صحيفة البعثمحليات

التنشئة الاجتماعية.. متغيرات تفرضها الهجرة ووسائل التواصل الاجتماعي تشوه بنية المجتمع السوري

دمشق- ميادة حسن

يكتسبُ الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية المواقف والقيم والسلوك والعادات والمهارات الخاصة بالمجتمع الذي يعيش فيه، وتنتقل إليه من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة كالأب والأم والأخوة، كما يؤثر الرفاق والأصدقاء في الشارع والمدرسة على هذه العملية، ومن وجهة نظر علمية ترى الباحثة في الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي ولاء الخضر أن هذا المحيط يساهم في التنشئة الاجتماعية وفي تحويل الطفل من كائن بيولوجي يهتمّ بذاته ومتمركز حول نفسه إلى كائن اجتماعي يستطيع أن يعيش مع الآخرين ويتفاعل ويتكيّف معهم، ويمكننا القول إن التنشئة الاجتماعية لا تستطيع تغيير التقاليد لأنها وليدة العادات والتقاليد في المجتمع، فالتنشئة في المجتمع العربي تختلف عن الغربي والآسيوي لأنها تتأثر بالمجتمع وتقاليده وأعرافه وقوانينه الاجتماعية التي توارثتها الأجيال وأورثها الأجداد للآباء ومن ثم إلى الأبناء، أما تغيير العادات والتقاليد فهي تتمّ بفعل عوامل أخرى خارجية، منها الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة، أو هجرة خارجية مثل هجرة السوريين إلى أوربا التي غيّرت من عاداتهم وتقاليدهم، بالإضافة إلى الحروب التي استطاعت تغيير إيديولوجية المجتمعات الذي أثر بدوره على جملة العادات والتقاليد والأعراف.

خاصية المجتمع
يتميّز المجتمع السوري بالاختلاف والتنوع في الطرق التربوية، بحسب الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لكن العامل الأساسي في تطور التربية يعتمد على تدعيم المعرفة بتأثير الثورات التكنولوجية والعلمية والاقتصادية، وبحسب الاختصاصية يرافق ذلك القدرة على التكيّف مع متغيّرات العصر المعرفية، والاعتماد على التعلم الذاتي الدائم، فالتنشئة الاجتماعية تعتمد على إضافة الخبرات لحياتنا المهنية والعلمية والاجتماعية لتحفيز السلوك الإيجابي لدى الفرد ومساعدته على القيام بمهامهم وإشباع حاجاته في الانتماء لبيئته.
ورغم التطور الكبير والحداثة التي طرأت في العالم على مستوى التربية والتنشئة الاجتماعية، وتأثير التكنولوجيا وثورة الاتصالات والانترنت، إلا أننا استطعنا الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة من الأجداد والتمسّك بالأعراف الاجتماعية الإيجابية البنّاءة، تتابع الخضر بقولها، في مجتمعنا تجاوزت التنشئة الاجتماعية الكثير من العادات البالية والتقاليد التي لا تتماشى مع التحضّر والتطور، منها ما يتعلق بحقوق المرأة ودخولها العمل ونبذ العنف الأسري وأساليب الضرب كنوع من التربية للأطفال، واستطعنا تطوير طرق التربية وتحديثها في عملية التنشئة الاجتماعية، وهي حالة إيجابية في مجتمعنا دعمت أفراد المجتمع، وفي الوقت نفسه حافظنا على تماسك الأسرة ودورها في التربية، بدءاً من العائلة الكبيرة المتمثلة بالجد والجدة والخال والعم الذين يلعبون دوراً أساسياً في تقديم المعرفة والوعي للأبناء، إلى جانب دور الأب والأم في تأسيس حياة أطفالهم بأساليب حديثة وإيجابية تتناسب مع بيئتهم ومجتمعهم.

وتؤكد الخضر أننا اليوم نخضع لمعايير جديدة تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيس بوك واليوتيوب وقنوات تلفزيونية فضائية مفتوحة، ولدينا بث مباشر عن طريق الانترنت لجميع تلك الوسائل، وهي تلعب دوراً كبيراً في التنشئة الاجتماعية بالنسبة للجيل الجديد، وثمة من يرى أن المجتمع السوري لم يعد يحافظ على نموذج التنشئة التي كانت قبل الحرب، فالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم تعد تلك التي كانت في ذلك الوقت.

وترى الاختصاصية الاجتماعية رشا شعبان أننا أمام نوع جديد من العلاقات الاجتماعية والأسرية، فالمجتمع الذي عانى من عدم الاستقرار وشدّة العنف التي واجهها في تلك المرحلة، والمفاهيم الغريبة التي سمعها وشاهدها بعينه، حتماً سيتأثر بما مرّ به من معاناة، وينعكس ذلك على العادات والتقاليد المأخوذ بها، ومفهوم الأسرة وارتباطها وتماسكها، ومفهوم صلة الرحم من أكثر الجوانب الاجتماعية التي تعرّضت للتشوّه، نتيجة الهجرة والتشتت في بلدان مختلفة أو هجرة الأب للعمل أو الأبناء، مما فرق تلك العائلات عن بعضها البعض، ومازالت فكرة الهجرة تهدّد العديد من العائلات بسبب الوضع الاقتصادي والظرف المادي الذي يتحكّم بمعظم قراراتنا وتوجهاتنا، ولا يغيب عن أذهاننا العدد الكبير من الشهداء الذين تركوا خلفهم عائلات وأطفالاً يتامى، حيث فقدوا الشعور بأهم مرشد لهم وهو الأب، وبالتالي فقدوا إحساسهم بالعائلة، كلّ تلك الظروف خلقت متغيرات جديدة في تنشئتنا الاجتماعية.