مؤشرات مقلقة وخطيرة!!
علي عبود
قد لا تكون مؤسسة الأقطان مسؤولة عن زراعة احتياجات سورية من القطن، بذريعة أن مهمتها هي شراء المحصول من الفلاحين بالسعر الذي تقرره الحكومة، لكنها مسؤولة عن عدم رفعها لمذكرة تفصيلية لوزارة الزراعة تبيّن فيها حاجة معامل الغزل والنسيج والزيوت في القطاعين العام والخاص.
وسواء رفعت المؤسسة مثل هذه المذكرة، أم لم ترفعها، فإن وزارة الزراعة تتحمل المسؤولية الفعلية عن المؤشرات المقلقة والخطيرة التي برزت في الأسابيع الأخيرة، والتي اضطرت الحكومة للسماح باستيراد القطن المحلوج للمرة الثانية خلال أقل من عام!
لا يكفي مثلا أن تلحظ وزارة الزراعة في خططها السنوية زراعة مساحة من القطن يكفي إنتاجها حاجة منشأت القطاعين العام والخاص، بل يجب أن تتابع تنفيذ الخطة بإصرار، سواء في اجتماعات مجلس الوزراء أو اللجنة الاقتصادية، بل وأن تضغط على الحكومة في حال تقصيرها بتأمين مستلزمات إنتاج احتياجات اقتصادنا من القطن، عبر إثارة الموضوع في الإعلام قبل فوات الآوان، أيّ قبل بروز مؤشرات مقلقة وخطيرة في محصول استراتيجي كنا مثل القمح من مصدريه لا مستورديه!!
وإذا كانت الحكومة مقصرة بتأمين مادة أساسية للصناعة المحلية العريقة بإنتاج الغزول والألبسة المعدة للتصدير، فماذا عن مواد أقل أهمية للسوق المحلية؟
وبما أنه لايمكن الرهان سوى على مساحات القطن المزروعة في المناطق الآمنة، والتي لم تتجاوز هذا الموسم 7175 هكتارا، فإن السؤال: هل تابعت وزارة الزراعة تأمين مستلزماتها لتنتج ما لا يقل عن 28 ألف طن من القطن؟
المؤشرات المقلقة والخطيرة تؤكد أن الكميات المسوقة لا تكفي لتشغيل معامل القطاع العام، لذا لجأت الحكومة كعادتها إلى الحلول السهلة، أي السماح باستيراد القطن المحلوج كي لا تتوقف منشآت القطاع الخاص عن الإنتاج، وهو حل يتيح للمستوردين “شفط” المزيد من الأرباح دون تعب وشقاء!!
وبما أننا أمام أرقام خجولة لتسويق محصول القطن تعكس حجم التراجع في زراعة القطن، ما يعني تأثيرا مباشرا على صناعة الألبسة والزيوت، فإننا لم نقرأ تصريحا لأي جهة حكومية تعد بتلافي ومعالجة المؤشرات المقلقة في المواسم القادمة، تماما مثلما يحصل مع محصول القمح، وكأنّما هناك قرار غير معلن بالإستمرار بالإستيراد!
ومع أن التنظيم الفلاحي يؤكد أن “سبب انخفاض المساحات المزروعة بالقطن بات معروفاً، ويعود في بعض أسبابه إلى غلاء الأسمدة والكلفة العالية لليد العاملة والفلاحة وكل ما يتعلق بمستلزمات الإنتاج”، فإن لا وزارة الزراعة ولا اللجنة الاقتصادية في وارد معالجة السبب، طالما الحل الأسرع والأسهل هو الاستيراد مهما استنزف من قطع أجنبي وأضعف سعر صرف الليرة.
وأمام ارتفاع كلف زراعة القطن من جهة، وسياسة التسعير المجحفة بالمحاصيل الإستراتيجية، من جهة أخرى، فإن المزارعين في محافظة حماة مثلا باتوا يفضلون زراعة البطاطا والعطريات، ما أدى إلى تراجع إنتاج القطن والقمح وارتفاع فاتورة الإستيراد بالقطع الأجنبي لصالح قلة من المتنفذين!
وعلى الرغم من حاجة المحالج إلى 160 ألف طن من القطن، فإن الكميات المسوقة في هذا الموسم لم تتجاوز كمية 15 ألف طن من المناطق الآمنة التي يفترض أن لاتقل عن 28 ألف طن لو توفرت لها المستلزمات الكافية.
والمشكلة ليست في أن الكميات المستلمة من الأقطان قليلة فقط، وإنما بكون نوعيتها ليست كلها جيدة، فالأقطان الرديئة تنتج خيوطا رديئة ،كما أن استيراد الأقمشة يقضي على حلقات تصنيع القطن(غزل ونسيج وصباغة وطباعة وتطريز) أي كأنّ الحكومة توجه ضربة قاضية لصناعة القطن المتكاملة والعريقة في سورية؟
ويُضاف إلى كل ذلك عدم تجديد الخطوط الإنتاجية لشركات الغزل والنسيج، وهذه مشكلة مستمرة منذ تسعينيات القرن الماضي!