الافتتاحيةالبعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعث

بناء حياة حزبية سليمة للوصول إلى حياة وطنية سليمة 

بسام هاشم    

قد تكون الرغبة في التغيير مدفوعة، أحياناً، بقوة الأشياء نفسها، ولمجرد الشعور بعدم القدرة على الاستمرار بالتكيّف والتعايش مع الوضع الراهن، أو لأننا لا نملك خياراتٍ أو بدائل واضحة وأكيدة. ومثل هذا التغيير هو أشبه بالاستسلام، والإطاحة بالذات في معمعان اليأس والفوضى، بكل ما يمكن أن تنطوي عليه من نزوع انتحاري وكارثي.

وعلى النقيض من ذلك، يبدو التغيير الواعي والمدروس، والمؤطر بالأهداف، والمخطط له مسبقاً، أداة مضمونة للبناء الفردي والمجتمعي، وهو ما يميّز الرؤية التي عرضها الرفيق الأمين العام للحزب، السيد الرئيس بشار الأسد، في افتتاح أعمال اللجنة المركزية في كانون الأول الماضي، والتي حملت عنواناً عريضاً: بناء حياة حزبية سليمة للوصول إلى حياة وطنية سليمة.

عملية التغيير، هذه، تدشّنها الانتخابات الحزبية التي نعيشها حالياً، أو لنقل تشكّل نقطة انطلاقها الرئيسية، والأنموذج الأولي الذي سيلقي بظلاله، إيجاباً أم سلباً، على تجاربها اللاحقة، الأوسع والأكثر تعقيداً، خارج الحزب، أي في الدولة والمجتمع. ومن هذا المنطلق، يغدو نجاح هذه الانتخابات مهماً وضرورياً، وفي الوقت ذاته مثقلاً بالتحديات؛ ذلك أن هذه الانتخابات تأخذ، في أحد مستوياتها، شكل الاستفتاء على قدرة “البعث” على تجسيد القدوة، وفي مستوى لاحق إثبات جدارة وأهلية “البعث” لقيادة التحولات القادمة. وهنا، فإن أي شكل من أشكال اللامبالاة، أو الاستخفاف، أو حتى سوء الفهم، قد ينطوي على عواقب وخيمة، وعلى “البعث” قبل غيره!.

ولكن مهمّة كهذه لن تتحقّق إلا بدءاً من الرفاق الناخبين والمترشحين والمنتخبين أنفسهم، الذين يتعيّن عليهم، قبل كل شيء، تمثل حقيقة الرهانات المعقودة على دورهم، وعلى وعيهم لـ”جدول أعمال المرحلة”؛ ففي هذا الدور، وفي هذا الوعي، يتجسّد أولاً مشروع إنقاذ الحزب – ولربما من نفسه!؟ – والانتقال به، من ثم، إلى مرحلة إعادة بناء الوطن السوري ما بعد الحرب، وما بعد المؤامرة، وما بعد الإرهاب، وما بعد الدمار، وما بعد الفساد، ولربما إلى سورية “الاستقلال الثاني”، بكل معنى الكلمة.

يعني ذلك ضمناً أن تصحيح الحياة الداخلية للحزب، والعمل على إعادة بناء ديناميكيات تنظيمية قوية وفعّالة، وخالية من الأمراض والشوائب، أو إعادة الحزب إلى ذاته، وإلى المجتمع، لن يتم بالضرورة من خلال دورة انتخابية واحدة؛ ما يعني، بالتالي، أن الحزب قد يحتاج إلى ثقافة جديدة لإنجاز هذا التحوّل؛ وهي ثقافة ربما لا يتمثلها جيل واحد من الكوادر، ولربما من القادة “المنتخبين”. ومثل هذه الفرضية لا تنطوي، أبداً، على رغبة مضمرة في النيل من البعض، أو محاولة للتشكيك في قدرات واستعدادات البعض الآخر، بل هي نوع من التأهب للتعاطي مع أية مفاجآت غير منتظرة، وهي شكل من البراغماتية الإيجابية التي تعترف بحقائق الواقع الحزبي من الداخل، أيّاً كانت هذه الحقائق.. وعلى كل حال، لم يقُل أحد إن الانتخابات الحالية ستكون خاتمة المطاف، أو إن من جرى – أو سيجري – انتخابهم سيكونون بمنأى عن المتابعة، فـ”القصة” تبدأ وتنتهي بالكفاءة والمسؤولية، وهي مفتوحة دائماً على الفحص والاختبار والمساءلة، ومعيارها الأوحد هو الإخلاص لمبادئ “البعث”، والتفاني في خدمة الوطن. ولقد كان الرفيق الأسد في منتهى الواقعية حينما أكد أن “هذه الانتخابات ستعبّر عن أشكال العلاقة بين البعثيين أنفسهم من جهة، وبينهم وبين المجتمع من جهة ثانية، فما تفرزه من إيجابيات سيكون مفيداً، وما تفرزه من سلبيات لن نخشاه”.

وليس المقصود، هنا، نبش شخصية الرفيق “الزاهد المتزهد” من أعماق تاريخ “البعث” ومجاهيله.. بل “تظهير” صورة الرفيق المنتمي في عصر عودة الدول الإقليمية الكبرى، وتراجع الامبراطوريات الكونية.. صورة الرفيق الموضوعي الذي يطرح الأسئلة على نفسه قبل أن يقدّم إجاباتٍ محنّطة وجاهزة، ويتفقد مسؤولياته قبل أن يطالب بحقوقه المشروعة أو المتخيّلة، ويتحلى برومانسية المناضلين دون أن يغرق في التسطح والضحالة الفكرية، ويرفض تحوّل الحزب إلى مجرّد “جهاز”، أو الانزلاق في مجموعة معقدة من شبكات المصالح المتخادمة.

حسناً.. سوف يقبل الخاسرون بالنتائج.. لكن ماذا عن الرفاق الفائزين بالانتخابات، وماذا عن دورهم؟!

يدرك الجميع أن على “البعث” أن يستعد للعمل في بيئة سياسية ومجتمعية، ولربما “سلطوية”، مغايرة ومختلفة، وأن عليه أن يعتمد على حضوره السياسي والفكري في الشارع، وأنه سوف يحتاج، في سبيل ذلك، إلى أدوات عمل جديدة.

إن إدراك طبيعة المخاطر والتحديات التاريخية التي تتعرّض لها سورية منذ 2011، وموجات الضغوط المتلاحقة والمستمرة حتى الوقت الحاضر، ومتطلبات إعادة تثبيت موقعنا على الخريطة العربية والإقليمية والدولية، على أساس إعادة صياغة الثوابت الوطنية والقومية.. كل ذلك يتطلب إلهاماً فريداً إن كان لأحد أن يتمثله فهم البعثيون أولاً، وفي المقدمة. وبعيداً عن الاستغراق في أي إنشاء، فإن الأعباء ثقيلة والتحدّيات صعبة ولكن الآمال كبيرة.. والثقة قائمة.