رأيصحيفة البعث

هل هو حقاً “عدو إرهابي مشترك”؟!

أحمد حسن

لم تكن الإدانات الغربية للهجوم الإرهابي في موسكو إلا دليلاً جديداً على صحة المثل القائل “يقتل القتيل ويسير في جنازته”، لكن السير في الجنازة هذه المرة كان فاضحاً لدرجة لا تصدق، وخاصةً حين أعلنت واشنطن أنه سبق لها وأن حذّرت موسكو من هجوم إرهابي محتمل على “التجمعات”، ثم أتبعت ذلك بإعلانها أن “داعش عدو إرهابي مشترك تنبغي هزيمته في كل مكان”!!.

فأن يكون “داعش” عدو إرهابي فتلك حقيقة لا ينكرها أحد، أما أن “تشارك” واشنطن في عدائه، أو “يشارك” هو في عدائها، وأنه “تنبغي هزيمته في كل مكان”، فتلك كذبة مفضوحة للغاية، وإذا كان المراقب لسير الأحداث في المنطقة والعالم يرى، بأمّ عينه، أن إرهاب “داعش” لا يطال مكاناً لا ترغب فيه واشنطن، فإن مسار عملياته في سورية – توقيتاً زمنياً وموقعاً جغرافياً – بالتوازي مع غيابه عن “غزة” – وهو الذي تسنم سدة الخلافة الإسلامية في العراق وبلاد الشام – أكبر دليل على ذلك، إضافةً إلى أن موقع ودور قاعدة “التنف” الأمريكية غير الشرعية على الحدود السورية العراقية ليس إلاّ الدليل الأوضح على كذبة “العداء المشترك”، لأن هذه القاعدة تعدّ الملاذ والملجأ الرئيس لـ “داعش” الذي خرج معظم قادته من السجون الأمريكية في العراق، ثم حظي برعاية إقليمية من أتباع واشنطن، وعلى رأسهم تركيا – أردوغان التي تحولت إلى حديقة خلفية رسمية للإرهاب، لذلك لم يستغرب أحداً المعلومة التي تقول إن أحد المشاركين في تنفيذ العدوان على موسكو تجوّل في مدنها، وتحديداً إسطنبول، بطمأنينة وأمان كاملين.

بهذا المعنى، لم يكن “التحذير الأمريكي المسبق” لموسكو إلا “خطة ماكرة وضجيجاً إعلامياً فارغاً” كما وصفه مسؤول روسي، لأن واشنطن، التي كانت “تراقب تقارير عن خطط للمتطرّفين لمهاجمة تجمعات كبيرة في موسكو، “خصوصاً الحفلات الموسيقية”، بحسب سفارتها في موسكو، لم تشارك هذه الأخيرة بتفاصيل “خطط المتطرفين”، ولم تقدّم لها ما يؤكد جديّة الاستهداف.

والحال فإن “داعش” كان، وكما في كل مرة سابقة، مجرد عنوان زائف يستر خلفه اسم المخطط الحقيقي لهذا الإرهاب الذي “صُودف” توقيته مع حدثين بالغي الأهمية: أولهما انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية كتعبير شعبي عن التمسك بالرجل والنهج الذي نجح اقتصادياً في مواجهة حرب العقوبات المالية، وعسكرياً في مواجهة حرب “الناتو” الذي تمثّل أوكرانيا قناعه المحلي في هذه المعركة، وثانيهما إحباط موسكو، رفقة بكين، محاولة واشنطن استحصال “رخصة مفتوحة للمزيد من القتل” في غزة من مجلس الأمن الدولي.

خلاصة القول، في زمن سابق، وفي لحظة صدق نادرة، تحدث زبينغو بريجنسكي – وهو من هو في قلب النظام الأمريكي، موقعاً فكريّاً وتنفيذيّاً – لمجلة فرنسية عن تفضيل واشنطن لوجود “الإرهاب” واستمراره على وجود “الاتحاد السوفييتي” واستمراره، وهذا كلام لم يزل مفعوله سارياً في عقول أقطاب الدولة العميقة والسطحية في واشنطن، لذلك فإن مقولة “داعش عدو إرهابي ينبغي هزيمته في كل مكان” صحيحة بالمطلق، لكن الأصح منها أنه ليس عدواً للجميع، بل هو أداة فاعلة في يد فريق معروف، وقد أعلن دونالد ترامب، في يوم ما، أسماء قادته الفعليين القاطنين في البيت الأبيض، لذلك لن تتوقف عملياته الإرهابية إلا بعد قطع رأس الأفعى، وما عدا ذلك فليس إلاّ “ثرثرة” لغوية و”خطة ماكرة” تطمح لاستجداء البراءة المستحيلة من دم الشعوب التي ترفض الرضوخ لأوامر ومخططات “روما العصور الحديثة”.