أخبارصحيفة البعث

هل تتبنّى واشنطن رؤية مختلفة؟

تقرير إخباري

مع إعلان القوات الروسية سيطرتها الكاملة على أفدييفكا، دخل الصراع عامه الثالث، وفي اليوم التالي لمرور عامين، كشف رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لأول مرة عن مقتل 31 ألف جندي أوكراني أثناء القتال، بينما قدّرت وكالة الأنباء الروسية ميديازونا الرقم في روسيا بـ75 ألفاً، وكانت العواقب الاقتصادية والإنسانية على العالم مؤلمة وعلى مستوى أعمق، صبغ انعدام الثقة والتنافس عدسات الكثيرين في السياسة الدولية.

ولكن بالنسبة للبعض، فإن الصورة ليست كلها كئيبة وعذاباً، وإنما هي مدعومة بتدفقات الذخيرة الضخمة إلى كييف، فقد جمعت واشنطن 80.9 مليار دولار في عام 2023 من بيع المواد والخدمات الدفاعية وإجراء التعاون الأمني في إطار نظام المبيعات العسكرية الأجنبية، كما ارتفعت صادرات الطاقة من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وحسبما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فإن “90% من المساعدات الأمنية الأميركية لأوكرانيا تم إنفاقها فعلياً في الولايات المتحدة لإفادة الشركات والعمال والمجتمعات الأميركية، وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية لبلادنا”.

وأما على الصعيد الاستراتيجي، فقد وجّهت الأزمة الأوكرانية ضربة قوية على المستوى الاقتصادي، وفي مجال الطاقة، وعلى المستوى السياسي والنفسي للأوروبيين، الأمر الذي أعطى التحالف عبر الأطلسي دفعة قوية كان في أمسّ الحاجة إليها، وأنقذ حلف شمال الأطلسي من النسيان واستعاد العم سام بعضاً من أهميته المفقودة.

ولكن بينما يستمر القتال على الأراضي الأوروبية، لا بد أن يتذكر الناس العديد من الصراعات الأخرى التي ورّطت الولايات المتحدة نفسها فيها، فقد كانت هناك الحرب الكورية، التي لا تزال مستمرة من الناحية الفنية؛ وحرب فيتنام التي أودت بحياة الملايين من المدنيين؛ وحرب كوسوفو التي شهدت استخدام القنابل العنقودية وقنابل اليورانيوم المنضّب، وزيادة في حالات السرطان وخاصة سرطان الدم في يوغوسلافيا، وكذلك الحرب في أفغانستان التي أدّت فيها العمليات العسكرية الأمريكية إلى مقتل وتشويه أكثر من 100 ألف مدني؛ والصراع الوحشي المحتدم في غزة في الوقت الراهن، كما تشير بعض الأرقام إلى أنه من بين 248 نزاعاً مسلّحاً وقع في 153 منطقة في العالم، بدأت الولايات المتحدة وحدها بـ201 صراع منها.

لقد كان العالم المنقسم والمتحارب هو المكان الذي بنت فيه الولايات المتحدة قوّتها لأول مرة، وكان إبقاء العالم على هذا النحو هو سرّ الحفاظ على الهيمنة العالمية، ويجلس بعض الساسة الأميركيين على الطاولة وينظرون إلى قائمة الدول المدرجة على القائمة، فيضعون بعضهم في مواجهة بعضهم الآخر أو يعقدون بعض التحالفات الملائمة لتناسب أغراضهم الخاصة.

إن العالم يواجه اليوم تحدّياتٍ لا تعترف بالحدود، ولعل الاستراتيجية الجيوسياسية الأميركية خدمتها جيّداً عدة سنوات، ولكن هذا الأمر لن ينجح في عالم المستقبل، حيث لن يأتي النمو الاقتصادي من نهب الموارد بقدر ما يأتي من الابتكار الذي يمكن تحقيقه من خلال الجهود الجماعية، ولن يُبنى الأمن على احتواء الآخرين بقدر ما يُبنى على الاعتراف بحق كل فرد في الأمن، والقيادة لا تتقدّم من خلال التنمّر بقدر ما تتقدم من القدرة على تحقيق التنمية المشتركة.

لقد حان الوقت لكي تغيّر الولايات المتحدة نظرتها الخطيرة للعالم.

عائدة أسعد