الزراعة التعاقدية.. عقود لا تتعدى أصابع اليد مع بعض الشركات الغذائية
دمشق- ميس بركات
في وقت يجهد خبراء التنمية والمعنيون بالقطاع الزراعي لتقديم حلول وخطط لديمومة القطاع الزراعي وجمع شتاته عبر سياسات وحلول إبداعية، لا تزال هذه الحلول تتحرك في إطار المحاولات الخجولة في بلدنا الزراعي، قولاً وليس فعلاً، إذ لا يخفى على أحد سيادة الحيازات الصغيرة في الزراعة السورية، ومعاناة أصحابها من مشكلات إنتاجية وتسويقية، فتح أعين بعض الشركات الغذائية الكبرى للخوض بتجربة الزراعة التعاقدية مع بعض الفلاحين المنتجين، والتي أثبتت نجاحها في الكثير من المطارح، إلّا أن هذه العقود ما زالت تعدّ على أصابع اليد الواحدة، الأمر الذي يحتّم على الدولة، برأي المستشار الفني في غرف الزراعة، عبد الرحمن قرنفلة، زيادة مشاركة صغار المنتجين في تحقيق أهدافها الخاصة بالتصدير وتنمية وعيهم بأهمية العمل الجماعي.
وأوضح قرنفلة أن الزراعة التعاقدية هي تعاقد المزارع على بيع محصوله قبل أن يبدأ في زراعته، وبموجب القانون يتمّ إحداث ما يُسمّى “مركز تسجيل وتحكيم العقود الزراعية”، حيث يقوم المركز بتسجيل العقود المبرمة بين المزارعين وبين التجار الراغبين في الحصول على المحصول ويتمّ ختم العقد، والتأمين على العقد لدى أي شركة تأمين، وهذا يساهم في زيادة استثمارات شركات التأمين ورفع نسبة مساهمتها في تنمية القطاع الزراعي، ويضمن للمزارعين والجميع حقوقهم، لافتاً إلى أن سياسات الزراعات التعاقدية من السياسات المهمة والضرورية لإحداث تنمية زراعية مستدامة، كما هي الحال في الدول المتقدمة، ويتطلّب الأمر العمل على وضع خطط استراتيجية لكافة المحاصيل المهمة والمحاصيل الزيتية، وبوجه خاص للحدّ من تقليل الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وفرة اقتصاديات
ونوّه المستشار الفني بأهمية هذه الزراعة في كسر حلقات الاحتكار داخل المسلك التسويقي، وإزالة التشوهات الجارية لكلّ من سعر المزرعة وعائد الوسيط وسعر المستهلك، كما أنها آلية مهمّة للحدّ من معاناة المزارعين في مجالات التسويق، وتطوير نظم الإنتاج، وجذب الاستثمار للقطاع الزراعي، كما تتيح حصول المزارع على دفعات نقدية خلال فترة الزراعة وتتيح التسويق الملائم في جميع الأسواق، من خلال عناصر البنية التسويقية المتعدّدة منها المخازن المبردة، ومحطات الفرز والتعبئة في صورة عمل جماعي مركزي مما يحقق وفرة في اقتصاديات تشغيل هذه التسهيلات مع إمكانية إقامة مناطق زراعية متخصّصة تساعد على نجاح الحدّ من انتشار الأمراض والأوبئة الزراعية وتفيد المصدّرين في عدة جوانب، منها إتاحة التعاقد المسبق لتصدير كميات محدّدة من المنتجات الزراعية مما يساعدهم على الاستفادة من الفرص التسويقية المناسبة للأسواق الخارجية.
زيادة معدلات التشغيل
وانتقد قرنفلة عدم وجود تشريعات وقوانين تنظم هذا النظام الزراعي في بلدنا، بل مازال يقوم على مبادئ العرف التجاري بالاتفاق بين التاجر والفلاح على شراء محصوله لقاء سعر محدّد تحت اسم “ضمان الأرض”، كما أن هذا النظام تطور عند البعض، إذ أصبح تجار أسواق الجملة للخضار والفواكه يتعاقدون شفهياً مع الفلاحين على زراعة محصول زراعي ما، والاتفاق على توزيع نسب الأرباح ويقوم التاجر غالباً بتمويل الفلاح بقيمة مستلزمات الإنتاج، لافتاً إلى أن الزراعة التعاقدية في دعم أصحاب مصانع المنتجات الغذائية (الكونسروة )، حيث ستعمل على زيادة معدلات التشغيل في وحدات التصنيع، مما يساعد على خفض حجم الطاقات التصنيعية العاطلة ويقلّل تكاليف الإنتاج مما يساعد في زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصنّعة، وبالنسبة للمنتجين توفر الضمانات التسويقية والمستقرة وإتاحة الفرصة لاستخدام تقنيات زراعية لزيادة الإنتاجية، كما تتيح مصادر تمويلية إضافية لصغار المزارعين، حيث يمكن استخدام العقود كضمانات للقروض وتمكن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من الحصول على الضمانات الائتمانية من قبل القطاع المصرفي بضمان عقود الزراعة التعاقدية.
نطاق ضيق
ويتفق الخبير التنموي أكرم عفيف على أن هذه الزراعة تمثل حلاً حقيقياً وسريعاً لمشكلات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، خاصّة وأن هذه الإنتاج يعاني من عدم القدرة على التمويل وعدم وجود جهات تمويلية، وبالتالي سيتمّ حلّ جميع هذه المشكلات، لافتاً إلى وجود هذه الزراعة لكن على نطاق ضيق، فالفلاح يرغب بهذه الزراعة كونه لا يملك قدرة لشراء المستلزمات والسماد، وبالتالي فإن تعاقده مع جهة كي يزرع، بحيث التاجر يضمن نوعية البذور والسماد، سيؤدي لحصول كلا الطرفين على منتج وربح جيد، وأشار عفيف إلى أن المنتجات النوعية التي تقدّمها بعض الشركات الغذائية تدلّ على أنها مضبوطة الجودة، وبالتالي من المتوقع أنها قامت على الزراعة التعاقدية ويتمّ زراعة مساحات من هذه الخضار والفواكه لصالحها.