دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة تستخدم تايوان مطيّة لمصالحها الخاصة

عائدة أسعد

بذلت الولايات المتحدة على مرّ السنين جهوداً لكسب الحلفاء والشركاء، وخاصة في آسيا، لبناء جبهة ضد الصين وقامت بمهاجمتها واتخذت إجراءاتٍ لاحتوائها وعزلها عن المجتمع الدولي.

 

تايوان بيدق على رقعة الشطرنج

إن الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز علاقاتها العسكرية والرسمية مع تايوان، وذلك لتعزيز دور تايوان باعتبارها قطعة شطرنج يمكن استخدامها لتطويق البر الرئيسي، وفي الوقت نفسه رفض قوى الانفصال في تايوان توافق 1992، وتحدّت أيضاً مبدأ صين واحدة، ما أدّى إلى توتر متبادل للعلاقات في السنوات الأخيرة.

وقد وصف العديد من المسؤولين والسياسيين والخبراء الأمريكيين تايوان بأنها نقطة اشتعال بين بكين وواشنطن يمكن أن تؤدّي إلى نشوب حرب بينهما.

ونظراً لهذه الحقائق، فإن الدوائر السياسية الأميركية ووسائل الإعلام الغربية أولت اهتماماً محدوداً، على الأقل ظاهرياً، لانتخابات القيادة المحلية في تايوان وامتنعت عن تفضيل أي مرشح علناً، وبطبيعة الحال، ليس هناك أي وسيلة لمعرفة التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة خلف الكواليس، وبالتالي لا يمكن استبعاد بعض المناورات السرية، وأيّاً يكن زعيم الجزيرة، فإن الولايات المتحدة تعتقد أنها تستطيع إبقاءه تحت مقود محكم، دون السماح له بالتأثير في سياستها تجاه البر الرئيسي أو التدخل في تلك السياسة على الرغم من تحوّل انتباه الولايات المتحدة بالكامل إلى مكان آخر اليوم.

والولايات المتحدة واثقة جداً من ذلك، لأنه نظراً لحقيقة أن اختلاف القوة بين جانبي مضيق تايوان أصبح الآن هوة وأن تايوان أصبحت معزولة بشكل متزايد في العالم، فقد أصبحت الجزيرة تعتمد بشكل لا رجعة فيه على واشنطن من أجل الأمن.

في الماضي، وبّخ جورج دبليو بوش زعيم تايوان آنذاك تشن شوي بيان، بسبب استفزازاته المفرطة ضد البر الرئيسي، وطلب منه التوقف عن القيام بذلك ولا يزال هذا الدرس حاضراً في أذهان قوى الانفصال في تايوان، رغم أن الولايات المتحدة قد ترى في إعادة توحيد الصين أمراً يضرّ مصالحها الاستراتيجية في منطقة آسيا والباسيفيك وخارجها.

وتصرّ الولايات المتحدة على أن إعادة توحيد الأمة الصينية يجب أن تكون مشروطة بموافقة سكان تايوان، وأنها ليست ملتزمة بتعزيز أو تسهيل إعادة التوحيد السلمي عبر المضيق وقد استخدمت  لفترة طويلة وسائل مختلفة لمنع جانبي مضيق تايوان من التحرك نحو إعادة التوحيد السلمي.

وفي الوقت نفسه، لا تريد واشنطن استفزاز بكين لحملها على تحقيق إعادة التوحيد الوطني عبر وسائل غير سلمية من خلال التدخل بشكل صارخ في انتخابات القيادة في جزيرة تايوان، لأن ذلك من شأنه أن يدمّر العلاقة الهشة بين البلدين والقوّتين اللتين أحدثتهما قمّة سان فرانسيسكو بين كبار قادة الصين والولايات المتحدة في تشرين الثاني 2023.

 

الولايات المتحدة غارقة في الصراع

في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور، لا ترغب الولايات المتحدة بشكل خاص في الانخراط عسكرياً مع البر الرئيسي الصيني بشأن تايوان، بسبب الافتقار إلى القوة العسكرية الساحقة والمشكلات الداخلية والخارجية الخطيرة.

وقد خفّت حدة التوترات بين بكين وواشنطن إلى حدّ ما، لكن هذا لا يعني أن واشنطن غيّرت سياستها بشكل جوهري تجاه بكين، وعلى الرغم من أنها كرّرت بشكل روتيني معارضتها لاستقلال تايوان لكنها لم تعطِ أيّ إشارة إلى أنها لا تريد أن تؤدّي مسألة تايوان إلى تفاقم التوترات مع بكين.

وعلى الرغم من أن بعض الأمريكيين ما زالوا يعتقدون أن واشنطن تملك القدرة العسكرية على هزيمة بكين، إلا أن العديد من الاستراتيجيين الأمريكيين غير واثقين من قدرتها على القيام بذلك، فقد شهدت قوة الصين العسكرية، وخاصة البحرية، نمواً على مدى العقدين الماضيين، وبالتالي فإن الحدّ من التوترات عبر المضيق ومنع جزيرة تايوان الصينية من إصدار بيانات استفزازية تستهدف بكين يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة في الأمد القريب.

لقد باءت الاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة لمساعدة أوكرانيا من أجل إطالة أمد الصراع بين موسكو وكييف وإضعاف روسيا بالفشل، واستهلك الصراع الروسي الأوكراني قدراً كبيراً من القوة العسكرية الأميركية والغربية وجلب مصاعب اقتصادية شديدة إلى العديد من البلدان الأوروبية، وأصبح ضجر الرأي العام الغربي من الحرب واضحاً، ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تستمر في هذه الحرب بالوكالة إلى أجل غير مسمى، ولكنها لا تملك خيار الخروج لحفظ ماء الوجه، وبالتالي فإن الفشل في هذا الصراع بالوكالة من شأنه أن يلحق ضرراً شديداً بصدقية الولايات المتحدة ومكانتها على المستوى الدولي، وأن يؤدّي إلى تعميق الصدع بينها وبين الدول الأوروبية الكبرى، وتقسيم المعسكر الغربي، وسوف تلحق التداعيات الضرر بالولايات المتحدة بطرق متعدّدة لفترة طويلة قادمة.

وفي الصراع العربي الإسرائيلي أيضاً، ظلت الولايات المتحدة تدعم الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ونتيجة لهذا فإنها تواجه خطر العزلة السياسية عن المجتمع الدولي والإدانة على المستوى العالمي، الأمر الذي أدّى إلى إضعاف قوتها الناعمة إلى حد كبير.

وإذا تحوّل في نهاية المطاف إلى حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة ستتورّط في حرب مطوّلة حيث ستكون الخاسرة في كل الجوانب، بغض النظر عن النتيجة.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ستشتدّ حدّة الصراعات والانقسامات السياسية داخل الولايات المتحدة وتصبح مستعصية على الحل، وليس من المستغرب أن يلجأ بعض الساسة الأميركيين إلى الحيلة القديمة المتمثلة في لعب ورقة “تقريع الصين” لحشد الأصوات.

لكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة غارقة في عدم الاستقرار السياسي والصراع الداخلي الحاد، وتفتقر إلى التفوّق العسكري المطلق، وهي مثقلة بالديون، وليس لديها القدرة أو قوة الإرادة للقتال من أجل تايوان، والمواطنون الأمريكيون ليسوا على استعداد للتضحية بحياتهم وأرواحهم ومواردهم من أجل سلامة صديق بعيد.

ولا جدال في أن العلاقات عبر المضيق تعتمد في نهاية المطاف على تقلبات العلاقات الصينية الأميركية، وفي المستقبل المنظور فإن الولايات المتحدة، التي تعاني من مشكلات داخلية وخارجية مستعصية بما في ذلك الصراع بين روسيا وأوكرانيا والصراع العربي الإسرائيلي، لن ترغب في فتح جبهة عسكرية جديدة ضد الصين، التي أصبحت الآن قوة عسكرية عالمية كبرى.

وعلى الرغم من أن نية واشنطن لاستخدام تايوان لاحتواء بكين لم تتغيّر، إلا أنها يجب أن تمنع تايوان من إثارة صراع عسكري صيني أمريكي في المستقبل المنظور، ورغم أن انتخاب لاي تشينغ تي كزعيم للجزيرة من شأنه أن يؤدّي إلى تزايد التوترات وتقويض العلاقات الاقتصادية عبر المضيق، وخاصة إذا لم يمتنع لاي عن إطلاق الخطاب الانفصالي، إلا أنه من المرجّح أن تمارس الولايات المتحدة، في هذه المرحلة الضغوط على لاي لحمله على عدم اتخاذ تدابير من شأنها أن تلحق الضرر بالعلاقات الصينية الأميركية على نحو لا يمكن إصلاحه.

وبغض النظر عن الحسابات الاستراتيجية الأميركية، فقد اعتمد الحزب الشيوعي الصيني خلال الأعوام القليلة الماضية سياسة قوية لإعادة التوحيد الوطني، وأصبحت عملية لا رجعة فيها، وبغض النظر عن الحزب السياسي الذي يتولى السلطة في تايوان ومدى الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها لمنع ذلك، فإنهم, حسب بعض المحللين السياسيين, لا يستطيعون منع الصين من تحقيق إعادة التوحيد الوطني الكامل.

لقد قال الزعيم الصيني لنظيره الأمريكي في قمّة سان فرانسيسكو: إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم موقفها بعدم دعم استقلال تايوان بإجراءات ملموسة، والتوقف عن تسليح تايوان، وفي دعم إعادة التوحيد السلمي للصين ستتم إعادة توحيد الصين في نهاية المطاف وسيتمّ لمّ شملها”، وفي رسالة العام الجديد، أعلن الزعيم الأعلى أن إعادة توحيد الوطن الأم هي ضرورة تاريخية، ويجب على المواطنين على جانبي مضيق تايوان أن يتكاتفوا لتقاسم المجد العظيم للنهضة الوطنية.

وبالتالي، من المتوقع أن تضاعف بكين جهودها لاستخدام الوسائل الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية لتحقيق إعادة التوحيد الوطني خلال فترة مناسبة وبأقل تكلفة.