الانتخابات الحزبية بين الواقع والطموح
أصبحت الأحزاب السياسية جزءاً رئيساً من السياسة في كل بلد تقريباً، فتطورت المنظمات الحزبية الحديثة وانتشرت خلال القرون القليلة الماضية في جميع أنحاء العالم. تملك بعض الدول نظام الحزب الواحد، بينما يملك البعض الآخر نظام الأحزاب المتعددة. ويعتبر بعض علماء السياسة التنافس بين حزبين أو أكثر جزءاً أساسياً من الديمقراطية.
والأحزاب السياسية سمة منتشرة في كل مكان تقريباً في البلدان الحديثة. وتمتلك جميع الدول الديمقراطية تقريباً أحزاباً سياسية قوية، ويرى العديد من علماء السياسة أن البلدان التي يوجد فيها أقل من حزبين هي بالضرورة بلدان استبدادية .وأحد التفسيرات الأساسية وراء وجود الأحزاب السياسية هو أنها تنشأ من انقسامات موجودة مسبقاً بين الناس، إذ ينقسم المجتمع بطريقة معينة، ويتشكل حزب لتنظيم هذا التقسيم إلى منافسة انتخابية.
يعود التفسير البارز الآخر لسبب وجود الأحزاب السياسية للناحية النفسية، فيمكن أن تكون الأحزاب ضرورية للعديد من الأفراد للمشاركة في السياسة، وذلك لأنها توفر إرشاداً مبسطاً على نطاق واسع، مما يسمح للناس باتخاذ خيارات مدروسة بجهد عقلي أقل بكثير.
ميز علماء السياسة، بين أنواع مختلفة من الأحزاب السياسية التي تطورت عبر التاريخ.. وتشمل: حزب النخبة، والحزب الجماهيري، والحزب الشامل، وغيرها. وقد عرفن حزب البعث العربي الاشتراكي حزباً جماهيرياً من الأحزاب السياسية التي تطورت حول الشرائح المتعددة في المجتمع، وحشدت المواطنين العاديين أو “الجماهير” في العملية السياسية. وكانت واحدة من أهم القضايا التي تطرق إليها لقاء الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في 22/ شباط الماضي مع المفكرين والمثقفين والكتاب والأكاديميين مسألة جماهرية الحزب ومتى وكيف يكون الحزب جماهيرياً؟
يقوم مفهوم الحزب الجماهيري على الاتصال بالجماهير والجهد الذي يؤدى إلى نقل فكر الحزب أو الخبرة إلى الجماهير، بهدف حشدها وتعبئتها وتحويل حركتها العفوية إلى حركة منظمة لتحقيق أهداف الجماهير. والحزب الجماهيري هو نوع من الأحزاب السياسية التي تطورت حول الشرائح المتعددة في المجتمع، وحشدت المواطنين العاديين أو “الجماهير” في العملية السياسية. وقد أدى إدخال الاقتراع العام، إلى إنشاء أحزاب تطورت لاحقاً إلى أحزاب جماهيرية….
وأثارت النظرية القائلة بأن الأحزاب تنتج عن الانقسامات الاجتماعية العديد من الانتقادات. .إنّ المنظمات الحزبية ذات البعد الجماهيري هي منظمات تسعى إلى تحقيق أهداف حزبية في المنظمات الجماهيرية لتحقيق إشعاع حزبي معين في تلك المجالات. ..والدور الاجتماعي لحزب البعث يتجلى وخاصة في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ سورية في إعادة بناء اللحمة بين الجماهير السورية بعد أن تصدّعت بفعل الحرب التي تعرض لها الشعب السوري والدولة السورية على مدى سنوات كثيرة والتي كان أحد أهدافها الأساسية تدمير هذه البنية الاجتماعية المتماسكة، والوحدة الوطنية التي عمل حزب البعث من أجلها سنين طويلةً. إنّ الدور الاجتماعي لحزب البعث في المرحلة القادمة دور استراتيجي وطني بامتياز.
وماذا يريد البعثيون من الانتخابات الحزبية التي تجري حالياً في صفوف حزب البعث من القاعدة إلى القمة؟ وكان الحوار عميقاً وجاداً استمر لساعات ثلاث بين المفكرين والكتاب والرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد…
وماذا يريد الناخب من الانتخابات الحزبية؟ والناخب هو من يحق له التصويت، وهو قضية محورية في الانتخابات. فيجب قبل إجراء أي عملية انتخابية تحديد الشروط التي يجب توفرها في الأشخاص حتى يحق لهم التصويت. ويوجد العديد من الأنظمة الانتخابية بسبب تعدد الغايات والطرق، ولكل نظام انتخابي محاسنه ومساوئه لذا لا يوجد نظام انتخابي أمثل.
البعثيون هم الشريحة السياسية والاجتماعية والحزبية الأكبر في سورية، قدّمت التضحيات على مدى ثمانية عقود متتالية، وشاركت في قيادة الدولة والمجتمع مع عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية خلال العقود السابقة ولا تزال، وقد شهدت سورية والعالم متغيرات كثيرة، وخاضت حرباً طاحنة ولا تزال مع قوى عالمية كبرى وتنظيمات معادية رجعية وسلفية أرادت تدمير سورية وإخضاعها لقوى الاستكبار العالمية. وأمام هذه المعطيات يريد البعثيون من حزبهم وقيادتهم ما يريده الشعب السوري كله، ويمكن تلخيص ذلك بالآتي:
- إعادة بناء ما تهدم على كافة الصعد، وإقامة دولة قوية تصدّ العدوان وتبني علاقات إيجابية متوازنة مع الدول الأخرى.
- إعادة بناء الاقتصاد بفعالياته المختلفة: الصناعة والزراعة والتجارة الخارجية والداخلية والسياحة وغيرها.
- إعادة بناء الشركات النفطية والتنقيب عن النفط السوري حيث هو موجود، ليسهم مع الفعاليات الاقتصادية الكبرى في إعادة الوضع في سورية، ليصبح أقوى مما كان عليه أضعافاً مضاعفة على الصعد كافة.
- وضع خطة شاملة لإعادة البناء الاجتماعي وإصلاح المؤسسات التي ترعى ذلك بهدف خلق مجتمع جديد أبناؤه متحابّون متعاونون متضامنون كأخوة في وطن هو لجميع أبنائه عل قدم المساواة.
- السعي لإحداث وزارة هجرة قوية تعمل وفق برنامج وطني للتواصل مع المهجرين والمهاجرين والحد من هجرة الشباب والعائلات السورية قبل نفاد عنصري الشباب والمتعلمين والمهنيين وإضعاف بنية المجتمع السوري. وغير ذلك.
والعلاقة السليمة التي يجب أنت تحكم البنى القيادية في الحزب هي الروح القيادية التي تقوم على الصراحة والصدق في القول والفعل، والحرص على وحدة الحزب ووحدة أعضائه، واستبعاد ظواهر والتبعية، والنفعية، والفساد، واعتماد الكفاءات والخبرات، والالتزام والسلوك والأخلاق، والسمعة الحسنة في اختيار القيادات في مستوياتها جميعاً.
وقد تطرق الحوار إلى علاقة الحزب مع السلطات: التنفيذية والتشريعية، ومع المنظمات والنقابات.
فعلاقة الحزب مع السلطات التشريعية والتنفيذي والمنظمات والنقابات يجب أن تستند إلى قوة الأنظمة والقوانين والمصلحة العامة، بحيث تبتعد القيادة السياسية عن التدخل اليومي والساعي المباشر مع تلك السلطات، بل القيادة السياسية تسهم في وضع الخطط والبرامج وتراقب تنفيذها وتحاسب على أساس النجاح في التنفيذ أو الفشل في ذلك، وتراقب مظاهر انتشار الفساد بكل أشكاله وتسهم في القضاء عليه عبر الطرق القانونية. والفاسد لا يستطيع أن يراقب الفاسد والمخرّب، وكلاهما عامل مدمّر للوظيفة العامة وبنية الدولة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من ضرر أن يكون ضمن تنظيم الحزب تيارات فكرية متمايزة ومتعددة ومختلفة؟ أظنّ لا مانع من ذلك لأنّ هذا التمايز أصلاً هو موجود في بنية الحزب ومن الأيام الأولى لتأسيسه، وكان أحياناً يظهر هنا وهناك وبمناسبات مختلفة، وٌقد أدى هذا التمايز عندما كان يشتد إلى انقسامات كبرى وانشقاقات وحركات داخل الحزب، أما إذا كان هذا التمايز ينطلق من روح إيجابية حريصة على وحدة الحزب وبنيته التنظيمية والفكرية وأهدافه الكبرى فإنه يكون ظاهرة إيجابية بل ضرورية من أجل تطوير بنية الحزب والارتقاء بأدائه لتحقيق أهدافه وتنفيذ خططه الهامة للمرحلة القادمة…
د. جودت إبراهيم
أستاذ في كلية الآداب بجامعة البعث – حمص