واشنطن سبب متاعبها في حديقتها الخلفية
تقرير إخباري
أصدر المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقرّه واشنطن، مؤخراً تقريراً بعنوان “إعادة تحديد استراتيجية الولايات المتحدة مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لعصر جديد”، ويحث التقرير واشنطن على إصلاح استراتيجيتها تجاه أمريكا اللاتينية لتحدّي نفوذ الصين المتزايد في المنطقة بشكل فعّال.
وأما الصين فقد أصبحت ثاني أكبر شريك تجاري للمنطقة وثالث أكبر مصدر للاستثمار منذ عام 2012، وفشل التقرير في تقديم أي دليل يظهر أن التعاون الاقتصادي والتجاري المزدهر يهدّد مصالح الولايات المتحدة أو علاقات الولايات المتحدة مع المنطقة.
ويعترف التقرير بأن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية هي من صنعها، ومع ذلك انخفاض ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة هو الذي أدّى إلى تعزيز منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي لتعاونها ليس فقط مع الصين، بل أيضاً مع روسيا ودول الشرق الأوسط واليابان وأوروبا، ولذلك فإن المقترحات التي طرحها المركز البحثي في التقرير بشأن قدرة الولايات المتحدة على التفوق على الصين في أمريكا اللاتينية تخطئ الهدف تماماً.
فمن ناحية، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تحل محل الصين في مساعدة أميركا اللاتينية على استهلاك صادراتها من الموارد المعدنية، والطاقة، والمنتجات الزراعية، التي تصدّرها الولايات المتحدة أيضاً إلى الصين، ومن ناحية أخرى، لا يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل الصين لتزويد المنطقة بالسيارات الكهربائية والمعدات الميكانيكية وقطع الغيار والصلب والمواد الكيميائية وغيرها من المنتجات الصناعية، فضلاً عن السلع الاستهلاكية، وهي أيضاً ما تستورده الولايات المتحدة من الصين بكميات كبيرة.
وبسبب تركيزها أيضاً على العائدات السريعة وعدم الاهتمام بالتنمية المحلية، فإن الشركات ورؤوس الأموال الأمريكية متردّدة في القيام باستثمارات طويلة الأجل في المنطقة، وخاصة في مشاريع البنية التحتية الكبيرة التي تحتاج إليها المنطقة.
ومن خلال التركيز على مثل هذه البنية التحتية، وقعت الصين حتى الآن مذكرات تفاهم حول البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق مع 22 دولة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ووقّعت خطط تعاون بشأن البناء المشترك للمبادرة مع ستة منها.
إن تعاون الصين مع المنطقة لا يستهدف أي طرف ثالث، ويعزّز التنمية المشتركة في المنطقة، وبعد أن تم تسخيرها من الولايات المتحدة بموجب “مبدأ مونرو” لفترة طويلة طوّرت العديد من دول أمريكا اللاتينية رغبة قوية في الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي، ويتم تنفيذ جميع مشاريع الصين في البلدان على قدم المساواة، وهي ذات طبيعة مربحة للجانبين، بدلاً من أن تكون بمنزلة موطئ قدم لها للسيطرة على المنطقة.
ويؤكد التقرير أهمية إعادة تنظيم الولايات المتحدة على أساس “القيم والمصالح المشتركة” مع أمريكا اللاتينية، لكن الطريقة المتعالية التي تتبعها واشنطن في محادثاتها بشأن اتفاق التجارة الحرة مع دول المنطقة، ووعودها الفارغة لهذه الدول في مؤتمرات القمّة الإقليمية التي استضافتها على مدى السنوات القليلة الماضية، كلها تشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تعدّ المنطقة بمنزلة مكب نفايات لمنتجاتها ومصدر للمتاعب والمهاجرين غير الشرعيين.
ويمكن القول: قبل تفكيك الجدران الحدودية والأسلاك الشائكة، التي تنبئنا بمدى اختلاف اعتقاد الولايات المتحدة في قيمها ومصالحها عن أولئك الذين يعيشون على الجانب الآخر منها، فإن التقرير ليس أكثر من كلام فارغ.
عائدة أسعد