بجمال حروفها.. ملاك العوام تحجز مقعدها في واحات الأدب
السويداء ـ رفعت الديك
شاعرة سورية وابنة محافظة السويداء، عشقت الشعر والفن، فكانت الحروف والكلمات بالنسبة إليها عالمها وملجأها للتعبير عن مكنوناتها ومشاعرها، وبصدق هذه الكلمات وعمق الأشعار، استطاعت الشاعرة ملاك العوام أن تثبت حضورها في الساحة الأدبية، وتحصد جوائز عدة، تقول العوام لـ”البعث”: “الشعر بالنسبة إليّ واحة حبّ وأمن وأمان، ومرتع فرحي وسعادتي التي أجد نفسي بين حروفه وسطوره، والقصيدة هي راحة تتفيأ الروح والجسد تحت ظلالها”.
بدأت العوام مسيرتها الأدبية بعمر مبكر، وكتبت أول أشعارها للمعلم، وكتبت رسائل نثرية بمناسبة الأعياد والمناسبات الوطنية، أيضاً كتبت للأمومة الساكنة في وريد كل أنثى كما تقول العوام، وتضيف: “هذه النصوص نقحت لغوياً من قبل مدرّسي مادة اللغة العربية، بالإضافة إلى أن محاولاتي الأولى كانت لافتة لنظر والدي الذي أبدى إعجابه بها، وشجعني على الاستمرار بالكتابة، كما أن الأديب أو الشاعر وليد بيئته، فقد كانت الأجواء المحيطة فيّ ضمن أسرتي مفعمة بالحوارات الثقافية التي ساعدتني على صقل موهبتي الشعرية وتطويرها، ولاسيّما أن والدي كان ينسج القصائد المحكية والنثرية الغزلية؛ ما أغنى تجربتي وأضاف إليها الكثير”.
وتتابع العوام: “الشعر بالنسبة إلي واحة حبّ وأمن وأمان، ومرتع فرحي وسعادتي التي أجد نفسي بين حروفه وسطوره، والقصيدة هي راحة تتفيأ الروح والجسد تحت ظلالها، والورقة والقلم خير جليس إلي.. لقد شعرت أن الأدب إرضاء لنفسي، وهواية تسكن داخلي أعبّر من خلالها عمّا يدور في مخيلتي من أفكار عبر كلمات امتزجت بموسيقا الروح الآسرة التي تهفو في طيات القصائد الشعرية، فالشعر أيقونة النشوة، وربيع الأمنيات، ورحاب واسع المدى تأسرني كلماته، ولا أجد نفسي خارج ملكوته، فهو بحدّ ذاته ملمح جمالي يتجسد في سطور القصيدة، ويمنحها جماليات تنبع من العمق والتنوع، وما يميزه عن سواه من الأنواع الأدبية، خياله الشعري؛ فالشعر حالة عفوية تنتاب أحاسيس وهواجس الكاتب بكل صدق وعفوية، فلا طقوس تحكمني أو مكان يقيدني.. اخترت أن أكون شاعرة، واختارتني القصيدة لأنسجها بأسلوبي وطريقتي الخاصة، وبرأيي الحالة الإبداعية لدى الكاتب فردية جذورها الإحساس الصادق أولاً وأخيراً”.
وعن أسلوبها الشعري، والمدارس التي اتبعتها في الكتابة، قالت: “كتبت القصة القصيرة والومضة، والشعر الموزون، لكن قصيدة النثر بما تحمله من إيقاع داخلي منفرد تجذبني لأنسجها بقلمي، وفضّلتها عن غيرها من الأنواع الأدبية، فوجدت بها المدى الواسع الطيف الذي يجعلني أجول بأرجائها بكل حرية، كذلك يجذبني الشعر التفعيلي”.
تقول العوام في تحت عنوان “غربة روح”:
غربة موحشة
تحيط بي.. تكبل نبض الشرايين
تعلق على جدار قلبي آهات
بحجم غربة وطن
عارية أنا.. تخونني الأبجديات
تسلبني من كل طقوس الفصول
أرتدي ثوب الوجع
واخلع عن روحي كل الضحكات
بركان بكل أجزائي
يلبسني حلة بنكهة الخيبات….
حواسي مرتبكة
تاهت مثل قوافل الصحراء
وحول الموضوعات التي تتناولتها، تخدثنا العوام: “تناولت مواضيع اجتماعية عدة من قضايا المرأة ومعاناتها في المجتمع، فكتبت لها ومن أجلها، وأخذت همومها حيزاً كبيراً في قصائدي الشعرية، وكتبت للوطن وما يتعرض له خلال سنوات الحرب التي مر بها، والشهيد والرثاء والوفاء والحب والحنين أيضاً؛ كان لكل ذلك مساحة مهمة عبر سطوري وكلماتي، ونشرت كتاباتي في مجلات ورقية وإلكترونية بالوطن العربي”.
ترجمت العوام حبها للحياة من خلال كتاباتها المنسوجة بعوالم أنثوية مشبعة بروح الحب مجسدة بألحان شعرية وتجربة حياتية غنية بالأحاسيس، فما كان لحروفها الأدبية إلا أن تلمع تألقاً في سماء الشعر، وهي التي تؤكد دائماً أن الشعر بالنسبة إليها هو إحساس دفين يتوج بالكلمة، شعور يمتلكة الكاتب أو الشاعر يترجم على الورق، كما تحتل المرأة في نصوص العوام حيزاً كبيراً فهي بالنسبة لها تعبير عن كل ما هو شفاف وجميل، فصوّرت أدوار المرأة الحياتية المختلفة بدءاً من المرأة الأم إلى الزوجة والعاشقة والأخت وصولاً إلى الصديقة، وكتبت أيضاً لأم الشهيد وابنها الشهيد الحي الذي فقد إحدى عينيه في إحدى المعارك، كما ذكرت شهداء المعارك بمقامهم الرفيع والجرحى، وكان للوطن الجريح حصة من كتاباتها، بالإضافة إلى ىلفراق والغربة.
ويكمن مصدر إلهام العوام في النص الجميل، بغضّ النظر عن نوعه الأدبي وعنوانه حسب تعبيرها من حبها للحياة بتفاصيلها بفرحها وقسوتها كلها تلهمها للفكرة والكلمة النابعة من رؤيتها الشعرية والفلسفية، فكتبت للحب والوفاء والتضحية والعطاء، ومن كلمات قصيدتها “نبضُ البقاءِ” نقتبس:
تصوغُ من نبضاتنا… صلواتٌ وفرائضَ
كيفَ تصدأُ الروحَ… ومازالَ نبضُ العشق
لها عنوانُ؟؟
ونبضُ البقاءِ… وعدٌ لها وكلُ الألوانِ
وتجد العوام أن الشعر حالة فطرية يجب العمل عليها ونسج المشاعر التي تحملها هذه الحالة بطريقة قريبة للمستمع.
يذكر أنّه في رصيد الشّاعرة والكاتبة ملاك العوام العديد من المطبوعات في الشعر المحكي وشعر النثر، فقد صدر ديوانها الأول “من رحم الأمنيات” في عام 2018 عن مؤسسة سوريانا بدمشق، وديوانها الثاني “ترياق روح وملحمة أرواح نقية” في عام 2019 عن المؤسسة ذاتها، بالإضافة إلى “إمرأة بلون ليلكي وحواس منهكة” الذي طبع بالعراق في عام 2020 و”غفوة بحضن الفجر” الصّادر عن “دار بعل” في دمشق، و”غصة بعين لاتدمع” المطبوع في مصر عام 2020، بالإضافة إلى مشاركتها بأكثر من سبعة كتب مشتركة مع شعراء من أنحاء الوطن العربي، وأحد هذه الكتب مؤلف من أجزاء عدّة وهو مخصص لشعراء سورية، كما نشرت أعمالها بأكثر من عشرين مجلة ورقية على مستوى سورية والوطن العربي، وترجمت بعض نصوصها إلى الآمازيغية والفرنسية والألمانية.