دراساتصحيفة البعث

مستنقع اليمن مقابل أوكرانيا

طلال ياسر الزعبي

لا شك أن الغرب الجماعي عمل منذ نحو ثلاث سنوات بشكل ممنهج على إدخال روسيا في المستنقع الأوكراني، ظناً منه أن مثل هذا الأمر سيستنزفها على المدى الطويل ويجعلها تدمّر نفسها بشكل ذاتي عبر إلزامها بالدخول في حرب مع النظام الأوكراني الذي يقوده الدمية فلاديمير زيلنسكي حسب التعبير الروسي، وبناء على ذلك راح الغرب يتفنّن في تصميم العقوبات على روسيا مخالفاً جميع القوانين والشرائع الدولية، بذريعة أنها اعتدت على أوكرانيا، حتى إنه استباح جميع الاتفاقيات الموقعة مع روسيا، وخاصة في مجال الطاقة “النفط والغاز”، مطمئناً إلى وجود احتياطي ربما يساعده في لعبة عضّ الأصابع التي يمارسها ضدّها لإجبارها على الاستسلام وجعلها تجثو على ركبتيها، حسب تصريحاته.

هذه الثقافة من الغرور والعنجهية جسّدها الغرب مع روسيا كما فعل مع سائر دول العالم الثالث، معتقداً أنه يستطيع إغلاق المنافذ أمام دولة تبلغ مساحتها مساحة قارة كاملة، وتمتلك من الثروات والإمكانات والطاقات البشرية ما يمكّنها من تحقيق اكتفاء ذاتي، فضلاً عن ثقلها الكبير في سوق الطاقة الذي لا يستطيع أي منتج في العالم تعويضه، في حال قرّرت معاقبة الغرب من هذه الزاوية.

في العموم، جرت رياح العقوبات بما لا تشتهيه سفن حلف شمال الأطلسي “ناتو” الجناح السياسي والعسكري والاقتصادي الغربي، فاضطرّ الغرب كاملاً إلى الغوص بعيداً في استهداف روسيا عبر المشاركة مباشرة وبالأصالة في الحرب التي كانت قائمة بالوكالة عبر النظام الأوكراني، وهنا دخل في المحظور من خلال مدّ النظام الأوكراني بالأسلحة التي تمكّنه من استهداف العمق الروسي والمصالح الروسية، فضلاً عن تورّط أجهزة الاستخبارات الغربية في التخطيط لعمليات إرهابية داخل روسيا، والمشاركة بقوات أطلسية في المعارك الدائرة مباشرة تحت عنوان مرتزقة، وعندما بلغ الأمر أن روسيا تمكّنت من أسر عدد كبير من هؤلاء المرتزقة والحصول على اعترافات منهم بأنهم جاؤوا من بلادهم بصفة رسمية، أي أنهم ضباط في جيوش بلادهم، اضطرّ الغرب إلى الاعتراف بهذا على مضض، كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صرّح مؤخراً بذلك، فراحت الدول الغربية تتخبّط للتنصّل من ذلك كما فعلت ألمانيا بعد التسريب الذي جاء على لسان كبار ضباطها.

بعد أن وصل الأمر إلى هذا النحو من التورّط، كان لا بد من قيام روسيا بالردّ بشكل متناسب على الغرب الذي عمل على استنزافها طويلاً، فاستغلت الأخيرة التورّط الغربي في دعم حرب الإبادة التي تشنّها “إسرائيل” على غزة في مدّ أطراف مؤثرة في المنطقة العربية، بالسلاح الفعّال في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، فبدأت تظهر أصناف من الأسلحة في المعركة الدائرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في مواجهة محور المقاومة في المنطقة توصف بأنها كاسرة للتوازن، في العراق واليمن وغيرهما، حيث فوجئ العالم بامتلاك اليمن صواريخ فرط صوتية، وهذه التكنولوجيا غير موجودة إلا لدى القوى الكبرى في العالم، فما معنى أن يمتلك اليمن مثل هذا السلاح؟.

ربما يكون معنى ذلك ببساطة أن السفن والبوارج الغربية التي كانت تتنزه في البحرين العربي والأحمر وحتى المحيط الهندي، لم يعُد بمقدورها أن تجتاز هذه البحار دون موافقة اليمن، فضلاً عن أن التجارة العالمية التي تمرّ من هذه البحار والتي يمتلك الغرب حصة الأسد فيها، باتت مهدّدة، وبالتالي فإن اقتصادات الغرب الجماعي كلها باتت على المحك، الأمر الذي يجعل الحرب الرئيسة الدائرة حالياً بين الغرب وكل من روسيا والصين وإيران تميل لمصلحة هذه الدول، أي أن هناك نظاماً عالمياً جديداً بدأ بالتشكّل انطلاقاً من هذه المعركة.

فالواقع العالمي الآن يؤكد أن المستنقع الأوكراني الذي تمكّنت روسيا من تجاوزه بجدارة، تحوّل إلى مستنقع غربي في أوكرانيا التي لم يعُد الغرب يستطيع دعمها في الوقت الذي لا يستطيع فيه تركها ليخسر المعركة مع روسيا استراتيجياً بعد أن أصبحت روسيا تتحكّم وفقاً للموقف الحالي بوسط أوروبا أو بالمجال الحيوي لحلف شمال الأطلسي، وفي المقابل قامت روسيا باستغلال التورّط الغربي في الحرب على غزة بإدخال واشنطن ولندن وحلفائهما في المستنقع اليمني الذي لا يبدو أنه سيكون سهلاً دون إعلان الغرب الاستسلام في هذا الوقت، وذلك أن اليمن بتضاريسه الصعبة من المستحيل السيطرة عليه، وبالتالي لا يمكن  الانتصار عليه دون اجتياحه، وهذا الأمر دونه مقابر جماعية للقوات الغربية.