الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

العنف وجذره التربيعي

غالية خوجة

لم يعد التنمّر اللفظي الاستهزائي سوى عتبة لأشكال من العنف النفسي والجسدي في زمننا الراهن. والمؤسف أن يحدث ذلك في إحدى مدارسنا، وأن تجتمع بعض الطالبات على إشباع طالبة ضرباً بعد ربط يديها وتقييد حركتها والتفنن الوحشي في إيذائها لدرجة وصولها للإغماء، وما تبعه من آثار نفسية وجسدية!

ترى.. لماذا كانت أجيالنا فخورة بحضور التربية قبل التعليم؟ ولماذا كانت الإدارة والهيئة التدريسية أسرتنا الثانية؟ ولماذا كان أهلونا يثقون بها؟ وما الذي تغيّر خلال جيل بين التربية والتعليم؟

بلا شك، ظروف عديدة جعلت من الطالبة تسنيم ضحية عنف بجذر تربيعي، فنالها ما نالها من لكمات وسحجات وغشاوة في حاسة البصر. وبلا شك، المحاسبة القضائية العادلة للإدارة والمعلمات والطالبات المتعديات ضرورة بديهية. وبلا شك، ليست الحرب وحدها وآثارها، بل، بيقين ما، هناك عوامل عديدة اجتمعت وشكّلت المقدمات المؤدية إلى هذه النتائج، لكننا لم نجد جهات تدرس هذه الظواهر بطريقة علمية منهجية اجتماعية ونفسية وشخصية، لتكون بادئة الحلول في إعادة التأهيل على الأصعدة كلّها، وأولها تأهيل الوعي الفردي والأسري والمجتمعي والتعليمي لاستيعاب المتغيرات والأدوات والوسائل التي صارت تكنولوجية أيضاً.

والسؤال: كيف تتجنب الجهات المختصة مثل هذه الأفعال؟ وما دور المعلم والجهاز الإداري والمشرف التربوي والاجتماعي؟ وكيف نجذب الطلاب إلى المدرسة بدل انفلاتهم من جدرانها إلى الشوارع والحدائق، لنصادف طفلاً بعمر 13 سنة يطلب من الناس أداة إشعال لسيجارته التي اشتراها بألفي ليرة من بائع ما، ويتجول في الحديقة مع صديق سوء يكبره بسنتين، ولم يقبل نصيحتي بإعادة السيجارة إلى البائع، أو استبدالها بقطعة حلوى!

بينما هناك، في إحدى زوايا شارع فرعي ما، طفل في ربيعه الثامن في فمه “مصاصة” سكر، ويشد حقيبة مدرسية يضع فيها ما يجده في الحاويات، ووجهه ملطخ بالأوساخ كما يديه وقدميه، تحدثت معه وحاولت إقناعه بأن يخبر أهله بضرورة ذهابه إلى المدرسة لا للحاويات، فابتسم وقال: “الله يحميك”!

لا بدّ من رؤية واقعية لما يجري، وتحليل مناسب، وإيجاد حلول تشابكية لمؤسساتنا التربوية التعليمية والجهات المختصة، ليستعيد معها الجميع توازنه، ويكون إيجابياً. لذا، لا بد من عودة المعلم إلى متلازمة التربية تبعاً لأحدث النظريات العلمية والتأهيلية والنفسية، ليدير الأدمغة إلى جهة الضوء، تلك الأدمغة التي يستطيع أصغر جهاز تكنولوجي محمول أن يؤثر فيها ويسيطر عليها.

لذا، أقترح حصة مدرسية يومية للحوار الحكائي بين المعلم والطلاب عن القيم الأخلاقية، وما رأيهم بها، ومهارات التعامل ضمنها، وكيف يكون الإنسان مدنياً حضارياً لا همجياً، وكيف تحب الأرض والسماء والناس الإنسان الشفاف، لا ذاك الذي يحمل أدوات حادة معه إلى المدرسة مثل “شفرات” الحلاقة!

كل ذلك، من خلال حكايات يحكيها الطلاب لمعلميهم من حياتهم اليومية ليستكشفوا السبب والحل والمعالجة التي لا تكتمل إلاّ مع الأهالي الذين عليهم معالجة نزعة العنف والشر في نفوسهم وبيوتهم، لأن هذه الأزمات تؤثر على الأبناء، فتنعكس في سلوكاتهم اليومية، وتستمر معهم على امتداد العمر.. لذلك، لا بد من ضرورة الحوار والمصارحة والتعامل الراقي بين أفراد العائلة كفريق واحد مسؤول، ويدخل في هذه الدائرة المواطن العادي الذي يساهم في لفت نظر الأطفال بشفافية وأسلوب جذاب إلى ضرورة التخلي عن سلوكاتهم السلبية حين يراها تحدث أمامه في أي مكان عام، وهكذا كان أجدادنا يتعاملون مع جميع أفراد المجتمع وكأنهم مسؤوليتهم، فهل يعمل جميع المتواجدين في المؤسسات التعليمية بهذه المنهجية التربوية؟