، أولها إلى أي حدّ يُسمَح للقاص والروائي أن يتصرف بوقائع تاريخية، ولاسيّما أن حديث القاص عن المتنبي كعاشق لا يمتّ إلى التاريخ: “قام بشار بإعادة منتجة لسيرة حياة المتبني”، مشيراً كذلك إلى أنّ القاص ترك في معظم قصصه النهايات مفتوحة من دون الوصول إلى نتيجة، وهذا برأيه جوهر الأدب، وختم كلامه مؤكداً أن المجموعة على صغر حجمها وعدد قصصها القليل تبشّر بأن القاص بشار البطرس ينمو درامياً ويحاول الوصول إلى ذروة أعلى على طريق الإبداع.

الخواتيم

وبيّن عماد عبيد في مشاركته أننا أمام قاص شقّ دروبه الخاصه في عالم القصة وأخلص لها محاولاً أن يبني عماراته القصصية بأسلوبه الخاص والتي شيّدها بدأب وإتقان لتأتي عمارته الجديدة “دم اللقلق” وتثير شهية القارئ للقراءة واستنباط رؤاها ومراميها، متوقفاً بدايةً عند العنوان غير المطروق والذي يحثّ القارئ على قراءة إحدى عشرة قصة، لكلّ منها عتبة عنوان متفردة لا تبتعد عن العلاقة مع فكرة النص ولا تفضحها، ليؤكد عبيد بعد تقييمه لبعض القصص التي ضمّتها المجموعة أن المجموعة حائزة على تأشيرة دخولها إلى عالم القصة القصيرة بجدارة، سواء من حيث اكتمال معمارها الفني أو من حيث موضوعاتها والرؤى الفكرية التي حملتها، وأهم خصائها الجذب والتشويق ودهشة الروي والقفل، وإن كان الكاتب برأيه يجنح إلى اللغة السردية التقريرية المباشرة، وقلّما يختار اللغة الأدبية بصورها المفارقة ومعانيها الملفتة، لكنه حين يطرقها يجيد الطرق، وقد اتضح ذلك في أكثر من قصة، وخاصة اللغة المحلقة في قصتَي “دم اللقلق” و”العجين”، مع تأكيده أن بعض الخواتيم فيها كان يمكن التلاعب بها لتكون أكثر إدهاشاً وكسراً لأفق التوقع، مع تأكيده أن القصة القصيرة كجنس أدبي ينطبق عليها قول رولان بارت “كلما تعدّدت القراءات اغتنى النص”، وأن بشار البطرس حين ترك بعض نهايات قصصه مفتوحة لأكثر من تأويل عبّر عن مكننة فنية إبداعية من أهم ميزات الكتابة القصصية.

شخصية سوريّة

وفي نهاية الندوة، أشاد وزير التربية الدكتور محمد عامر المارديني بثقافة البطرس العالية، مبيناً أنه تدرّب على يديه في ورشات متتابعة في كتابة فن القصة وقد تعلّم منه وبتعاطيه مع هذا الفن وطريقة نقده، وأنه ككاتب استفاد كثيراً من الورشات التي أقامها، ليؤكد المارديني أن القاص بشار البطرس شخصية سوريّة نعتز بثقافتها الواسعة.