أخبارصحيفة البعث

مشهد سيتكرّر كثيراً

تقرير إخباري     

الإدارة الأمريكية الحالمة بالسيطرة من قارة إلى قارة، ومن منطقة إلى أخرى لأسبابها الإمبريالية والتنافسية المتعدّدة، ما زالت تغوص في المزيد من التخبّط والمشكلات التي تمنعها من تركيز ثقلها الآخذ بالتراجع عسكرياً واقتصادياً وحتى ثقافياً في أي رقعة من العالم، ومع ذلك تواصل نسج خططٍ على المدى القريب المنظور وأهدافاً لا يمكنها تحقيقها، مثل أكاذيب “مكافحة الإرهاب” أو “ضخّ الاستثمارات” أو “تقديم المشورة الأمنية”، ومع ذلك لم يرَ العالم شيئاً من هذا يحدث-وعلى فرض أنه حدث- في بلدان أوروبا الغربية فهو بدأ ينهار ويسلك المسار المعاكس المتدهور.

وباعتراف “مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية” التابع للبنتاغون الأمريكي، فقد تضاعفت نسبة الإرهاب في إفريقيا مئة ألف بالمئة منذ أن أعلنت الولايات المتحدة تدخلها لـ”مكافحة الإرهاب”، وبتحليلنا لهذه النتيجة الصادرة على لسان مقرّب من تلك الإدارة فإن المعاني والدلالات كثيرة أولها، ترى هل كان الإرهاب سيصل إلى هذا الرقم المرعب لو لم “تتدخل أمريكا لمكافحة الإرهاب”؟، كما أن هذا الرقم الإحصائي يثبت وبالدليل القاطع مساعي الإدارة الأمريكية الحقيقية سواءً في إفريقيا أو أي مكانٍ آخر تتدخل فيه، إذ أنها تقوم بإدارة الصراع مع قطعان الإرهاب وتنظيماته لا مقاتلته، وإن وجهت إليه ضربات فإنها تكون ضربات توجيهية تجمّع قطعانه في أماكن معينة لتندمج ببعضها وتتكاثر براياتها السوداء كما حدث في الصومال والساحل الإفريقي وغيرها من المناطق. كذلك فإن “إفريكوم” أعدّ جيوشاً إفريقية بهدف استخدامها لإشعال فتن تخدمه وتقوم بإنقلابات لصالح المجيء بأنظمة أول همها بيع ثروات القارة السمراء بأبخس الأثمان للغرب، والإبقاء على التخلّف وضعف التنمية المستدامة والسياسية لشعوب القارة لاستعمالهم كـ”عبيد” شبه مجانيين على صعد عدّة داخلها وخارجها، ولم يكن تشكيل وتقوية جيوش وطنية همّاً شاغلاً لـ”أفريكوم” أو أي منظمة استعمارية غربية عابرة للحدود.

إن أمريكا ورغم إدعائها التعلّم من درس الماضي إلا أنها لم تتقنه؛ فرغم تصريحات بايدن في العام الماضي الـ “نادمة” على إهمال القارة السمراء في عهد سابقيه أوباما وترامب، وزعمه بأنه سيجدّد الخطاب الأمريكي تجاهها، مطلقاً الوعود بالاستثمارات والقروض، ومرسلاً الوفود رفيعة المستوى، لكن إدارته ما زالت تعامل إفريقيا -وأي دولة أخرى- على مبدأ العلاقات غير المتساوية أو الاستغلالية أو التي تحقق المبدأ الغربي الرأسمالي “أنا أربح وأنت تخسر”، في وقت تصعد قوى عالمية تتبنى عكس تلك المبادئ تماماً وعلى رأسها روسيا الاتحادية. وتزعم الإدارة الأمريكية في هذا السياق أن روسيا “شوهت الخطاب الأمريكي” في هذه القارة، ولذلك خصصت مؤخراً مبلغ 25 مليون دولار من ميزانيتها لـ”مواجهة” روسيا ضمن المنطقة، وكأن الأمر يتعلّق بالأموال وشراء الذمم لا بالمعاملة كما أسلفنا بالقول.

وبالنهاية فإن شعوب إفريقيا مصرّة على قول كلمتها؛ فهي تريد علاقات متكافئة تحقق مصالح شعوبها، وتحترم وزنها في ظل عالم متعدّد الأقطاب وصفه الرئيس الروسي بوتين بأن “إفريقيا تمثل حجر الزاوية فيه”، وسيتواصل الإندحار الأمريكي من المنطقة، وآخر مثال عليه قرار النيجر بإلغاء اتفاق التعاون مع الولايات المتحدة، معتبرةً إياه من طرف واحد وغير دستوري، وبالتالي لا يعطي الحق لقوات تلك الإدارة بالبقاء في البلاد، رغم ترجي مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون إفريقيا للسماح لوفدها بمقابلة رئيس المجلس الإنتقالي، إلا أنه رفض ذلك… هذا المشهد سيتكرّر كثيراً داخل القارة وخارجها؛ فالدرس لم يُتقن بعد، والخيارات الرابحة أصبحت كثيرة.

 بشار محي الدين المحمد