“موعد مع الشمس”.. سيرة ذاتيّة لأحداث وطن
أمينة عباس
لكونها مثالاً حياً عن أدب الحرب، وقدّم فيها الروائي محمد أحمد الطاهر صورة واضحة عن معدن المواطن السوري الأصيل الذي لم تفرقه المذاهب ولا الأعراق، احتفى فرع دمشق في اتحاد الكتّاب العرب، مؤخراً، برواية “موعد مع الشمس” الفائزة بالمرتبة الأولى في جائزة حنا مينة للرواية لعام ٢٠٢١ من خلال ندوة أشرف عليها رئيس الفرع الدكتور إبرهيم زعرور وشارك فيها الدكتور عبد الله الشاهر والكاتب محمد الحفري بإدارة الكاتب أيمن الحسن.
وأشار الطاهر إلى أن الرواية فازت بجوائز عدّة، منها جائزة حنا مينة وجائزة القدس، وأنه كتبها بتشجيع من الكاتب الراحل سهيل الذيب الذي نصحه في فترة الحظر بسبب وباء كورونا استثمار وقته بكتابة ما يفيد، فباشر فيها ونجح في كتابتها خلال شهر وعشرة أيام، وسرعان ما تقدّم بها إلى مسابقة حنا مينة وكان أن فازت بالمرتبة الأولى.
أنموذج يحتذى
وفي قراءته النقدية للرواية، أشار الدكتور عبد الله الشاهر إلى أنه يعرف أن محمد الطاهر روائي، لكنه لم يعلم أنّ لديه هذه القدرة على امتلاك الحدث الروائي وتوظيفه وتوصيفه، ومن ثم تأجيجه في ذات المتلقي، كذلك الهدوء الذي أضفاه الكاتب على السرد على الرغم من عسعسة النار فيه، مبيناً أن الرواية تطرح تساؤلات كثيرة نجدها بين سطور السرد تأخذ القارئ باتّجاهات الفصل الاجتماعي والسياسي والأمني والتداخلات الدوليّة، ما يجعلها حالة بانوراميّة لا يمكن الإمساك بها من جانب واحد، وأنها في البنية الفنيّة تنتمي إلى الواقعيّة، وقد أراد الكاتب من خلالها أن يسجل سيرة ذاتيّة لأحداث وطن من خلال بطولة مطلقة لشخصية بطل الرواية التي كانت تدور في فلكها شخصيات ثانوية لم تضف برأيه شيئاً إلى الحدث الروائي، لكنها أضاءت أكثر على الشخصية المحوريّة، مبيناً أن الرواية امتلكتْ شروط بنائها الفني سرداً وشخصيات ولغة وأمكنة، وأعطت شواهد شديدة الواقعية مع توصيف دقيق للأحداث المأساويّة التي جرت في سورية من خلال شخصية بطل الرواية عبر سرديّة سهلة وممتعة مع قدرة الكاتب الكبيرة في تصوير حالات رومانسية وحميميّة جداً، ما أفسح المجال أمام الخيال والتخييل لدى المتلقي، وهذا من أهم أهداف السرد الروائي برأي الشاهر الذي لفت في حديثه أيضاً إلى حضور المكان في الرواية، حيث كان لدمشق وحي باب توما حضور ووجود ووعي وانتماء لبطل الرواية على الرغم من تعدّد الأمكنة في حياته، منوهاً بأنّ الرواية أوضحتْ أن إنسانيّة الإنسان أعلى وأوثق من كل الانتماءات إذا كانت محكومة بالوعي، وأن “موعد مع الشمس” تفضي إلى كثير من المواضيع في ثناياها وأبعادها، ومنها أن هناك طاقات مبدعة لم نحسن استثمارها، فذهبت نهباً للدول الأخرى مع أن هذه الطاقات المتمثلة بالعقول أهم من الثروات الطبيعيّة وهي الثروة الحقيقيّة التي تركناها نهباً للريح تعبث بها الأيادي وفقاً لأهوائها.
وختم الشاهر بتأكيد حاجتنا إلى فن روائي هادئ وواقعي، يوثق ما جرى في سورية من أحداث، ورواية “موعد مع الشمس” أنموذج يحتذى.
مقارنات ومقاربات
وارتأى الكاتب محمد الحفري في مشاركته عقد مقارنة بين بطل هذه الرواية “جرجس الذيب” وبطل رواية “أرض الجهاد” للكاتب نفسه بعد أن أعاده الخط الذي سار عليه الذيب في مسيرته الحياتيّة إلى فكرة البطل والبطولة التي يشتغل عليها الكاتب محمد الطاهر وإلى مقارنة بطل “موعد مع الشمس” ببطل رواية “أرض الجهاد” جلال صالح الذي انطلق متسلّلاً من الرقة إلى دمشق ومن ثم لبنان ومن بعدها ألمانيا وفي النهاية عودة إلى الرقة، في حين درس الذيب الكيمياء في جامعة دمشق، ثم قاده طموحه إلى هولندا، ومنها إلى ألمانيا وأميركا، ومن ثم العودة إلى دمشق، ومن بعدها إلى أميركا، وتالياً، فإن رغبة السّفر وحبّ المغامرة وركوب المخاطر صفات تجمع بين بطلي الروايتين، موضحاً أنّ مقارنته البسيطة بين البطلين لا تعني أبداً التقليل من أهميّة الشخصيات الأخرى، ولم يكن قصده تجاوز مشهديات الرواية وأحداثها وصورها وما فيها من وصف، إنما كان القصد أخذ تفصيلة صغيرة من معمار الرواية للوصول إلى بعض التّقاطعات والتعالقات التي قد نجدها في نتاج أي كاتب، مع إشارته إلى أن الطاهر يجعل من أبطاله في معظم ما يخطّه وكأنهم يغلون على مرجل من نار، مبيناً أن الطاهر في الروايتين حاول الإشارة إلى الأيدي التي تتحكّم بمصير بطليه الرئيسين وبمصائرنا جميعاً فوق هذه الأرض وقد امتلكتْ أدوات جبارة لجعل الشعوب تحت سيطرتها، ومنها توظيف الجماعات الدينيّة لمصلحتها.
وأشار الحفري في نهاية مشاركته إلى أنّ المؤلّف اعتمد في روايتيه على كشف عالم غريب قد يكون مجهولاً بالنسبة إلينا، وهذا الكشف يتضمن المكان وأسرار الشخصيّات التي تعامل معها على الورق والتي يعرف بعضها على الواقع من دون أن يخفي أن أعماله تحتمل أحياناً قراءات كثيرة من وجهات نظر مختلفة لما فيها من سرد رشيق وأحداث في منتهى الحساسيّة والرهافة، وهي تنمّ عن إرادة حقيقيّة في تحقيق أهداف وغايات بعيدة.
روايات عديدة
الرواية صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وتقع في 239 صفحة من القطع المتوسط، ولمؤلفها العديد من الإصدارات الأدبية الأخرى المتنوعة، حيث كتب القصة القصيرة في سنّ مبكرة، وكانت مجموعته القصصية الأولى “عرس ليلة هادئة” من تحقيق الدكتور عبد السلام العجيلي، في حين أصدر روايته الأولى “مأساة رجل محترم” عام ٢٠٠٤ ثم توالت إصداراتها في الكتابة الروائية حيث انحاز بشكل أكبر لها، ومن رواياته نذكر “ماري”، و”قمر على الفرات”، و”مواسم الغياب”، و”ترتيل على صدى الذكريات”، أسس دار “توتول للطباعة والنشر والتوزيع” التي أصبحت خلال فترة وجيزة من دور النشر الرائدة في القطر.