رأيصحيفة البعث

تصعيد على وقع جولات فاشلة

  علي اليوسف

يضع التصعيد الإسرائيلي المنطقة على حافة الحرب، وتحديداً في سورية واليمن ولبنان والعراق. فتعدد التصعيد في تلك الجبهات المفتوحة يعطل الجهود المفترضة لوقف إطلاق النار، ويحّول الحرب إلى مواجهة مفتوحة جغرافيّا تجد الولايات المتحدة نفسها وحلفاؤها الغربيون طرفاً فيها بحكم الأمر الواقع، وعلى أكثر من جبهة.

حتى الآن لا أحد يريد توسيع نطاق الحرب، لكن نتنياهو هو الوحيد الذي يريد ذلك، وينتظر حدوث مفاجآت، وأن تتحول المنطقة بشتى الطرق إلى كرة لهب، ولا بد أنه يقوم بذلك مدفوعاً بالانكسار والهزيمة أمام محور المقاومة، خاصةً أنه لم يتمكن حتى الآن من ترجمة ما أسماه “إنجازات” تكتيكية إلى إنجازات إستراتيجية.

اللافت في التصعيد الإسرائيلي أنه يأتي خلال زيارات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للمنطقة التي غالباً ما تكون ضمن فلك الإستراتيجية الأمريكية الثابتة لحماية ومساندة “إسرائيل”. فمجرد استنفار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتقديم كل أشكال الدعم لـ “إسرائيل” هو تعبير راسخ عن هذه الحماية، بل وعن مساندة العدوان الهمجي على غزة، الذي بات جريمة حرب مكتملة الأركان للإبادة والتطهير العرقي العنصري.

وهذا يعني، بالضرورة، أن جولات بلينكن، على ما يبدو، ليس لإيقاف الإجرام الصهيوني، بل تعكس قلق إدارة بايدن من احتمال تصاعد الحرب على المستوى الإقليمي. فعبر ثلاث محطات، شدد وزير الخارجية الأمريكي، خلال جولته بالشرق الأوسط، على ضرورة وقف ما أسماه “التصعيد” بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة. ففي القاهرة هيمن “التصعيد” على مباحثات بلينكن مع نظيره المصري سامح شكري، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي محطته الثانية في فلسطين المحتلة، جدد بلينكن تأكيد التزام بلاده بأمن “إسرائيل” عبر ثلاثة مسارات هي: دعم مبدأ حل الدولتين، وتوسيع اتفاقيات التطبيع بين تل أبيب وعواصم عربية، ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وعقب لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، أكد بلينكن التزام واشنطن بحل الدولتين، مشدداً على أنه يعارض أي إجراءات أحادية الجانب تحول دون ذلك.

لكن من يطلع على التناقضات الكبيرة في جولات بلينكن واللعب على المصطلحات، هنا وهناك، يتأكد له أن جولات بلينكن لن تؤت ثمارها بشأن تهدئة التخفيف من الوضع الكارثي الذي يعيشه الفلسطينيون، بل عمّقت السخط بشأن دور الولايات المتحدة في الصراع. فالتدهور الشديد والمفاجئ في الوضع الأمني في عموم المنطقة فرض على بلينكن خلال جولاته الفاشلة إطلاق دعوات دون جدوى من القاهرة والقدس ورام الله إلى تهدئة الأوضاع. لذلك يمكن وصف النتيجة النهائية لهذه الجولات بـ “الفاشلة”، فنوايا وزير الخارجية الأمريكي لمناقشة حلول طويلة الأمد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تتحقق، وفشل حتى في منع توسع الصراع في المنطقة، لكن في ظل غياب لقاء مع ممثلي محور المقاومة، لا يوجد حديث عن نجاح، وإذا أراد بلينكن الحل، عليه أن يتحدث مع الأطراف المعنية وصاحبة العلاقة المباشرة ولا سيما أطراف المحور.