البرج الأبيض بأسلوب تجريدي في معرض “هتّان”
ملده شويكاني
تعني مفردة “هتان” في اللغة العربية المطر الخفيف الناعم، وقد تسرّبت إلى لغة الفنّ التشكيلي، حينما اختارها الفنانان التشكيليان القادمان من طرطوس إلى دمشق، لتكون عنوان معرضهما الثنائي المشترك، الذي أقيم في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة).
وللوهلة الأولى تثير هذه المفردة تخيلات المتلقي بأنه سيشاهد لوحات تصوّر رومانسية المطر الخفيف، إلا أنه لم يقصد بـ”الهتان” المطر بحدّ ذاته، وإنما كما ذكر الفنان علي نفنوف، أن المقصود هو البداية لسلسلة معارض قادمة للفنانين عدنان أيوب وعلي نفنوف اللذين تجمعهما تقاطعات، وتربطهما روح تشكيلية وإنسانية واحدة تتحد عند البرج الأبيض أحد معالم صافيتا الذي يتوسطها، والذي شغل مساحة في أغلب لوحات المعرض بأسلوب تجريدي لأربعين عملاً بمشاركة عدنان أيوب بعشرة أعمال، بينما علي نفنوف بثلاثين عملاً.
دلالات المربع
وفي أعمال عدنان أيوب تبدو روح المدينة التي رسمها بأسلوب تجريدي بحت معتمداً على الكثافة اللونية ودلالات المربع والكتل المكوّنة عناصر اللوحة المتداخلة الأشكال، ليترك للمتلقي معالم قليلة يدخل من خلالها إلى عمق اللوحة، فرسم البرج الأبيض من رؤيته كمحور أساسي في بعض اللوحات، إضافة إلى حضوره بمكان ما في لوحات أخرى، من خلال آثار صافيتا والمدينة القديمة، كما رسم البحر بألوان مغايرة، والقنديل بتوهج الأصفر، وأهدى دمشق لوحة جسّد فيها تفاصيل الحارة الدمشقية بأسلوب تجريدي هيمن عليها اللون الأبيض بتسربات مسحات من اللون الأحمر.
أما علي نفنوف فرسم بأسلوب تجريدي لكن تداخل في مواضع مع التعبيرية بتنوع أكبر من حيث الموضوعات التي تناولت حكايات تعيشها الأنثى مع ذاتها والمجتمع، كما رسم معالم المدينة والبرج الأبيض من رؤيته، وشكّل اللون الأزرق علامة مميزة في لوحاته.
كتل وقراءات مختلفة
ومن ثم توقفت “البعث” مع الفنان عدنان أيوب مدرّس مادة التربية الفنية لسنوات طويلة، أقام خلالها العديد من المعارض الفنية مع طلابه، إضافة إلى معارضه الخاصة ومشاركاته الجماعية، فتحدث عن البرج الأبيض الأثري الذي تجاوز عمره خمسمئة عام بارتفاع ثمانية وثلاثين متراً، المحور الأساسي بلوحاته مع القناطر والأشخاص والبيوت القرميدية القديمة، والأنثى التي رسمها باستعارة بأسلوب تجريدي بإظهار تفاصيل جسدها ضمن التكوين. وأوضح أن جمالية التجريد بالكتل الموحية بقراءات يفهمها المتلقي من منظاره، أما عن لوحة البحر التي لوّنها بتدرجات أمواج الأحمر فعبّر فيها عن حالة تفاعل وغضب وأمل، وأشار إلى رمزية المربع الموحية بالحميمية بتكوينه الدال على البيت أو النافذة أو الباب.
وتابع عن التقنية باستخدامه الألوان الزيتية والسكين التي تعطي مساحة بالتوزيع والكتل، وعن رسالته بنقل آثار صافيتا إلى جمهور دمشق التي رسمها من رؤيته معبّراً من خلال اللون الأبيض أول الألوان عن الصفاء والنقاء، أما مسحات الأحمر فهي المحبة المتغلغلة بدمشق.
مجموعة تراكمات وسؤال
الفنان علي نفنوف بيّن أنه يرسم مع عدنان أيوب في مرسم واحد، إذ يستخدمان الألوان والأدوات ذاتها بعراك لإنتاج لوحة بشغف أكثر من حدود للمنطق، فيرسم بحالة اللاوعي بانفصام شبه تام عن الواقع، هذا اللاوعي هو مجموعة تراكمات لوجع وقلق وأمل وحلم.
أما عن موضوعاته فتتمحور حول مكنونات النفس البشرية بأسلوب تجريدي معاصر لا يخلو من التعبيرية أحياناً فيقدّم اللا مألوف بطريقة أكثر لا مألوفية تكرّس واقعية اللا واقع لآثار صافيتا ومعالمها وبيوتها ومجموعة نساء يحملن حيرة وألف سؤال، تجمعهن قضايا اجتماعية، تتفرد كل واحدة بقضيتها وقصتها.
مدى مفتوح
وعن اللون الأزرق عقّب بأنه العمق والمدى المفتوح للتخيّل والتعقل والتفكر، فالأزرق الداكن هو بحث عن الأزرق الفاتح المعبّر عن الأمل والحلم، “فأنا أعيش بين زرقتين، البحر والسماء حتى زرقة الزيتون المخضر، لذلك الأزرق موجود بذاكرتي الجمعية كوني ابن الساحل”.
ويرى نفنوف أن كل لوحة تحمل رسالة تصبّ جميعها بالبحث عن الحب والجمال وتكريس ثقافة اللون والارتقاء بذائقة الثقافة التشكيلية للمتلقي السوري.
تقارب وتقاطعات
كما توقفت “البعث” مع رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين المهندسة مها محفوظ التي شاركت بافتتاح المعرض مع أمين السر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين الفنان غسان غانم ومديرة ثقافة دمشق نعيمة سليمان ومدير المركز عمار بقلة، فأشارت إلى جمالية المعرض المتسم بروح واحدة بين الفنانَين بتقاطعات واضحة وبتقارب بينهما، وعقبت على جمالية لوحة دمشق القديمة للفنان عدنان أيوب المرسومة بأسلوب تجريدي، وتابعت بأن مفردة “هتان” عكست الإنتاج المشغول بمحبة تحمل رسالة، وأن المعرض القادم من طرطوس– صافيتا إلى دمشق صورة معبّرة عن انتصار سورية على كل الأوضاع الضائقة، التي بقي فيها الفنّ التشكيلي حاضراً ومستمراً.