الإيمان بالقضايا للسموّ بالحزب والوطن
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
تمرّ البلاد بتحديات كثيرة وأساسية بعضها متعلّق بالأزمة بالتأكيد كإعادة الإعمار، بما يشمله من إعادة إعمار للفكر بالدرجة الأولى الذي شوشته أحداث متسارعة وقاسية وحدّت من تطوره حصارات وحروب وغياب لبعض الوسائل والأدوات المطلوبة، بما فيها أدوات البحث العلمي واللحاق بركب الاقتصاد المعرفي الذي بدأ يأخذ حيزاً من الاقتصاد العلمي ككل، في وقت وللأسف لا زالت شعوب كثيرة في مرحلة تفكير الندرة وإدارتها.
أما التحدي الثاني فهو تحدي الدفاع عن الوطن ضدّ جملة من الأخطار الكبيرة، والتي يأتي في مقدمها المخاطر الفكرية والإيديولوجية، في وقت تشهد المنطقة والعالم بأسره صراعات ساخنة أو ربما حواف صراعات سببها الأساسي سقوط الأيديولوجية الغربية بعد تفاقم أزمة الحداثة التي كانت أمريكا سببها ومحركها الأكبر، بعد حدوث انكشافات شبه يومية وعلنية ومتسارعة أخذت تعرّي تلك الحداثة وقيمها الزائفة أمام كل شعوب الأرض، بمن فيهم يهود أمريكا الذين خرجوا عن صمتهم أمام عنف قامت به مجتمعات “مركبة” في الكيان الصهيوني، وصفها الرفيق الأمين العام للحزب بشار الأسد، رئيس الجمهورية، بأنها مجتمعات تحوي إنسان مركب مشابه للألعاب، ويمكن توجيهه وتحويله لارتكاب العنف المفرط لأنه ببساطة لا يحتوي مشاعر بل تم تركيبه كما سبق ورُكب مجتمعه. فهذا يعطي تفسيراً واضحاً لما جرى ويجري في سورية والمنطقة والعالم من عنف وإرهاب ضدّ الإنسان الذي للأسف جعلته تلك “الحداثة” في آخر الاهتمامات.
أما التحدي الثالث فهو سابق للتحديين المذكورين آنفاً ومرافق ومستمر الوجود ومتعاظم في الأهمية، ويتمثل في محور الإصلاح، لأنه يتعلق بكل القطاعات وكل محاور العمل وجميع جوانب المجتمع. إن محور الإصلاح تكمن أهميته اليوم في غمرة ما نعيشه من ترقب لتحولات إيجابية كبرى تبدأ من حياتنا الحزبية بعد عقد اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث الاشتراكي، وما تم طرحه خلاله من خطط عمل ورؤى ضمن كلمة الرفيق الأمين العام أو من خلال مداخلات الرفاق الحضور حول ماهيه وكيفية إصلاح أي ظواهر سلبية سواءً ضمن صفوف الحزب أو ضمن صفوف المجتمع. وعلينا هنا أنا نلحظ مدى التقارب بين مصطلحي حزب البعث العربي الاشتراكي والمجتمع السوري، وللتفسير يمكننا ببساطة مشاهدة الاهتمام والنقاشات من حولنا والتعويل على هذا الحراك من غير البعثيين قبل البعثيين، ومن غير الحزبيين قبل الحزبيين، وحتى وإن لم يعد “البعث” هو الحزب القائد وفق دستور الجمهورية العربية السورية، لكنه على أرض المؤسسات بقي القائد لكل تطور ولكل نهوض ولكل تحشيد للطاقات في سبيل إتمام أي مشروع وطني، ولنكن منصفين هو أيضاً حاضر بالنقد البنّاء وغير البنّاء، والداخلي والخارجي، والوطني و”اللا-وطني” من خلال تحميله مسؤولية كبرى عن أي مظاهر تقصير أو سلبيات سواءً كانت بفعله أو بغير فعله، وسواء كانت ناجمة عن تضارب وخلل في التطبيق، أم خطأ متعمد من مفصل ما ضمنه، أم كانت سلبيات لا علاقة لها بالحزب نهائياً.
في معرض حديثنا هذا عن الإصلاح لا بدّ أن نعرّج على مسائل هامة تتعلق به وأهمها تمت الإشارة إليه في خطاب الرفيق الدكتور بشار الأسد، حول مسألة الشخص المُحبِط للآخرين، والذي وصفه سيادته بأنه “شخص تافه” ويحب أن يرى الآخرين في مكانة أقل من مكانته حتى. وفي التطبيق العملي لما قاله سيادته وعند بحثنا عن مسألة المال الانتخابي ومتابعتنا لوقع هذا المصطلح والتعاطي معه سواءً في المجتمع أو حتى ضمن تعليقات المجتمع الافتراضي نلحظ عبارات من بعض أولئك المحبِطين لغيرهم مثل “لن يحقق من ننتخبهم شيء فلماذا لا نأخذ منهم مالاً مقابل أصواتنا”. ثم نجد بعد ذلك أولئك أنفسهم يرددون عبارات أو يدونون تعليقات تشجب قيام “البعث” بإيصال التجار وكبار الصناعيين وأصحاب الفعاليات والمولات إلى مفاصل القرار والمناصب، متسائلين أين هم صغار الكسبة والعمال والفلاحين والمفكرين، ومتناسين في الوقت نفسه أن “جناية الرشوة” لها طرفان؛ طرف هو الراشي الذي ظن أنه بماله قادر على أن يشتري كل شيء بما فيه الذمم، والطرف المرتشي الذي قبض ثمن قراراته الخاطئة ظناً منه أن ذلك سينقله إلى واقع أفضل عبر مكاسب سخيفة، وهنا تتجسد حالة الإحباط المتداخلة بسلبية “المال الانتخابي”، ف وقت نرى أن الحزب قرر التركيز على فئة الشباب، ولا سيما الطلبة الشباب عندما خفض لهم مدة العضوية العاملة لدخول الانتخابات والواضح هنا أن “البعث” لم ينادي بشعارات جوفاء كما يدعي المشككون أو الرماديون أينما وجدوا، بل على العكس هو يريد تكثيف وجود فئة الطلاب الجامعيين وإشراكهم في قيادة الحزب وتوجيه نشاط المجتمع الذي جلّه من الفئات الشابة والفتية، والإفادة من وجودهم في تعزيز جماهيرية الحزب وارتباطه بالمجتمع وقضاياه بقوة، والأهم من ذلك إدخال الرابط الاتصالي التكنولوجي إلى داخل البنية الحزبية في مسار التطوير الدائم والمستمر لحزب البعث الذي كفل وسيكفل بقاؤه ونجاحه. وبالعودة إلى فكرتنا السابقة فإن عدم الوعي لخطورة الظواهر السلبية يعني أن الرفيق الحزبي ساهم من خلال خياره الخاطئ بدعم وإيجاد تيار مالي ضمن صفوفه يسيطر عليها ويمرر مصالحه من بوابة الحزب ليمتد عبره إلى نخر المؤسسات، وبهذا قد نصل إلى مشهد دمار يفوق كل دمار سببه الإرهاب والعدوان على سورية سواءً قبل أو أثناء الحرب. ولذلك علينا جميعاً تذكر ما هو أسمى، والانطلاق من أن الوطن يبنى على القضايا لا المكاسب السريعة والسخيفة أو الآنية. وهذا ما عبر عنه الرئيس الأسد في كلمته التي دعت إلى التمسك بالقضايا لأن ذلك التمسك يشكل ضمانة تحمي الأوطان. وحماية الأوطان تحتاج من المواطن الإيمان بقضاياه الأيديولوجية لا بقيم دخيلة أو غير واضحة الاتجاه. وهنا يمكننا إسقاط المثال على حالة ناخب باع صوته وحقق مكسباً لكن السؤال الذي غاب عن ذهنه هو إلى أين سيقوده من ساهم في إيصاله إلى منصبه؟
كلنا أمل في الوصول إلى بر الأمان، لكن هذا الوصول لا يتوقف على “البعث” بمفرده -حتى وإن لم يقصّر يوماً في تحمل قيادة المجتمع والمؤسسات- فالتعويل ينطلق من إيمان كل رفيق بعثي وكل مواطن سوري مهما كان انتماؤه بقدرته على بداية الإصلاح إنطلاقاً من ذاته، والإيمان من قواعد الحزب بقدرتها على تطوير وتحسين دور الحزب، ومن ثم الانتقال إلى عكس ذلك التحول الإيجابي على المجتمع بأسره بعد نبذ شخصنة المؤسسات، وتعزيز تكاتف الجميع في قيادة العمل وترسيخ دورهم الجماعي في إنجاح كل المؤسسات لا الاتكاء على شخص أو عدة أشخاص، فالأشخاص تتباين قدراتهم وأهدافهم أما الأغلبية فتهمهم النجاحات لأنها ستحقق الخير لهم ولوطنهم.