رأيصحيفة البعث

أردوغان.. انتهى زمن الخداع

طلال ياسر الزعبي 

كان غريباً تقبّل رجب طيب أردوغان هزيمة حزبه الأخيرة في الانتخابات البلدية التي جرت مؤخراً، حيث عبّر عن ذلك بخطاب هادئ صدم حشداً من أنصاره، معلناً بصورة مباشرة صعود المعارضة، ومعترفاً بأن ذلك “نقطة تحوّل” بالنسبة إلى حزبه.

والحقيقة أن السيرة التي استمرّ عليها، في الكذب والتضليل، طوال 21 عاماً في السلطة، لم يعُد من الممكن التعديل عليها مطلقاً، فالمهرج بات مكشوفاً لأنصاره الذين انفضّوا عنه واحداً تلو الآخر قبل أعدائه، ولم يأتِ هذا السقوط بشكل مباشر بل جاء تدريجياً وعلى عدة مراحل، فالرجل يجيد فنّ المراوغة والكذب عند كل المواقف الصعبة التي تعرّض لها، حيث استغل الوضع الإقليمي الناشئ أبشع استغلال، وتستّر خلف محاربة الإرهاب الذي يغذّيه باليمين ويدّعي محاربته بالشمال.

ربّما حاول أردوغان الخروج من الأزمات الاقتصادية التي جرّها على بلاده عبر السياسة التي هي حامل أساسي للاقتصاد، غير أنه وفي خضمّ بحثه عن رافعة سياسية له في الإقليم، أفسد علاقات بلاده مع دول الجوار كافة، حيث غلبت أطماعه العثمانية على كل ما عداها من بناء علاقات طبيعية وصحية؛ وبدلاً من الوصول إلى “صفر مشاكل”، وهو الشعار الذي رفعه طوال فترة بقائه في الحكم، صفّر علاقات تركيا مع الإقليم بالكامل، وحتى علاقته مع روسيا وإيران كانت علاقة براغماتية أكثر منها علاقة طبيعية، يحكمها في كثير من الأحيان عدم القدرة على استفزاز الطرفين، الذي كان يمارسه حقيقة في كل من سورية والعراق، ورغم أنه اليوم يجهد لإعلان التوبة إلا أن من المشكوك فيه أن تعود علاقات تركيا مع الدول العربية إلى ما كانت عليه طالما أن أردوغان في السلطة.

ورغم أن أردوغان كان يحلم باستعادة اسطنبول في الانتخابات الأخيرة، وهو الأمر الذي لم يتحقّق في نهاية المطاف، ما جرّ عليه نقمة الناخبين الذين حمّلوه مسؤولية ذلك، إلا أنه وجد نفسه مُكرهاً أن عليه في نهاية المطاف “التعايش مع رؤساء البلديات”، علّه يستطيع فيما تبقّى من ولايته الرئاسية تغيير الوضع القائم، رغم أن خسارة بلديتي اسطنبول وأنقرة في عام 2019 كانت مؤشراً على هزيمته السياسية حالياً.

وربما يُمنّي أردوغان نفسه بإمكانية أن يساهم تحسين علاقاته الاقتصادية مع دول الخليج في تعويمه مرة أخرى، ولكن المنطق يقول: إن الاقتصاد التركي لا يمكن أن يجد له طريقاً إلى ذلك دون تحسين العلاقات مع سورية والعراق، وهذا يقتضي أولاً التراجع عن جميع أحلامه وأطماعه في البلدين، ثم الاعتراف بالدور الدنيء الذي قام به بنشره الإرهاب الداعشي والقاعدي فيهما وتغذيته، وإلا فإن المصير الذي سيواجهه هو الاصطدام في النهاية مع هذه التنظيمات التي صنعها وآواها، وهو سبب واضح ورئيس في تخلّي الناخبين عنه وعن حزبه الإخواني الذي هو رافعة لمثل هذه التنظيمات.

وعلى كل الأحوال، خسر أردوغان جميع أوراق اللعب التي كان يستخدمها، فلا هو قادر على كسب ودّ الإسلاميين الذين علموا أنهم مجرّد مطية لأحلامه العثمانية، ولا هو مقبول أصلاً لدى القوميين الذين شعروا أنه يعمل على إلغائهم نهائياً ومحوهم من الخريطة السياسية للبلاد، لذلك من الطبيعي أن ينتهي به المطاف إلى هذه النتيجة بعد أن خذل جميع مَن تحالف معهم.

فرغم تحالفه مع حزب الحركة القومية، إلا أن هذه الكتلة لا تملك العدد الكافي الذي يتيح لها إعادة النظر في الدستور للسماح له بالترشّح مجدّداً للرئاسة في عام 2028، ولن تكون له فرصة لحل البرلمان مجدّداً من أجل إجراء انتخابات جديدة، لأنه “فقد قدرته على جذب الناخبين من خارج صفوفه”، وبالتالي فإن جميع زياراته الدولية المكوكية التي سيجريها ومغامراته العسكرية الاستعراضية في كل من سورية والعراق، لن تشكّل له رافعة للعودة إلى الحياة السياسية، وهذا ما سيفتح الباب واسعاً أمام المعارضة لتولّي السلطة والقضاء على أردوغان وحزبه نهائياً.