دراساتصحيفة البعث

أوكرانيا بؤرة صراع تهدِّد السلام العالمي

ريا خوري

لم تتوقّف الحرب الساخنة في أوكرانيا، حيث استمرّت العمليات العسكرية بين القوات الروسية والجيش الأوكراني المدعوم من دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكانت العمليات العسكرية في أوكرانيا قد تصاعدت بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة، مترافقةً مع ما يجري من حروب دامية في قطاع غزة بشكلٍ خاص، والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية بشكلٍ عام.

الجدير بالذكر أنَّ حالة التصعيد بين أوكرانيا وروسيا الاتحادية اتخذت منحى جديداً، حيث أعلن تنظيم (داعش ـ خراسان) عن تبنّيه عملية إرهابية على قاعة (كروكوس سيتي) للحفلات الموسيقية في العاصمة الروسية موسكو، أسفرت عن مصرع مائة وثلاثة وأربعين شخصاً، ونحو مائة وخمسين جريحاً من الضحايا الأبرياء، لكن القيادة الروسية كانت تدرك مدى خطورة تلك العملية واستحقاقاتها، لذا أشار الكرملين في بياناته الأولية إلى أنَّ جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، يعمل على تحديد الجهة الداعمة لتلك العملية الإرهابية البشعة، والأشخاص المتواطئين مع الهجوم الإرهابي. لكنَّ الكرملين في مرحلةٍ لاحقة، اتهم أوكرانيا بشكلٍ مباشر، بالوقوف وراء تلك العملية الإجرامية، حيث أشار رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي برئاسة ألكسندر بورتنيكوف، إلى أنَّ المشتبه فيهم في الهجوم على قاعة (كروكس سيتي) للحفلات الموسيقية، قد خطَّطوا لعبور الحدود الغربية باتجاه أوكرانيا، وكانوا على تواصل مستمر مع عدد من الأشخاص على الجانب الأوكراني.

في هذا الإطار، أعلن سيرغي سوبيانين رئيس بلدية موسكو إلغاء كل النشاطات والفعاليات العامّة، كما أعلنت المسارح الرئيسية والمتاحف في العاصمة موسكو، إغلاق أبوابها وتوقف نشاطها، وتم تعزيز الإجراءات الأمنية بشكلٍ مشدّد، في المطارات ومنافذ الحدود، والأماكن الحسّاسة.

وعلى الرغم من أنَّ تنظيم (داعش ـ خراسان) أعلن مسؤوليته عن تنفيذ تلك العملية البشعة، لكن عدداً كبيراً من المراقبين والمحللين السياسيين لا يستبعدون وجود علاقة لأوكرانيا بتلك العملية، وخاصة أنَّ أحداث الماضي البعيد والقريب قد أكّدت أن (داعش)، هي مشروع يخدم المصالح الأمريكية والأوروبية، وأنَّها قامت في السابق بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية الإرهابية في العراق وسورية، وعدد آخر من البلدان العربية في لبنان واليمن والقارة الإفريقية، لمصلحة جهات متعدِّدة ومختلفة، في توجّهاتها الاستراتيجية وتوجّهاتها ومناهجها السياسية والأمنية.

وعلى الرغم من أنَّ معظم الدول والحكومات في العالم، استنكرت العمل الإرهابي الإجرامي، ووصفته الولايات المتحدة الأمريكية بالهجوم المسلَّح المروِّع، فقد قدَّم الرئيس الصيني شي جين بينغ تعازيه الحارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وللشعب الروسي، وأدانت إيطاليا العملية الإرهابية البشعة، وأبدت فرنسا تعاطفها مع ضحايا الحادث الأليم، فإن من المتوقع أن التعاطف الأوروبي والأمريكي، لن يستمر طويلاً، وخاصة إذا ثبت ضلوع الجانب الأوكراني في تلك العملية الإرهابية.

لقد أكدت القيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس بوتين أنها لن تتوانى عن صد ورفض أي عملية تهدف إلى ضمّ أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) على الرغم من غضّه النظر عن انضمام عدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق للحلف، مقدِّراً طبيعة العلاقة التاريخية التي تربط تلك الدول بروسيا الاتحادية، وتلك العلاقة القوية الوثيقة في ظل الاتحاد السوفييتي السابق، ولاعتقاد الرئيس بوتين بأنَّ المواريث التاريخية والثقافية واللغوية والترابط الاجتماعي بعدد ليس قليلاً من المواطنين الروس بالمواطنين الأوكرانيين. كل ذلك يجعل ارتباط روسيا الاتحادية بأوكرانيا ضمن مناطق مصالحها الحيوية وضمن صيانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

إنَّ العملية الإرهابية على قاعة (كروكوس سيتي) التي قام بها تنظيم (داعش ـ خراسان) قد دفعت الرئيس بوتين ونائبه ديمتري مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الفدرالي الروسي إلى التصريح بأنَّ أوكرانيا تعدّ جزءاً لا يتجزأ من روسيا الاتحادية، هذا الحديث تكرّر كثيراً منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ولذلك لا يُستبعَد قيام روسيا الاتحادية، في حالة تأكّدها من وجود علاقة مباشرة لأوكرانيا بالهجوم الإرهابي البشع على أراضيها، أن تقوم باجتياح شامل لكامل الأراضي الأوكرانية، تنتهي بضمّها  نهائياً إلى أراضي روسيا الاتحادية. هذا الاحتمال يبقى قائماً بقوة، إذا ما اعتقد الكرملين، أنَّ وجود أوكرانيا دولة مستقلة، ومرتبطة بالغرب الأمريكي ـ الأوروبي، وتقف خلف الهجوم الإرهابي الأخير على  موسكو، ربما يشكِّلُ تهديداً حقيقياً ماثلاً تجاهها. إن مثل هذه الخطوة وهي خطوة كبيرة متوقعة، سوف تقلب المشهد السياسي والعسكري رأساً على عقب، ومن شأنها أن تحوَل التعاطف الذي أبداه الغرب الأمريكي ـ الأوروبي، مع روسيا الاتحادية، على أثر العملية الإرهابية البشعة إلى نقيضه.

في حقيقة الأمر، إنَّ تلك العملية الإرهابية هي الأعنف والأكبر التي تشنّ ضد روسيا الاتحادية، منذ أن أطلقت موسكو عمليتها العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأوَّل 2022م، لذلك جميع المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين الاستراتيجيين يتوقعون أن يرقى الردّ الروسي عليها بقوة وشدَّة غير معهودة، بما يتناسب مع حجمها وقدراتها وطاقاتها، وخاصة إذا تأكد للقيادة السياسية والأمنية والعسكرية الروسية وجود علاقة مباشرة لأوكرانيا بها. لذا من غير المتوقَّع أن يستمرّ التعاطف الدولي تجاه روسيا الاتحادية الذي أبداه على أثر العملية الإرهابية البشعة إذا ما حسمت روسيا الاتحادية موقفها الواضح والصريح، وتأكَّد لها أن أوكرانيا متورّطة وهي التي وقفت وتقف خلف هذا الهجوم الوحشي، وقرَّرت الردَّ على ذلك الاعتداء الوحشي. فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بشكلٍ عام ودول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص، لا تخفي موقفها من الحرب الروسية الساخنة على أوكرانيا، وتقدم بالعلن، كل أشكال الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي واللوجستي والسياسي، لحكومة فلاديمير زيلينسكي، بل إنَّ بعض الدول ترى أنَّ أوكرانيا، تحارب بالوكالة عن المصالح الغربية الأمريكية ـ الأوروبية. والجميع في العالم يدرك تمام الإدراك أنَّ العملية العسكرية الروسية الخاصة، في أوكرانيا، قامت في الأساس، رداً على محاولة الحكومة الأوكرانية، الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي. وذلك ما اعتبرته إدارة الرئيس بوتين، تهديداً مباشراً لأمنها القومي الاستراتيجي، وخرقاً واضحاً وصريحاً لاتفاق شفهي مع آخر رئيس سوفييتي ميخائيل غورباتشوف، على أثر انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، في مطالع التسعينيات من القرن الماضي، بعدم توسّع حلف شمال الأطلسي شرقاً.

في هذا الإطار يمكننا القول: إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قد ضربت بذلك الاتفاق عرض الحائط، وقامت بإجراء عمليات ضم جميع بلدان أوروبا الشرقية لحلف (الناتو)، ولم تكتفِ بذلك، بل إنَّها ضمَّت إلى الحلف معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وهي سبع جمهوريات لاتفيا وأستونيا وليتوانيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا.

فإذا ما نشبت الحرب النارية في أوكرانيا بهدف ضمّها إلى الاتحاد الروسي فإنه من المتوقع أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ مباشر منعاً لسقوط أوكرانيا تحت سيطرة روسيا الاتحادية، وهذا سيكون بداية الحرب العالمية الثالثة المدمّرة التي لا أحد يُدرِك عواقِبَها بالضبط.