دراساتصحيفة البعث

 في ذكرى الإضراب البطولي.. أبناء الجولان واثقون من النصر والتحرير

محمد غالب حسين

اليوم تنداح ذاكرة أبناء محافظة القنيطرة والجولانيين اثنين وأربعين عاماً خلت، حيث أعلن أبناء الجولان السوري المحتل الإضراب البطولي المفتوح، رفضاً لقرار الكنيست الصهيوني ضم الجولان، رافعين شعار “لا بديل عن الهوية العربية السورية”. وعندما حاول جيش الاحتلال فرض الهوية الصهيونية على أبناء الجولان، قاموا بجمعها، وأحرقوها أمام جنوده.

وكان الكنيست الصهيوني قد أصدر، في الرابع عشر من كانون الأول عام ١٩٨١، ما يُسمّى قرار ضمّ الجولان، وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليه، وفرض الهوية الصهيونية بقرى مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا.

ومع أن القرار العدواني وُلِد ميتاً، ولا يساوي الحبر الذي كُتِب به، إلا أن الأهل الأباة رفضوه رفضاً قاطعاً، وأعلنوا الانتماء الأصيل لوطنهم الأم سورية، والاعتزاز بهويتهم العربية السورية، لأنها رمز كرامتهم وفخرهم، ونسبهم وجذورهم وانتسابهم.

 الإدانة الدولية

وبعد ثلاثة أيام اجتمع مجلس الأمن الدولي بناء على طلب من الجمهورية العربية السورية وأصدر القرار رقم (٤٩٧) تاريخ ١٧/١٢/١٩٨١م الذي ينص على ما يلي:

– يعتبر قرار “إسرائيل” ضم الجولان السوري المحتل ملغى، وليس له أي أثر قانوني دولياً.

– مطالبة “إسرائيل” بإلغاء قرارها فوراً.

– تستمرّ نصوص اتفاقية جنيف المؤرخة في ١٢/٨/١٩٤٩م، والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب بانطباقها على الجولان.

– في حال رفض “إسرائيل” تنفيذ هذا القرار، يجتمع مجلس الأمن الدولي بصورة عاجلة للنظر في اتخاذ التدابير اللازمة؛ استناداً لميثاق الأمم المتحدة والصلاحيات المنوطة بالمجلس.

وبتاريخ ٥/٢/١٩٨٢م تقدّمت سورية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار يدين “إسرائيل” لضم الجولان، وعدم تنفيذها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (٤٩٧)، وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار الإدانة بأغلبية ساحقة، وينص على مايلي:

– إن قرار “إسرائيل” ضم الجولان السوري المحتل ملغى وباطل، وليس له أي صحة قانونية على الإطلاق.

– تطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة “إسرائيل” أن تلغي قرارها فوراً.

– في حال عدم إلغاء “إسرائيل” للقرار، ترجو الجمعية من مجلس الأمن الدولي العمل بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة القاضي باتخاذ الإجراءات اللازمة.

 الوثيقة الوطنية

وقد أصدر أبناء الجولان السوري المحتل الوثيقة الوطنية التي أعلنوا بها رفضهم للاحتلال الإسرائيلي وقراراته وإجراءاته، وتمسّكهم بهويتهم العربية السورية، وانتماءهم لوطنهم الأم سورية. وهذا نص الوثيقة:

(نحن المواطنين السوريين في الجولان السوري المحتل، نرى لزاماً علينا من أجل الحقيقة والتاريخ، أن نعلن لكل الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع حقيقة رفضنا للاحتلال الإسرائيلي، ودأبه المستمر لابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولاته لضم الجولان السوري المحتل، وتطبيق القوانين الإسرائيلية علينا، وجرّنا بطرق مختلفة لتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية التي نعتز بها، ونتشرف بالانتساب إليها، ولا نريد عنها بديلاً).

وكتب الأهل المناضلون عبر إضرابهم العام المفتوح في الرابع عشر من شباط عام ١٩٨٢م ملحمة وطنية نضالية بطولية حين تصدّوا لقرار كنيست الاحتلال الإسرائيلي المشؤوم بضمّ الجولان المحتل، وفرض القوانين الإسرائيلية على أبنائه حيث أطلقوا شعار: المنية ولا الهوية لإضرابهم المفتوح، رفضاً لفرض الهوية الإسرائيلية، ولقرار الضم الباطل، ولتأكيد تمسكهم بهويتهم الوطنية ومواصلة نضالهم في مواجهة إجراءات الاحتلال التعسفية حتى تحرير الجولان والعودة إلى الوطن سورية.

والمسيرة النضالية لأهلنا في الجولان العربي السوري المحتل ضد الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته وقراراته العنصرية حافلة بمحطات مقاومتهم له منذ أن دنس تراب أرض الجولان في عام ١٩٦٧م، ولعل الإضراب الشامل الذي أعلنوه قبل اثنين وأربعين عاماً، كان أبرز تلك المحطات، وجاء بعد اجتماع شعبي تنادى إليه أهالي الجولان بمشاركة الآلاف منهم في الثالث عشر من شباط عام ١٩٨٢م، وقرّروا فيه إعلان الإضراب لتأكيد رفضهم القاطع لقرار الضم، ومقاومة كل إجراءات الاحتلال، والتمسك الثابت بهويتهم الوطنية السورية.

وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفور إعلان الإضراب بفرض حصار عسكري شامل على القرى والبلدات في الجولان، ومنعت وصول المواد الغذائية، وقطعت الكهرباء عن الأهالي في محاولة للتعتيم على ما يجري، وعزلهم عن العالم الخارجي للضغط عليهم، وإجبارهم على إنهاء الإضراب، والقبول بقوانينها.

كذلك عمدتْ إلى اعتقال عشرات الشبان من أبناء الجولان بعد حملات مداهمة للبيوت، وفرضت منع التّجول في جميع القرى.

لكن أهالي الجولان العزل، قابلوا الحصار الجائر وضغوط الاحتلال بالصمود والمقاومة والتجذر في أرضهم وقراهم، وخاضوا خلال فترة الإضراب مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، كان أهمها معركة الهويّة التي جرت في الأول من نيسان عام ١٩٨٢م بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال عدة قرى، ونكّلت بسكانها.

وبعد أكثر من ستة أشهر من الإضراب اضطرّ كيان الاحتلال إلى الاستجابة لمطالب الأهالي، والتراجع عن مخططاته العنصرية لفرض الجنسية الإسرائيلية على أبناء الجولان بالتزامن مع تأكيد الأمم المتحدة والكثير من الدول الحرة في العالم، أن قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الجولان باطل ولا أثر قانونياً له وأن الجولان عربي سوري.

 شهادات نضالية

وقد أشاد بإضراب أبناء الجولان السوري المحتل المناضل الفلسطيني بسام الشكعة الذي كتب بجريدة السفير اللبنانية في ١٩/٥/١٩٨٢م قائلاً: إن نضال أبناء الجولان موقف طليعي ورائد، فهم قد صعّدوا إضرابهم حتى العصيان المدني، وباتوا مثلاً أعلى لجماهيرنا في الأراضي المحتلة.

أما الشاعر الفلسطيني توفيق زياد فقال: إن أهل الجولان بصمودهم ووحدتهم وبسالتهم النادرة، هم أبطال فعلاً، وبالمقارنة معهم يظهر الاحتلال الإسرائيلي قزماً رغم كل جبروته.

ويصف الصحفي الألماني فون هيلر مشاهداته أثناء زيارته لقرى الجولان المحتلة إبان الإضراب بالقول: كلهم يتجهون بأنظارهم إلى دمشق. وهم متمسكون بتقاليدهم إلى أبعد الحدود ليس خوفاً، وإنما لإقامة جدار من الغضب والصمت بوجه المحتلين الإسرائيليين الذين حاولوا بوسائل كثيرة، أن يقودوا هؤلاء الناس إلى حياة مختلفة.

ويتابع هيلر بتحقيقه الصحفي الميداني قائلاً: وكلما دخلت منزلاً لأبناء الجولان أجد صورة رئيسهم حافظ الأسد بالبذة العسكرية.

ويقول الدكتور روبين هاربر الخبير بالعلاقات الدولية: في حالات الإلحاق أو الضم لا يُستشار التراب عادة بل السكان، وأبناء الجولان قالوا: لا، فقرار الكنيست الإسرائيلي لا يغيّر بالواقع شيئاً.

 نضال مستمرا.

واليوم وفي ذكرى قرار الإضراب البطولي يؤكّد أهلنا في الجولان السوري المحتل أنهم مصرّون على المزيد من الصمود والمقاومة، وإفشال كل مخططات الاحتلال بحق الجولان أرضاً وتاريخاً وسكاناً، وأن الاحتلال مهما أوغل في ممارساته وإجراءاته وقراراته الباطلة المرفوضة، سيبقى أهلنا في الجولان على العهد، يجدّدون في كل مناسبة تأكيد موقفهم الثابت بأن الجولان المحتل جزء لا يتجزأ من أرض سورية، وبأن الهوية السورية صفة ملازمة لهم لا تزول، وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وأن أرضهم ملكية مقدسة لا يجوز التنازل أو التخلي عن شبر منها للمحتل الإسرائيلي، مؤكدين انتماءهم الأصيل لوطنهم الأم سورية، وتمسّكهم بالهوية العربية السورية، مواصلين مسيرتهم النضالية بمقارعة الاحتلال وإجراءاته القمعية التعسفية حتى تحرير كل شبر من تراب الجولان العربي السوري المحتل.