الصراعات والاستثمار في صناعة الأسلحة
تقرير إخباري
كشف مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي مؤخراً عن سلسلة من الرسوم البيانية التي تظهر الدعم الدولي لأوكرانيا ضد روسيا. وتفصّل هذه المخططات بدقة المساعدات غير المسبوقة التي تضخّها الدول المتقدمة لأوكرانيا. وأظهرت هذه الرسومات أن المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة لأوكرانيا تفوق المساعدات التي تقدّمها أي دولة أخرى، حيث تبلغ قيمتها 74.3 مليار دولار، مع تخصيص أكثر من 46.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية.
ويضمّ التحالف العالمي الذي يقف خلف أوكرانيا أكثر من 40 دولة، معظمها أعضاء في حلف الناتو وحلفاء عسكريون للولايات المتحدة. فمن أين تجد أمريكا الأموال اللازمة لدعم أوكرانيا بهذا القدر من السخاء؟ إن الأمر كله يتوقف على كيفية معالجة الأرقام. لقد أثارت الحرب الروسية الأوكرانية سباق تسلّح غير مسبوق بين الدول الأوروبية، وخاصة الدول الأعضاء في حلف الناتو. فمع قيامهم بشحن ترساناتهم، هناك حاجة ملحّة إلى تجديدها. وتقود قائمة التسوق مباشرة إلى الولايات المتحدة، كما أن الحلفاء العسكريين الأمريكيين جميعهم في القارب نفسه، حيث أصبح حلفاء الولايات المتحدة، من الرعاة الرئيسيين للأسلحة الأمريكية.
على الصعيد العالمي، تتصاعد التوترات في العديد من المناطق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الولايات المتحدة، التي خلقت أيضاً فرصاً غير مسبوقة في السوق لصادرات الأسلحة الأمريكية. وفي عام 2023، سهّلت الحكومة الأمريكية مبيعات أسلحة مذهلة بقيمة 81 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 56% عن 52 مليار دولار في عام 2022.
وبعيداً عن المكاسب المالية، تلعب صادرات الأسلحة دوراً حاسماً في تعزيز تشغيل العمالة في الولايات المتحدة، وهو الشغل الشاغل لكل رئيس أمريكي. ومن خلال إعادة تجهيز الحلفاء الأوروبيين ودعم الجهود العسكرية الأوكرانية، تشهد صناعة الدفاع الأمريكية والقطاعات المرتبطة بها زيادة كبيرة في تشغيل العمالة، الأمر الذي من شأنه أن يحفز الاقتصاد الأمريكي.
واليوم تدعم صناعة الطيران والدفاع أكثر من 2.1 مليون وظيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بدءاً من المهندسين ذوي المهارات العالية إلى عمال خطوط التجميع ومن موظفي البحث والتطوير إلى الدعم الإداري.
لقد استخدمت الولايات المتحدة صادرات الأسلحة كأداة ليس فقط لتعزيز وتوسيع تحالفاتها الاستراتيجية، بل أيضاً لتحقيق الاستقرار وتطوير مكانتها المهيمنة في سوق الأسلحة الدولية، في حين تعمل في الوقت نفسه على تعزيز اقتصادها. فمن ناحية، أصبحت مبيعات الأسلحة عنصراً أساسياً في الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، بينما من ناحية أخرى، تعدّ بمنزلة ركيزة مهمّة للإمبراطورية الأمريكية. وتتشابك هذه الركيزة بشكل وثيق مع توظيف الأمريكيين العاديين، بحيث لا يمكن فصلها بسهولة، وهذا هو المفتاح لفهم العلاقات الدولية والصورة الكبيرة لعالم اليوم، إذ إن كيفية وإلى أين تتجه الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة ترتبط دائماً بإنتاج الأسلحة وتطويرها وبيعها. ومن هذا المنظور فإن الولايات المتحدة لن تتخلّى عن المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لأن ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى تفكّك النظام الاستراتيجي الأمريكي.
إنها حقيقة قاتمة، المزيد من الصراع يترجم إلى المزيد من الوظائف الأمريكية، والمزيد من الوظائف الأمريكية يعني أملاً أقل في السلام في جميع أنحاء العالم، وهذا الارتباط الغريب هو الحقيقة الصارخة في عصرنا.
عناية ناصر