ثقافةصحيفة البعث

الشاعر علي دغمة: الثقافة في أيامنا تعاني من عدم وجود الكتاب بين يدي المثقف

هويدا محمد مصطفى

شاعر يكتب القصيدة بعاطفة عميقة، ويعتمد على تكثيف الصورة الشعرية ذات الدلالات والرؤية المفتوحة على المعنى والخصوصية الفنية، وتسافر مجازاته بحثاً عن ذاته المنصهرة في إيقاعات اللغة الشعرية، وغرضها الإنساني.

الشاعر علي دغمة يكتب القصيدة العمودية والنثر والمحكي، شاعر منبر متميز، قصائده تحاكي الواقع، صدرت له مجموعة شعرية بعنوان “همس الأحاسيس”، وله حضوره الأدبي والثقافي، التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار.

– لكل مبدع بداية فكيف تقدم نفسك للقارئ؟ 

الكلمة وهج في الكيان لا بدّ من إخراجه ليتنفس المرء من خلالها صبا إشراقة الصباح، والإبداع هطل سماوي كالودق المنعش للزهور، وهذا ما حملني لأبصر نور الكلمة والأدب منذ طفولتي التي كنت أرافقها بالصبر والأناة. ومنذ الصغر أحببت الكلمة أينما وجدتها، وبأي لون كانت، حيث ألهمني الله سبحانه وتعالى لقراءة القرآن مبكراً، وهذا ما يسرني ويسعدني لأنه لا قبله ولا بعده بالورع والمعرفة، والسنة النبوية الشريفة بعظمتها تأخذ المرء مفاتيح عظيمة.

– تكتب القصيدة العمودية وتبدع بالشعر المحكي، أين تجد نفسك بين عوالم الشعر؟.

الكلمة التي تهزّ القلب هي شعر جميل كيفما كانت، فهي تفرض نفسها والشعر غناء ومساحات مدى يحطّ رحاله على القلوب العامرة بالمحبة مثلما أريج زهرة في البراري تداعب أنفاساً غنّاءة فتوقظ لديها مواويل الهوى وحب اللقاء مع حبيب ينتظر. لقد كتبت القصيدة المحكية منذ الصغر، وكانت بمثابة أغانٍ تسرّ من يسمعها ولحّن بعضها، وهي محبّبة لديّ كثيراً كوني أعزف آلة العود والغناء شيء جميل لديّ، من ثم تابعت بكتابة المحكي والزجل هذا الصنف الجميل من الشعر بألوانه من موشح ومعنى ودوبيت ونايل والقرادي بأنواعه المتعدّدة، والقصيد القصير والطويل، والعتابا والميجانا وجميعها على أوزان الشعر الخليلي الجميل. كما كتب الخاطرة والقصيدة العمودية الموزونة على البحور المعروفه وأحببتها كثيراً، لكن عندما وجدت أن الصورة الشعرية تهرب أحياناً لتقيدها بالوزن رغبت كثيراً بكتابة الزجل والمحكي، ولم ولن أترك الكلاسيكي العمودي من حين إلى آخر، واسمحوا لي أن أقدم أنموذجاً من قصيدة “الشهيد”:

مقدام أنت تحديت الوغى طرباً

دانت لك الساح طوعاً والصناديد

وكنت في الساحة السيف الذي باركت

له البروج العلى شهم وأمليد

فانعم أميراً مخلّداً وأرخت

حين الصدق حيّا أماجيدك تخليد.

– لمن تقرأ وتأثرت بأدبه وهل هذا أثر بطريقة إبداعك؟.

كل مكتوب مهم لأن ما كان عادياً تتعلم من هنّاته، وما كان غنياً تجعله مثلاً يحتذى وتحاول التفوّق عليه إن أمكن. قرأت كثيراً منذ سنين وسنين فكانت البدايات بمراجع متواضعة جداً، ثم حبي وشغفي للاطلاع والمتابعة جعلني أبحث عما يطلبه تذوقي وهذا ما يشبه توق ظمآن لقطرة ماء ليروي بها عطشه، فكانت المراكز الثقافية هدفي، ودور اتحاد الكتاب، والمكتبات بشكل عام، كما كنت أترقب معارض الكتب أجلب ما يروق لي منها فقرأت الكثير من الكتب على سبيل المثال لا الحصر نهج البلاغة- الأغاني- المستطرف في كل فن مستظرف– الأمالي- كليلة ودمنة- المتنبي- أبا تمام- المعلقات.. والكثير غيرها.

وبالتأكيد الموهبة وحدها لا تكفي دون علم ومعرفة واطلاع وتعلم كيفية الوزن والغوص بكتب اللغة والتنبّه إلى المفردات وكل ما يخصّ الشاعر في هذا المضمار، ويجب على كل شاعر أن يقرأ من التاريخ إلى الجغرافيا، وحتى كل ما يتمكن منه، حتى الجوانب الصحية في الطب، لأنه معرض لكتابة قصائد تجنح فيما ترمي إليه إلى هذا المضمار.

– متى تكتب وهل القصيدة تأخذك إلى عالمها ولمن تكتب وهل للكتابة وقت؟.

لا ليس لها وقت، للكلمة قطبان سالب وموجب كما لكل الأشياء، فعندما يرغب سالبها بموجبنا تبتسم في عالم رغبتنا فنكتب والعكس صحيح، وكثيراً ما نقوم ليلاً لكتابة صورة أو عبارة زارتنا ليلاً فلا نغلق لها باباً ما أمكن فتكون الكلمة، وبالتالي القصيدة جذبتنا من حيث لا ندري لنصبح أصدقاء وأحباباً وكثيراً ما أبحث عنها، إنما عندما تأتي تكون أجمل.

ولمن أكتب؟ سؤال كبير وجوابه طويل وصعب كثيراً، أكتب لتلك الشموس التي يحاول أن يحجبها الغيم فلا تحجب وتتسرب أشعتها لتصل إلى عالم الوجد والتمني، أكتب لتلك الورود المنتظرة على شرفات الأمل باللقاء بينها وبين من يقدّر أريجها الأخاذ، أكتب لذاتي لأفرغ ما قد تراكم في نهارات التعب اللذيذ، لأن لا معنى للطعام إن لم يكن هناك شعور بعدم الشبع، أكتب للزمن للتاريخ أكتب للطير الذي يشدو فأتعلم منه.

– في ظل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي هل تعتبره حالة إيجابية بالنسبة لحالة الأدب والشعر؟.

ما من شيء إلا وله إيجاب وسلب، وهذا التواصل هو بوابة غنّاء عندما تؤدي وظيفتها بالشكل الأمثل للقاء الأحبة والأدباء والورود في حقولها، وتبادل الأفكار، ووضع النقاط على الأحرف بشكل أسهل وأفضل، فإن لم يكن هناك رغبة في التعاون وتوظيف السلب للوصول، فيكون قد أغفل الجانب الأهم وعلى ما أعتقد أن السلب في هذا المجال إن لم يكن معدوماً فهو قليل.

– أين المرأة في نصوصك الشعرية ومن هي الأنثى التي تجعلك تكتب دون استئذان؟.

المرأة هي الدنيا، الأم التي لا تعوض، الزوجة والحبيبة التي تفتح لك آفاقاً وعالماً من الحب والرغبة في العيش من خلال تمسكها بمبادئ الحياة الضرورية والجميلة والتي تبعث لك حبها بنظرة، بكلمة، بطريقة إبداع شعرية، وهي الأخت والابنة.

أكتب دون استئذان لكل امرأة إنسانة، حيث قلت من زمن: أنا أعشق كل النساء الجميلات وكل النساء جميلات، وبالطبع للمرأة إنسانية الانتماء ولا أشكك حتى يثبت العكس، والعشق هنا عشق الروح والحب والإخاء والتعشق الإنساني لحياة جميلة مثلى.

– ما رأيك بالحراك الثقافي بشكل عام؟

الثقافة في أيامنا هذه تعاني من فقر في الوقت للمثقف، ومن عدم وجود الكتاب بين يديه، علماً أن المراكز الثقافية غنية بألوان الكتب لكن اقتناء الكتاب من الضروريات، والتنقل بين المراكز الثقافية له صعوبته هذه الأيام بسبب السير وطريقة التنقل، حيث كنا من فترة ليست ببعيدة نزور المراكز أسبوعياً.

– هل حققت ذاتك من خلال تجربتك الشعرية؟.

من هو الذي حقق ذاته؟ إن يكن أحداً فأنا لست منهم، لأن الشعر عالم وبحر وعلم، وهل أوتينا من العلم إلا قليلاً؟.

– تكتب الشعر المحكي ونجد له جمهوره وربما أكثر من القصيدة العمودية، ماذا تناولت في قصائدك؟.

قال ميخائيل نعيمة الشاعر اللبناني المعروف حول القصيدة المحكية بأنها تشبه الراقصات المترنمات أمام أكوام من الحطب، لأنها تفعل بقلبه أي بقلب الشعب أكثر ما تفعل به تلك المكتوبة بلغة سيبوية، وأعتقد أنه قصد بأكوام الحطب القصائد العرجاء وهذه قصيدة من ديواني “همس الأحاسيس” الصادر ١٩٩٤ “بيلبق الك لبس الأساور والغزل يا أم الجدايل شقر، والجدايل عم تغازل عاشق بيهواكي، وهادا الحكي حكي شاعر بيكتب زجل عندو نفس من لون عينيكي، عيوني ع صدرك كرج الحجل، وشو بستحي وقت ل عيوني بتجي بمدى عينيكي، بلملم التطليعه بخبيها وقت اللي بتغفلي بشوق برخيها، ترافق شهقتي تعيش بحماكي ومع كل شهقه دعوي وأمل، حتى بالشهر ليله عيش وياكي”.

– وجود الملتقيات هل يعتبر رافداً للحركة الثقافية برأيك وهل هي حالة إيجابية؟.

نعم الملتقيات حالة تسكب روح العزيمة وحب المتابعة وشوق اللقاء، لأننا نلتقي عندما نلتقي بحياة نابضة بالحب والعطاء بورود تنشر عبيرها فيصيب كل تواق للكلمة أجمل العبق ويتغذى النظر بأجمل الورود الباسمة، وكثيراً ما تكون ذات فائدة بوجود الكثير من المبدعين.

– ما هي مشاريعك المستقبلية؟.

هناك من الأعمال ما ينتظر أن يبصر النور بعد أن مضى على  ولادته فترة ليست بالقصيرة، وهي كتابات بالشعر المحكي والزجل والنثر والعمودي، وهناك كتاب جمّعته من أكثر من مئة كتاب لكتّاب كبار قديماً وحديثاً، حيث عنونته “من روائع البيان، زهرة من كل بستان”.