صحيفة البعثمحليات

كشف الغطاء

معن الغادري 

في آلية التفاعل اليومي مع المتغيّرات والتموجات والمنحنيات المختلفة، ثمّة ملفات وقضايا اقتصادية ومعيشية تكاد تكون غير مفهومة ومجهولة المعالم، إذ بدأت مؤخراً تأخذ مسارات متباعدة ومتعرجة وبعيدة عن أي مقاربة واقعية ومنطقية للواقع المعاش والدخل والإنفاق. وبالتالي، كان طبيعياً أن تنحني هذه المسارات أمام قوة وشدة الأزمات المختلفة والمتزايدة، وعاصفة الغلاء والارتفاع اليومي واللحظي للأسعار على وجه التحديد.

وإذا استثنينا ما تمّ اتخاذه من قرارات وإجراءات وتدابير خلال ما مضى من زمن، والتي أقلّ ما يمكن وصفها بأنها متردّدة ورخوة وغير مجدية، نجد أن الإشكاليات والأزمات ما زالت حاضرة بقوة في حياتنا اليومية، ولعلها نتيجة طبيعية لحالة الانكماش والركود، والتي عكست بوضوح مدى القصور في الرؤى والخطط والبرامج التنفيذية التي ضاعفت من المشكلات والأزمات، وتركت القليل من الخيارات للخروج من عنق الزجاجة.

وقد نجد، أمام هذه المعضّلة والمشكلات والأزمات المرهقة والمؤلمة والمرّحلة قسرياً من عام إلى عام، أن الحاجة تبدو أكثر من ملحة لقرارات جريئة وسياسات اقتصادية ناجعة قادرة على تصويب مسارات العمل وتصحيح اتجاهات البوصلة ضمن مشروع وطني نهضوي، لا يغفل محاسبة المقصّرين والفاسدين كخطوة أولى وركيزة أساسية على طريق إصلاح منظومة العمل المؤسساتي، وهنا تأتي أهمية وحتمية التغيير كمخرج لما نعيشه من أزمات تتراكم وتتدحرج ككرة الثلج.

ونعتقد أن نجاح هذه الخطوة يتطلّب انتظاماً وانضباطاً في العمل الإداري والخططي والتنفيذي، وموثوقية مطلقة في الأشخاص الذين يديرون العمل، وهو ما يدفعنا إلى التأكيد مجدداً على ضرورة وأهمية إجراء غربلة لمديريات ومؤسّسات بعينها، انحرفت عن أهدافها ومسارات عملها بزوايا منفرجة، والأهم تفعيل آليات الضبط والمراقبة على مستوى الجهاز التنفيذي والرقابي والتشريعي، ومحاربة كل أشكال الفساد واتباع سياسات جديدة لا تقبل التباطؤ والتحايل على إنفاذ الموجبات والقرارات الضامنة للخروج من الأزمة الاقتصادية والمعيشية على وجه الخصوص، والأهم في هذه المعادلة هو إعادة ترميم منظومتي العمل الإداري والتنفيذي، والاعتماد على الموارد الذاتية في تحسين الوضع الاقتصادي وسدّ الفجوة وردم الهوة.

وبعيداً عن الغوص أكثر في التفاصيل، والاكتفاء بالإشارات والتلميح، نرى أن حلب تصلح لأن تكون مثالاً لكل ما سبق، فهي تعجّ بالمتناقضات وحالات الفساد الظاهرة والمخفية منها، وهي اليوم أحوج ما تكون مع بداية العام الجديد إلى أسس وقواعد عمل مناسبة وملائمة، وربما إلى وجوه جديدة، تتسم بالمصداقية والشفافية وتملك القدرة والكفاءة على إزاحة الستارة وكشف الغطاء عن الفاسدين، وإذابة كلّ ألواح الجليد التي وضعها الكثيرون أمام عجلة نهوض وتطور ونمو هذه المدينة الأكثر ثقلاً ووزناً في خريطة اقتصادنا الوطني.