ثقافةصحيفة البعث

فرحان الخطيب يحاكي “طوفان الأقصى” بـ”صهيل في مرابع الدم”

السويداء- رفعت الديك

في ديوانه الجديد، اختار الشاعر فرحان الخطيب عنواناً جذاباً ومميزاً يثير الفضول، ويشير إلى أن الكتاب قد يتناول مواضيع غامضة أو عميقة تحاكي طوفان الأقصى فكان “صهيل في مرابع الدم”. واستطاع الشاعر بأسلوبه الصادق والمؤثر، أن يلامس أعماق النفوس ويثير تأملات وتفاعلات القارئ، وبقوة التعبير الشعري لديه نقل التجارب الإنسانية بشكل يترك أثراً عميقاً على العواطف والذاكرة الشخصية، وعبر تراكيبه اللحنية واستخدامه اللغة بشكل مبدع عبر عن مشاعره وأفكاره وتجاربه بشكل يحرّك مشاعر المتابعين.

إيقاع ملحمي

يقول الخطيب: “صهيل في مرابع الدم” شعر موجّه إلى فلسطين، أحاكي فيه معاركها وأهلها وشعراءها وشهداءها، وإلى كلّ من ساندها في دفاعها عن الأرض والعمل على تحرير فلسطين والأقصى خلال معركة غزة الأخيرة “طوفان الأقصى”، واستلهمت وخاطبت أسماء شعراء كبار كمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وتاريخهم الشعري الذي يحثّ على سيادة الأوطان، وذلك من أجل إرساء مفهوم المقاومة والكفاح في صيرورة وسيرورة الشعر العربي.. مثال قصيدة “من غزة إلى الشاعرة فدوى طوقان” وهذه التحية والإجلال، وقصيدة “منْ غزّة إلى الشاعر محمود درويش”، أما قصيدة “القدس” فترتبط بالأصالة والجمال والإيقاع الملحمي، هي المدينة المقدسة التي تعكس مبلغ العاطفة والدور الثقافي والتاريخي لها في قلوب الشعراء”.

ولم يبتعد الدكتور حسن حميد كثيراً عن حضرة جمال الأسلوب عند الشاعر الخطيب، فيقول في تدوينته على الغلاف الأخير للديوان: “بلى.. أنا هُنَا، في حَضْرةِ شعرٍ راعبٍ في جمالهِ، كثير في معانيهِ، زينةٍ في ألوانهِ، وثيرٍ في تنقّلهِ، داهشٍ في عمارتهِ، شعر جدير بأن يعلّقَ عالياً مثلَ القناديل، شعر ألوف، تماشيه رهافةُ مستلّةٌ من الدافئات التي دهمتْها وحشةُ الارتجال، وأذيّات الخراب، وغيبوبةُ العماء، شعر يعيدُ، وبجرأة ضافية، ترتيبَ العالم بعدما أدركتهُ ضلالاتٌ ولودٌ فتاه في غسق القوة وأفعالها الرجيمة.. بلى، ها أنذا أؤيّدُ عارفي الشّعر، بأنّهٌ سحرٌ حلالٌ لا يُسلّمُ قيادَهُ، ولا يُري وجوهَهُ الصواقل، ولا يَكشفُ عن أسرارهِ إلا أهلُ النورانيةِ والمُكنةِ، وأشهدُ أنّ هذا الشعر هو قرى للسحرِ الحلال، وأنّ فرحان الخطيب بانيها وراعيها”!.

صور بارزة

وبالغوص في أعماق الديوان نجد “طوفان الأقصى” القصيدة الجريئة، واللغة الشاعرية القوية، والصور البارزة، وتعبيراً عن العزم والصمود في وجه التحديات التي تواجه فلسطين والقدس الشريف، وقد استخدم الخطيب اللغة استخداماً جريئاً يتجلّى في تعبيره عن الطوفان الدموي الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، ما يعزّز تأثير القصيدة ويجعلها أكثر إيحاءً.

وعكست طوفان الأقصى موقف الشاعر الراسخ، فهو يعبّر عن موقف قويّ من الظلم والعدوان، ويحثّ على الصمود والتصدي لتحقيق النصر، مؤكداً أهمية فلسطين كرمز للعروبة والهوية، ما يعزّز التلاحم والوحدة.

أما قصيدة “من غزّة إلى أمي الشهيدة” فعبّرت بقوة عن الألم والمعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وخاصةً في قطاع غزّة، فالعبارات تعكس المأساة والفقدان بشكل قوي، مثل “شهقةِ البيتِ المُهدّمِ” و”قنابلِ الموتِ الرّهيبِ”، ما يُشعر القارئ بواقع الدمار والموت، إلى الصور البارزة مثل “شمسٌ تُخاصرُها القتامةُ والفتورْ” و”غزّةُ الملأى جِرَارُ حياتها بدمٍ” لتوفير تأثير بصري قوي يعزّز فهم القارئ للظروف، مؤكداً صمود هذا الشعب الأبي، المتمسك بالحياة على الرغم من الصعوبات، حيث يتحدث عن “التعلّقِ في عناقيدِ الحياةِ”.

لغة شاعرية

وإذا كان الشعراء عبر التاريخ، كتبوا بشكل وافر عن القضايا والأحداث المهمّة، بما في ذلك القضايا الإنسانية والسياسية مثل قضية فلسطين، مستخدمين حبر الألم ليعبروا عن الظلم والمعاناة، وقوة الكلمات لإظهار الحقائق، فالشاعر فرحان الخطيب مثال حيّ للغة الشاعرية كرمز يعكس الصمود في وجه الظروف الصعبة، ويسهم في نقل تجربة الشعوب والقضايا الإنسانية بطريقة تتسم بالقوة والجمال والتأثير ونقل حالات الألم والاحتجاح في وجه الظلم، كما تقول الأديبة تغريد بومرعي التي قدمت قراءتها للديوان فقالت: “الشعر  لدى  الشاعر فرحان الخطيب، مؤلف الكتاب، يخدم كوسيلة فعّالة لتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والمصيرية، وخاصة في حالة فلسطين وفي حالة طوفان الأقصى، يظهر الشعر لديه كأداة للتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني والظروف الصعبة التي يواجهها، ويستخدمه كوسيلة للتعبير عن روح المقاومة والتحدي في وجه التحديات والقهر، حيث يبرز دور الفلسطينيين في الصمود والمقاومة، والنداء من خلال الشعر إلى العدالة والحقوق الإنسانية، مشدداً على ضرورة إنهاء الظلم واحترام حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، ما يسهم في نقل تجربة الشعب الفلسطيني إلى العالم بطريقة تلامس القلوب وتثير التفكير”.

وتضيف بومرعي أن الخطيب وفق باختيار عنوان بارز أدى وظيفة التلميح، والإيحاء عن قضية إنسانية عميقة، ومحطة تاريخية ذات أهمية، تقول: “شكّل العنوان هوية النص، حيث استطاع أن يختزل فيها معانيه ودلالته المختلفة، بل حتى مرجعيَّاته وأيديولوجيته، عاكساً مدى قدرة مبدع النص على اختيار العنوان المغري والمدهش، والممثل لنصه، وصفاً وشرحاً وتفسيراً وتوضيحاً وتأويلاً، ولهذا السبب عدَّ العنوان المدخل الذي يلج خلاله القارئ إلى واحة النص، إذ يحتلّ العنوان الصدارة في الفضاء النصي للعمل الأدبي فيتمتع بأولية التلقي، وجذب المتلقي، وكسب فضول القارئ”.

وبعد تحليلها للعنوان، تنتقل بومرعي إلى القصيدة وتقول: “هي عند الخطيب تحمل روحاً قوية وتعبيراً شاعريّاً قوياً، تنقل روح المقاومة والتحديات والصمود التي تواجهها غزة، وقد استخدم الشاعر لغة بسيطة وصوراً قوية لنقل رسالته فاستخدامه مثلاً للمفردات مثل “اشتعالها” و”كسرتْ بأهلِها أقفالَها” يعززان الإحساس بالمقاومة والقوة، كما أن استخدام الصورة البارزة لـ”نجمتين” تعكس الأمل والإصرار على البقاء حتى في ظلّ الظروف الصعبة، أما الختام بعبارة “لم تستطعْ غزةُ أن تموتْ” فيعكس رسالة الصمود والقوة التي تحملها غزة على الرغم من التحديات.