الاتجاه التخريبي للثقافة والأدب
محمد خالد الخضر
تتهافت على الأسماع وعلى صفحات التواصل الاجتماعي أحاديث الأدب، الشعر بشكل خاص والثقافة بشكل عام، ويبدو أنّ كثير من وسائل الإعلام تتلقف تحولاتها وحركتها الثقافية مما تراه شائعاً، وتخطفه من صفحات التواصل من دون سؤال عن كيفية وسبب نشوء هذا المشهد أو الخبر أو المقطع المصور وغير ذلك.
وفي الوقت عينه، الشخصية الثقافية الآن بحاجة كبيرة إلى بقاء صلتها بتراثها وماضيها وحضارتها ثابتة، مع تقدير التطور الحقيقي لمواكبة الحداثة التي من المفترض ألّا تمس الثوابت والأخلاق التاريخية للحضارة العربية، لكن واقع الحال مختلف تماماً عمّا يجب أن يكون، وما يروج الآن هو زيف ثقافي خطر يروج له بقوة، وليس صحيحاً أن يسوق التيار الجارف الذي لا يحترم أبداً أهمية اللغة العربية وعراقتها الذين من المفترض أن يكونوا هم حماتها.
لقد انتشرت هذه الظاهرة التي يركز عليها المغرضون غالباً من خلال شعراء بعيدون عن الثقافة والموهبة، لأن خلط الشعر والسجع وإنهاء المنظوم بحرف واحد لا يعني شعراً إلا عند الجهلة، وهذا ما يؤثر على الانتماء والهوية، كما صار كثير من الأدعياء يسجلون على صفحات التواصل تحت اسمهم كلمة شاعر، وللأسف تورطت بعض وسائل الإعلام بنقل المعلومة أيضاً، وهذا ما يربك الحالة الثقافة بالإضافة إلى خلط في المصطلحات اللغوية، وتعريف النكرة في كثير من المواضع صارت إلى حد مألوف في المنشورات التي خلطت بين الفصيح والمحكي، ناهيك عن تراجع الحضور الشعبي في الوسط الثقافي بسبب استبدال الثقافة بالاستعراض وحركة اليدين حول المنبر، ونقل ما يدور تحت تسميات أدبية إلى كثير من الوسائل الإعلامية، ومن أكبر الكوارث أن تصدر في واجهتها وسيلة إعلامية، السجع وصف الكلام على أنه شعر، وتأتي بأي كلام محكي، وتسميه شعراً، وكثيرة هي الأسماء من دون ذكر الشواهد، ما يدل على التورط من دون معرفة وثقافة، ما يؤذي الهوية ويخدم التشويه الانتمائي للثقافة إلى درجة استبدالها.
ولا يخفى على أحد في الآونة الأخيرة التهليل الذي وجدناه لأي صورة عارية أو شبه عارية، ومنحها الإعجابات على صفحات التواصل ـ الفيسوك أنموذجاًـ، والاستشهاد عند المستثقفين بأسماء غربية وإهمال ما تمتلكه العربية من فصاحة وقوة وشعر باهر وحضور.
سأستحضر مثالا في الغزل ليكون شمولياً، وهو قول عنترة العبسي:
أحبك يا ظلوم وأنت مني/ مكان الروح في جسد الجبان
ولو قلت مكان الروح في / لخفت عليك بادرة الطعان
والظلوم هنا تعني الغزالة، ولو سألنا عشاق العصر الحديث إذا أبحرنا في المعنى هل كتب شعراء أو متشاعرو، اليوم، أجمل منها؟.. لا أعتقد إلا من سار على الطريق عينه، وجميل قول نزار قباني:
سارت معي والشعر يلهث خلفها / كسنابل تركت بغير حصاد