دراساتصحيفة البعث

المحور كلّه حاضر في المعركة

طلال ياسر الزعبي

ربّما تكون هذه العبارة الموجزة هي عنوان حديث سماحة السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، الذي أكّد أنّ “حماس” تُفاوض اليوم نيابة عن المقاومة، وجميع الجبهات المساندة تكمّل عملها حتى وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة.

فالكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو عاجزٌ عن القضاء على حماس والمقاومة في قطاع غزّة، حتى لو اجتاح رفح، وبالتالي فإن التهديد بالاجتياح إنما هو محاولة بائسة في الشهر السادس من العدوان لإيهام الشارع والعالم بتحقيق أي نصر، وهو يدرك جيداً أنه حتى لو ذهب إلى رفح فإنّه “قد خسر الحرب”.

فأولى علامات الهزيمة أنّ الاحتلال يُفاوض حماس في الشهر السادس من الحرب، بينما هي تُفاوض “نيابة عن المقاومة وليس من موقع الضعف وهي تضع الشروط”، فـ”شرط وقف العدوان على قطاع غزّة أمرٌ عقلاني وإنساني وشرعيٌ ومنطقي”، ومسألة المفاوضات “ليست محصورة بتبادل أسرى بأسرى، بل بوقفٍ نهائي للعدوان”، وهذا الأمر يقف المحور بالكامل معه، لأن ما يجري حتى اليوم “هو درسٌ لكلّ شعوب العالم”.

وإذا كانت الجبهة اللبنانية تؤدّي واجبها وتقوم بدورها بشكلٍ كامل في المعركة وصراخ المستوطنين يعلو من عمليات المقاومة، رغم كل النباح الذي يحاول التقليل من شأنها، فإن جبهات المساندة تُكمل عملها، وجبهة اليمن وآثارها وبركاتها عظيمة جداً وبالخصوص على اقتصاد العدو، والمقاومة الإسلامية في العراق وإرسالها المسيّرات والصواريخ إلى الكيان أمرٌ مستمرٌ ومتواصل.

ومهما حاولت الولايات المتحدة الأميركية الادّعاء أنها لا تستطيع وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، فلن يصدّقها أحد، لأن هذه الحرب في جانب كبير منها حاجة أمريكية، دفاعاً عن قاعدتها الأساسية في المنطقة، ومن هنا فإنّ جو بايدن “بجرّة قلم” يستطيع أن يوقف العدوان والحرب على القطاع.

والجيش الإسرائيلي مصرّ على التكتّم الشديد على الخسائر من ناحية الجنود والآليات العسكرية وغيرها، رغم أنّه “مُتعب ومُستنزفٌ في كلّ الجبهات وعدد قتلاه كبير جداً وأكبر بكثير من المعلن”، ولكنه مضطرّ لذلك لأنه لم يأتِه قرار أمريكي بالإعلان عن حقيقة خسائره، ولديه بعد 5 أشهر نقصٌ في العديد، ويُريد تجنيد 14500 من الضباط والجنود، ويريد أيضاً تجنيد “الحريديم” داخل “الجيش”، وبينما تزفّ المقاومة شهداءها وتقيم لهم الأعراس، وعلى البث المباشر، يخفي العدو قتلاه، وهذا له وقعه على “الجيش” الإسرائيلي، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة للاحتلال فيما تسمّى “الجبهة الشمالية”، ويكفي أن يلاحظ المرء حجم الردع للعدو عن القيام بحرب على لبنان، لأن مجتمع العدو الإسرائيلي بدأت تظهر عليه علائم التعب وكذلك على جيشه واقتصاده، والخيار الطبيعي والمنطقي في هذه المعارك على جبهات المقاومة هو عضّ الأصابع والغلبة والنصر لمن يتحمّل، وهذا يقتضي طبعاً التكامل بين ساحات المقاومة جميعها في لبنان واليمن والعراق وسورية، بحيث يكون لكل منها دوره الفعّال في الردّ على العدوان الصهيوني الأمريكي الغربي على غزة.

ومن هذا المنطلق جاء إعلان القوات المسلحة اليمنية الأخير، فرض قواعد اشتباك جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، واستمرار عملياتها ضد سفن الدولتين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.

واليمن بحكم موقعه الاستراتيجي قادر على انتزاع حقه والتعامل مع مجتمع دولي لا يحترم إلا القوي، والمعركة التي يخوضها الآن نصرة لغزة ستؤدّي حتماً إلى متغيّرات جيوسياسية مواكبة لنظام عالمي جديد، ودخول اليمن المعركة ضد الكيان الصهيوني الحاقد والغاصب وحصاره بحرياً ليس قراراً ترَفياً بل هو قرار سيادي وطني إسلامي إنساني، وهو مستمر في منع مرور السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” أو المتجهة إلى موانئها، كما أن عمليات القوات البحرية ضد السفن الأمريكية والبريطانية الحربية أو التجارية لن تتوقف وسوف تستمرّ إن استمرّ تماديها المشبوه في مياه اليمن الإقليمية، وهذا يعني أنه لم يعُد للغرب الحرية في خرق المياه الإقليمية اليمنية، فالسيادة هي الدافع الأساسي الذي تحاول واشنطن ولندن تجريد اليمن منه، ولا مبرر للقلق الأمريكي والبريطاني ولا داعي لفقدان الأعصاب وحشد الأساطيل، لأن اليمن أعلن منذ البداية أنه سيساند المقاومة الفلسطينية في مواجهة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بهجمات صاروخية وجوية و”خيارات عسكرية أخرى”، حال تدخّل أميركا عسكرياً بشكل مباشر في العدوان الإسرائيلي على القطاع، وقد حدث ذلك فعلاً.

ولا يختلف الأمر كثيراً على الجبهتين العراقية والسورية، فالوجود الأمريكي في البلدين يتعرّض لهجمات صاروخية وبالطيران المسيّر بشكل دوري، ولا يستطيع أيّ من الجنود الأمريكيين الظهور إلى العلن في أي قاعدة من قواعدهم غير الشرعية، بل إن المشرّعين الأمريكيين بدؤوا فعلياً يبحثون في جدوى بقاء قواتهم في كل من سورية والعراق.

ولا شك أن المعركة على كل الجبهات معركة واحدة، وكل جبهة تؤدّي دورها في إطار كل متكامل، ويتم توزيع الأدوار بين الجبهات بشكل يؤمّن تحقيق الهدف الأساس وهو الوصول إلى تحويل الوجود الصهيوني في المنطقة إلى كارثة على الغرب كله، وبالتالي التخلّي عن هذا الكيان وتركه لمواجهة مصيره الطبيعي وهو الزوال لأنه لا يملك أيّ مقوّم من مقوّمات البقاء، وجميع الجرعات التي يقدّمها الغرب له لن تساهم في إطالة عمره.