ثقافةصحيفة البعث

عامر الخطيب: للتيارات الفنية دور مهم في تعزيز الإبداع العربي

السويداء- رفعت الديك

عندما سئل سقراط وكان يتعلّم الموسيقا في كبره: “ألا تستحي يا شيخ أن تتعلم الموسيقا على كبر؟”، فأجاب: “أقبح من ذلك أن أكون جاهلاً”.. هذا مدخل إلى الحديث عن الفن كعنوان للحضارة لكونه لا ينحصر في مكان أو زمان محدّدين، فالفنون في إطارها الإبداعي، كالأدب والرسم، والنحت، والرقص، والموسيقا، تعدّ صناعة فنية يعبر بها التعبير المؤثر الجميل، عن نوايا النفس البشرية في كل ما تضطرب به، من خواطر الفكر والوجدان، ولا يختلف عنها في شيء، من حيث الغاية التأثيرية التي يسعى إليها كل فن جميل.

وقد كان لتلك الفنون بتياراتها المختلفة دور مهمّ في الإبداع العربي بما تحمله من مواد تميزها، فالأدب العربي تميزه ألفاظ اللغة، كذلك الأشكال للنحت والزخارف، والحركة للرقص، والأنغام للموسيقا، والألوان والخطوط للرسم.

يقول الفنان المحامي عامر الخطيب إن التيارات الفنية كان لها تأثير كبير على المبدع العربي، وهي المدارس الفنية الغربية المعروفة: الكلاسيكية والواقعية والانطباعية والواقعية التعبيرية والوحشية والسيريالية والتكعيبية والتجريدية والمستقبلية، وغيرها، مشيراً إلى أن مادة التعبير الفني البارزة في الموسيقا هي الأنغام، لا يشاركها في وسيلتها هذه أي عمل آخر من أعمال الإنسان الإبداعية. وهنا إما أن تكون الأنغام جميلة، فهي إذ ذاك فن موسيقي، وإما ألّا تكون، فهي حينئذ دندنة لا يؤبه لها، كذلك أعمال الرقص والرسم والنحت، فهي إما أن تكون فنوناً جميلة أو لا تكون شيئاً من ذلك، قد تكون أعمالاً انتفاعية معيشية، لكنها ليست في كل حال أعمال عقلانية رفيعة، أما المسألة مع الأدب فمختلفة تماماً، ذلك أن الأدب حين تتكاثف فيه وتحتشد فنية الشكل والمضمون، فقد ينقلب عملاً انتفاعياً معيشياً، حديثاً ـ بين الناس ـ عابراً لا تبقى له حتى ميزة التسمية الأدبية، وإن تكن وسيلته ألفاظ اللغة التي هي نفسها وسيلة الأدب، وقد ينقلب عملاً فكرياً علمياً أو فلسفياً، من نوعية الأعمال العقلانية الرفيعة، بما تحمله حينئذ ألفاظ اللغة من حقائق للحياة والوجود. وهكذا، يتضح لنا أنّ الفنون الجميلة باستثناء الأدب تتراوح بتكاثف فنيتها شكلاً ومحتوى، بين المستوى النفعي الأدنى، وذروة الإبداع الفني؛ بمعنى أنها تتدرج ارتفاعاً من الحدود الفنية الدنيا، إلى الحدود الفنية القصوى والممكنة.

لغة عالمية

ويبقى السؤال المطروح دائماً وفي كل المناسبات: “هل نأخذ من التيارات العالمية أو نرفضها أو نتناولها باعتدال وحرص؟ وهل هذه المشكلة قديمة أو حديثة؟، يجيب الخطيب: “بالعودة إلى تاريخ العرب، نلاحظ أنهم واجهوا المشكلة نفسها، وأخذوا من تراث وحضارة الإغريق، لكنهم لم يكونوا معاصرين لهم، واعتمدوا على أفكار ونظريات كونية شاملة ألا وهي الأديان السماوية، وقد استطاعوا الانتقاء من هذه الحضارة ما يخدم تراثهم، بينما تاريخ العرب المعاصر يأخذ من شعب معاصر يُخشى من تغلغله الحضاري في الكيان العربي وامتداده السياسي والثقافي، والخشية الأكبر من تطوع العرب تلقائياً للأخذ عن هذه التيارات والذوبان فيها على حساب الشخصية الفنية والحضارية العربية”.

وقد كان هناك رأي للفنانين التشكيليين العرب في بداية القرن الماضي وهو أن الفن لغة عالمية كالموسيقا، ولا ضير من الرسم على غرار المدارس الغربية، وبهذا الرأي غلبت عليهم النزعة الغربية، كذلك تأثر الأدباء والمثقفون والإعلاميون وإن كان الأدب يحتاج إلى ترجمة ليصبح لغة عالمية، وهذا يعني أنّ التّيارات الفكرية والفنية الغربية غزت أرضنا وتسرّبت من كل النوافذ وصرنا في الغالب مواكبين لها. وغدت علاقتنا المبتورة بتاريخنا وتراثنا كفيلة بتركنا في مهب الريح وبظروفنا الحالية لم يعد بمقدور شعب أو دولة أن تغلق الباب أمام العالمية التي تؤكد نفسها يوماً بعد يوم.

العودة إلى التراث

من هنا تأتي الحاجة الملحّة إلى أن تأخذ الدول العربيّة والمنظّمات العربيّة المعنيَّة بالتراث على عاتقها مسألة حماية التيارات الفنية، لما لها من أهميّة في حياة الشعوب العربيّة وتاريخها، لكونها جزءاً من هويّة هذه الشعوب، ناهيك عن أهميّتها الماديّة وما توفّر من مردودٍ ماليّ عند استغلالها الأمثل، لذلك على مبدعينا أن يعودوا إلى التراث من خلال الإطار المحلي لإثبات وجودنا في الإطار العالمي كما يقول الفنان الخطيب، وألّا نخسر مجتمعاتنا ونتمثل التراث كنقطة انطلاق إلى الإبداع مع مراعاة السرعة وعامل الزمن من دون تعثر أو تقوقع أو توقف، وهذا يجب أن يترافق مع الوعي الثقافي للمتلقي، لكي يقف متأملاً أمام العمل الفني بعيداً عن التشويش ويبدأ بتذوق رحيق الإبداع والألوان والمعاني وارتشاف النشوة المطهرة للروح والنفس البشرية، لأن العمل الفني يجادل بصمت ويتكلم بمحبة وبمعانٍ لطيفة وعذبة ويدعو إلى التأمل.