أكاديميون وباحثون بعثيون: المال الانتخابي والمحسوبيات أكبر خطر على نزاهة الانتخابات
دمشق – غسان فطوم
يدرك البعثيون، جماهير، وقواعد، وقيادات، أننا أمام مرحلة مفصلية علينا أن نكون على قدر تحدياتها التي تتطلب منا أعلى درجات الوعي والتحلي بالمسؤولية الوطنية، ومع اقتراب الحدث المنتظر المتمثل بانتخاب لجنة مركزية جديدة وتشكيل قيادة مركزية للحزب، يؤكد الرفاق البعثيون على أهمية ممارسة الحق الانتخابي كجزء من المسؤولية في اختيار الكفاءات والخبرات بنزاهة بعيداً عن أية اصطفافات مشبوهة بفعل المال السياسي والمحسوبيات التي تفرز قيادات لا تمتلك المقدرة ولا الكفاءة في تحمل المسؤولية الحزبية بشكل خاص، والمسؤولية تجاه الوطن بشكل عام.
تدني مستوى الأداء
الخبير الإستراتيجي الدكتور غالب صالح أكد على أهمية الالتزام بمبادئ الحزب وروحيته، كونها مسألة نابعة من الإيمان بعقيدة البعث ودوره في تحقيق آمال الجماهير التي يمثلها والسعي لتحقيق تطلعاتها، لافتاً إلى أن دور القيادات البعثية في التأثير على القواعد مرتبط بحسن السيرة للرفيق البعثي القيادي من خلال الممارسة والتطبيق لما يؤمن به وبما يمتلكه من قيم وإيمان والتزام بالفكر والمبادئ التي جاء بها الحزب.
وفيما يتعلق بالمال الانتخابي ومدى تأثيره على الانتخابات ونتائجها، أكد الرفيق صالح أن المال الانتخابي موجود على الساحة الوطنية بقوة ويلعب دوراً كبيراً في وصول المتسلقين والانتهازيين إلى مواقع المسؤولية، وبرأيه هو أحد أسباب تدني مستوى الأداء على مستوى المؤسسة الحزبية وفي المؤسسات الأخرى في الإدارة المحلية ومجلس الشعب، كما أنه يساهم في تراجع نسبة مشاركة القواعد الحزبية الفعلية في العملية الانتخابات، عدا عن أنه يقوّض وصول الكفاءات والخبرات وانكفائها عن خوض العملية الانتخابية، ويخلق نوعاً من الإحباط العام بسبب غياب التمثيل الحقيقي لجهة تنبي المطالب والقضايا المتعلقة بالشأن العام.
علّة متجذرة!
وبيّن صالح أن الأمر لا يتوقف فقط على المال الانتخابي، وإنما هناك المحسوبيات، واصفاً إياها بالعلة المتجذرة فينا كمجتمع أولاً وحزب ثانياً، وهذا مرض لم نوفّر له البيئة السليمة لتجاوزه بحسب قوله، حيث لا زلنا بعيدين عن ثقافة الانتماء والإيمان بفكر المؤسسة التي ننتسب لها وتظهر عادة هذه السلبية في ممارساتنا عند إجراء أية عملية انتخابية سواء في الأحزاب أو النقابات وسواها، وأشار إلى أن تجاوز آفة المحسوبيات يكمن في الوعي الوطني والتركيز على مخاطر هذه الظاهرة وأثرها على حيوية الحزب وبناء المؤسسات عامة، وذلك بحسب ما أشار إليه الرفيق الأمين العام للحزب الدكتور بشار الأسد، كما أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على قصور الجهات المعنية في المؤسسة الحزبية لجهة الإعداد والثقافة بصقل شخصية الرفيق البعثي وتجعل منه قدوة في المجتمع.
ولفت الرفيق صالح إلى أن المرحلة الراهنة تقتضي أن نكون على قدر التحديات التي تتطلب منا أعلى درجات الوعي والتحلي بالمسؤولية الوطنية، مشيراً إلى أهمية اختيار لجان الإشراف على الانتخابات لإشاعة أجواء النزاهة والشفافية والثقة بنتائجها، وبرأيه أن انتقاء الرفيق الأمين العام للحزب لأعضاء اللجنة هو الخيار الأفضل وفق الشروط والمعايير التي تم إقرارها في اجتماع اللجنة المركزية للحزب من الرفاق المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والموضوعية ومن خارج الأعضاء.
ضعاف النفوس
من وجهة نظر الدكتور أسامة الحمّود فإن المال الانتخابي حقيقة واقعة وملموسة، يستخدمه بعض ضعاف النفوس ممن لا يمتلكون رصيدًا حقيقيًّا لدى القواعد الحزبية، حيث يستخدمون هذا المال بأحد اتجاهين: إما لشراء بعض أصوات القواعد، أو بشراء ذمة بعضٍ ممن يتبوؤون مواقع قيادية على اختلاف مستوياتهم، مشيراً إلى أن معالجة هذه المشكلة ينبغي أن تتخذ منحيين؛ أولهما منحى التوعية للقواعد الحزبية بأهمية العملية الانتخابية وانعكاساتها على واقع المؤسسة، وثانيهما التشدد في ضبط العملية الانتخابية واختيار كفاءات نزيهة لقيادة هذه العملية، بدءًا من التحقق من هوية الناخب، وصولًا إلى عملية الفرز الموغلة في التقليدية، لافتاً إلى ضرورة الاستغناء عن الفرز اليدوي الذي يفتح بابًا واسعًا للفساد والتلاعب، والانتقال إلى الفرز الإلكتروني الذي طُبِّق في فترة ما وألغي حين اصطدم بمصالح البعض.
المحاسبة المباشرة
وفيما يخص المحسوبيات وأثرها السلبي يرى الدكتور الحمّود أنها ترتبط بصورة مباشرة بالمال الانتخابي، لأن المحسوبية المبنية على صلة القربى ذات هامش ضيق، بل وباتت أيضًا تخضع للمال الانتخابي، والمعالجة الوحيدة هي المحاسبة المباشرة والتحقق العميق من الشكاوى المرتبطة بهذا النوع من الممارسة، التي تتخذ شكل الفرض أو التوصية التي تعززها الصفة الاعتبارية في المؤسسات القيادية، لذلك وبحسب حمود ينبغي أن ننتقل إلى أن تتولى هيئات من غير ذوي المصلحة قيادة العمليات الانتخابية، وتُجرَّد معها القيادات المتسلسلة من صلاحياتها التي تتيح لها الضغط بالفرض أو التوصية.
معالجة عميقة
ويحبّذ الرفيق الحمود فيما يخص علاقة الحزب بمؤسسات الدولة أن يكون دور الحزب رقابي غير مباشر أي عن طريق الرقابة الشعبية التي تمارسها المنظمات الشعبية والنقابات المهنية بما يضمن أفضل أداء لمؤسسات الدولة على أن يرتبط هذا الدور بمعالجة عميقة لمنظومة الفساد التي باتت تشوب بعض الحالات التي أصبحت في بعض الأحيان عائقاً أمام نهوض مؤسسات الدولة بمهامها، أو شريكة في حالات فساد هنا وهناك.
داتا تراكمية
وبالنسبة للطريقة الأفضل لاختيار لجنة الإشراف على الانتخابات أكد الدكتور حمود أن الجهاز الحزبي زاخر بالكفاءات النظيفة والمشهود لها وبالتالي ينبغي أن نسعى لبناء (داتا تراكمية) لهذه الشريحة والتي لا ترتبط بالمناسبة بشهادة ما أو صفة ما، وإنما ترتبط فقط بالسلوك الحزبي والمهني، والتي يمكن الاسترشاد إليها باستبيانات غير مؤسسية ضمن الجهاز الحزبي، ولا ضير من الاعتماد على مراكز دراسات تتبع للدولة في تحقيق هذا الغرض، مضيفاً: إن الأهم لاحقًا هو ضوابط العمل التي تضيق هامش الخطأ البشري الذي يعتبر منفذًا أوليًّا للفساد، والاعتماد ما أمكن على التكنولوجيا التي باتت مستخدمة في كل المحافل الانتخابية في العالم.
حرف الانتخابات
وبدوره أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور سامر المصطفى إلى الدور السلبي الذي يلعبه المال الانتخابي في الحياة الحزبية من خلال حرف الانتخابات عن مسارها الصحيح وتشويهها وجعلها غير ناضجة، مطالباً بمعاقبة كل بعثي يستخدمها واستبعاده من الحزب ومن العملية الانتخابية لأن من يستخدم المال في الانتخابات البعثية هو بعثي وصولي أي غير منتمٍ للحزب بشكل حقيقي، وللقضاء على هذه الظاهرة يرى مصطفى ضرورة التدقيق على المرشحين من خلال العودة لتاريخهم الأخلاقي قبل الموافقة على ترشيحهم، بمعنى العمل على وضع معايير مناسبة تمنع دخول أشخاص مشكوك بهم حتى ولو كانوا يتولون مناصب حزبية أو قيادية، بما يساهم في الحد من دخول الفاسدين إلى الانتخابات أو الذين ينوون دخولها معتمدين على ضخ الأموال أو المحسوبيات التي يجب القضاء عليها للمحافظة على نزاهة الانتخابات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الكفاءات والخبرات الحزبية القادرة على تمثيل الحزب خير تمثيل، مؤكداً هنا على مسؤولية القيادات الحزبية بالحث على المشاركة بالانتخابات على أوسع نطاق وجذبهم لاختيار الأفضل بانتخابات الشُعب والفروع ليمثلوهم بشكل صحيح باللجنة المركزية للحزب.
دماء جديدة
وتمنى دكتور الاقتصاد ضخ دماء شابة في اللجنة المركزية للحزب والخروج عن التقليد الأعمى، مؤكداً على أهمية اختيار مشرفين على الانتخابات من الرفاق الأعضاء العاملين غير المرشحين للانتخابات وليسو من القيادات البعثية الحالية أو السابقة أو الإدارية حالياً في الحزب أو بالمؤسسات بهدف إبعاد المحسوبيات ومنع التلاعب بالانتخابات ونتائجها حتى نظهر الوجه الشفاف في النتائج، وبرأيه أن أفضل صيغة لعلاقة الحزب بمؤسسات الدولة هي العلاقة التكاملية في مختلف المجالات لكي لا يحدث تضارب في التنسيق والأداء والأهداف.
فجوة وتباعد
الدكتور جميل علي مدير المركز السوري للدراسات والنشر يرى أن التباعد والفجوة باتت هائلة وعميقة بين الأساس النظري العقائدي للحزب وبين الردود الإرتكاسية التي اقتضتها وسلكتها قيادات السلطة والبعث في سورية للاستجابة لتحديات كل مرحلة التي مرّ بها البلد والحزب، مشيراً إلى أن الحوارات والنقاشات التي جرت بين رفاقنا في اجتماعات اللجنة المركزية كانت توحي بمجملها وكأننا بصدد تأسيس الحزب من جديد، وبرأيه أن هذا الأمر فيه جانب إيجابي لأنه ضرورة وواجب بعد عهد طويل من الاستكانة السلبية لحيوية الحزب بجماهيره وقواعده، ولكنه يحمل وجهاً سلبياً أيضاً عندما تُركن جانباً عقوداً من التجارب والخبرات المتراكمة في تاريخ البعث ومسيرته الكفاحية.
طغيان المركزية
ولفت علي إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي لم يفتقر يوماً إلى نظرية ديمقراطية داخلية وخارجية، بل هي موجودة في بنيته التنظيمية والفكرية وفي ممارسته للسلطة، لكنها لأسباب غير مجهولة تم تعطيلها في حالات معينة، وربما التحرر من قواعدها الناظمة في حالات أخرى، حيث طفت مركزية القيادات وأنابت نفسها عن قواعد وجماهير الحزب وتماهت إلى حد كبير مع أسلوب عمل السلطة وممارساتها، وبالتالي أُسندت النجاحات للسلطة والإخفاقات للحزب، وهذا ما جعل جماهيره والشارع السوري بشكل عام تتراخى في تأييد خطابه وتحجم عن المشاركة في زخم معاركه الفكرية والسياسية على المستوى الوطني والقومي.
نظرية حديثة
وطالما “البعث” يحمل تطلعات وآمال الجماهير ويدافع عن قضاياها بأمانة وانتماء حقيقي يرى مدير المركز السوري للدراسات والنشر، ضرورة إعادة صياغة نظرية حديثة للحزب تستند إلى جوهر بنية البعث الفكرية التأسيسية كونه حزب الطبقات الشعبية العاملة والمنتمية للأرض والوطن، وهو حزب العروبة ووحدتها وأصالتها، مؤكداً أن حزب البعث هو الحزب الأقوى تجربة والأعمق انتماءً والأكثر قابلية للتجدد والأصالة وقيادة الجماهير لأنه الأصدق تعبيراً عن آلامها وآمالها وقضايا ومستقبل أجيالها.