مشروع تحالف بالقرن الإفريقي ضدّ الأطماع الإثيوبية
د.معن منيف سليمان
تشهد منطقة القرن الإفريقي مشروع تحالفٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ جديد، بهدف حماية مصالحها من الأطماع الإثيوبية التي باتت تلحق الضرر بمصالح دول الجوار، وتهدّد الأمن والسلم الإفريقي دون أن تأخذ في الحسبان تبعات وتداعيات ذلك، ما يجعل المنطقة على صفيح ساخن.
بدأت الأطماع الإثيوبية تهدّد الأمن والسلم الإفريقي، عندما أبرمت أديس أبابا مذكرة تفاهم وتعاون مع قيادة أرض الصومال الانفصالية، وهي تدرك أن أرض الصومال لا تملك الاعتراف الدولي، ومع ذلك أقدمت على هذه الخطوة على الرغم من اعتراض الصومال، وجيبوتي ومصر والجامعة العربية عليها. وبموجب هذا الاتفاق سوف تحصل إثيوبيا على قاعدة بحرية في الصومال، مقابل أن ينال الإقليم أسهماً في الخطوط الجوية الإثيوبية، كما ستعترف إثيوبيا باستقلال إقليم أرض الصومال الانفصالي.
لم يكتفِ “آبي أحمد” بهذا الاتفاق غير القانوني، وإنما أعلنت حكومته قبل أسابيع أن استقلال واستفتاء إريتريا، الذي تحرّرت بموجبهما من تبعية أديس أبابا، كان خطأ تاريخياً وقانونياً، وهذا يعني بالضرورة عدم الاعتراف الإثيوبي بسيادة إريتريا، وعودة الحرب بين الدولتَين.
ولعل دافع تلك التصريحات أن إثيوبيا تبحث عن منافذ بحرية، بأي ثمن، ذلك لأنها دولة قاريّة مغلقة، وفي سبيل ذلك يمكن أن تقوم بغزو دول الجوار، أو تعزيز الانقسامات فيها، لتضعفها وتنقضّ عليها.
وتمثّل جيبوتي المتضرّر من الاتفاق المنفذ الرئيس لصادرات وواردات إثيوبيا، وهو واقع مهدّد بالتغيير حال نجاح أرض الصومال وأديس أبابا في الوصول إلى اتفاق.
بالتزامن مع تلك الشرارة بات واضحاً أن إثيوبيا عينها على نفط جنوبي السودان، وعلى أراضي “الفشقة” الخصبة، وموانئ إريتريا والساحل الصومالي، وتهديد مصالح دول عربية وحقوقهما التاريخية في نهر النيل، وكانت تلك خطوة عدائية، لم يَقدِم عليها أي حاكم إثيوبي من قبلُ، مثل تلويح “آبي أحمد” من داخل البرلمان بحشد مليون إثيوبي لمواجهة خيار الحرب مع مصر والسودان.
ويعدّ رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” مثال الرجل الذي يصرّ بقوَّة على تعزيز قبضته الحديدية، وبناء إمبراطورية تسيطر على المنطقة برمّتها، وانتزاع تاج الزعامة الإفريقية بالقوة، فهو الآن، وبعد أن استتب له الوضع في بلاده وتخلّص من أبرز منافسيه، بات أخيراً يفكّر بشكلٍ جادّ في ابتلاع دول الجوار.
هذا الإصرار من أديس أبابا أسفر عن مشروع تحالف ثلاثي بين الصومال وإريتريا ومصر لتطويقها، والضغط عليها لمنعها من إيجاد موطئ قدم لها في مياه البحر الأحمر.
وفي هذا الإطار شرع الرئيس الصومالي شيخ محمود، في حشد دعم دول الجوار والدول الصديقة للضغط على إثيوبيا، للتراجع عن مخططها لتأجير ميناء بربرة لنصف قرن، وإقامة قاعدة بحرية، لأن ذلك يعني تكريس انفصال إقليم كامل عن البلاد.
وكان اختيار إريتريا كأول وجهة خارجية لشيخ محمود، حيث قام بزيارة عمل إلى العاصمة أسمرة استغرقت يومين. فالرغبة الإثيوبية بالوصول إلى البحر تمثّل عامل قلق مشتركاً لمقديشو وأسمرة التي تعيش علاقاتها مع أديس أبابا توتراً مبطّناً، بلغ ذروته مع تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي أكد فيها حق بلاده في الحصول على منفذ سيادي على البحر الأحمر. في حين تحدّثت مصادر عن تعزيزات عسكرية في الجبهة الجنوبية للبلاد، تحسّباً لهجمة إثيوبية على ميناء عصب الإريتري.
وفي هذا الإطار أيضاً نشطت الدبلوماسية المصرية، إذ توجّه وفد عالي المستوى إلى مقديشو عقب توقيع المذكرة، كما وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أسمرة بعد مغادرة الرئيس الصومالي لها بيوم واحد، والتقى الرئيس أفورقي في 11 من كانون الثاني الحالي. وقالت وزارة الإعلام الإريترية: إن الطرفين ناقشا أهمية التشاور والتنسيق بينهما في مواجهة التحدّيات الإقليمية والدولية الراهنة.
ووجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دعوة إلى نظيره الصومالي لزيارة القاهرة، عبر وفد رفيع المستوى زار مقديشو في السابع من الشهر الجاري.
أما جيبوتي، الرئيسة الدورية لـ”إيغاد”، فأعلنت دعمها بقوة حماية سيادة ووحدة واستقلال أراضي جميع الدول الأعضاء في المنظمة، في إشارة إلى رفض الخطوة الإثيوبية.
إن التقارب بين مقديشو وأسمرة والقاهرة وجيبوتي والخرطوم، وخاصة بعد اندلاع الحرب في السودان واستقبال أديس أبابا رئيس قوات الدعم السريع، يشير إلى وجود مصالح متعارضة على المستوى الإقليمي، تصطدم مع الأطماع الإثيوبية التي تستهدف وضع قواعد جديدة للعبة الإقليمية وإعادة هندسة المنطقة، بما يجعل المنطقة أمام مناورة متعدّدة الأهداف؛ فمن ناحية تحقق إثيوبيا طموحها القديم لحماية مصالحها الحيوية، وإيجاد موطئ قدم استراتيجي لها في المياه الدافئة، وفي الوقت نفسه، حماية مصالح هذه الأطراف الإقليمية، ما يشير إلى تشكّل تحالفات جديدة في حال قيام أية حرب تخوضها إثيوبيا ضدّ إحدى جاراتها من أجل تأمين منفذ بحري خاص وبناء قاعدة عسكرية إثيوبية في البحر الأحمر أو خليج عدن.
ويتوقّع مراقبون أن يتصاعد الصراع بين إثيوبيا والصومال، وقد يؤدّي إلى لجوئهما إلى انتهاج حروب الوكالة كل منهما ضدّ الآخر. ووفق هذا السيناريو يُرجّح أن تُقدم الصومال على مساندة جماعات المعارضة الإثيوبية وخاصة جيش تحرير الأورومو في جنوبي إثيوبيا، في حين يتزايد دعم إريتريا لمليشيات الفانو الأمهرية في شماليها.
وتقاتل الحكومة الإثيوبية عدداً من الفصائل العسكرية المتمرّدة من أبرزها جيش تحرير أورومو الذي أصدر بياناً عقب توقيع مذكرة التفاهم شدّد فيه على ضرورة أن تتم مثل هذه الخطوات بموافقة الحكومة الفدرالية في مقديشو، داعياً أرض الصومال إلى احترام مبدأ سيادة ووحدة أراضي الصومال في الاتفاقيات التي تعقدها.