دراساتصحيفة البعث

يوم القدس العالمي.. طوفان الأحرار

د.معن منيف سليمان

يعدّ يوم القدس العالمي من أهمّ الأحداث التي تشهدها الأمّة العربيّة والإسلاميّة والعالم أجمع، وقد أطلقه الإمام الخميني الرّاحل على آخر جمعة من شهر رمضان الكريم دعماً للشعب العربي في فلسطين ولرفع الظلم والعدوان عنه. ويأتي شعار يوم القدس هذا العام تحت عنوان: “طوفان الأحرار”، بما يتناسب مع الحدث العظيم الذي حمل اسم “طوفان الأقصى”، وهو العملية النوعية البطولية المباركة التي قامت بها المقاومة الفلسطينيّة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.

إنّ قضية تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي هي أولى القضايا المركزيّة للعرب والمسلمين، ولذلك فهم يُحيون وأحرار العالم يوم القدس العالمي ويرفعون شعاراتٍ مناهضة للغطرسة والاحتلال الإسرائيلي العنصري، ويوجّهون تحذيراتٍ إلى القوى الكبرى الاستعمارية التي تدعم هذا الاحتلال، عبر استنهاض كل الشعوب في العالم للخروج في مظاهرات ومسيرات شعبية دعماً للمستضعفين والمظلومين في فلسطين المحتلّة، والتنديد بالجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي من قتل الأبرياء إلى اغتصاب الأرض والتهويد والممارسات العنصرية ضدّ الشعب العربي في فلسطين. وكلّما اتسعت رقعة الاحتفاء بيوم القدس العالمي كانت نتائجه وآثاره أكبر وأكثر تأثيراً وفعالية.

ومن هذا المنطلق، فإنّ يوم القدس يهدف إلى توحيد كلمة العرب والمسلمين وأحرار العالم، وتحقيق إزالة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وخاصّة أنّ الكيان الإسرائيلي بدأ يعيش حالة من العزلة والانزواء في الوسط العالمي، حيث وقع بعد عدوانه الوحشي على قطاع غزّة في مواجهة انتقادات المجتمع الدولي والشعوب الغربيّة قاطبة.

لقد أحدث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة تحوّلاً في الرأي العام العالمي المؤيّد للكيان الإسرائيلي ومزاعمه الباطلة في حقّه في الدفاع عن نفسه بمجرّد رؤية القوّات الإسرائيلية وهي تقوم بجرائم ضدّ الإنسانية، ما قد يقوّض من الدعم الأمريكي والأوروبي للكيان الإسرائيلي مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه لإيقاف حكومة الاحتلال عن ارتكاب المزيد من الانتهاكات الإنسانيّة.

إنّ الرّد الأمثل على همجية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في يوم القدس العالمي هو دون شك طوفان يوازي طوفان الأقصى ويتلازم معه وهو “طوفان الأحرار” الذي بدأت بوادره تظهر بشكل جلي، حيث شهد العديد من الدول العربية احتجاجاتٍ حاشدة تفصح عن الغضب الشعبي من التواطؤ الرسمي مع الاحتلال ودعماً للشعب العربي في فلسطين، وهذا ما يضع الحكومات العربية في موقف محرج أمام شعبها العربي ويجبرها على وقف التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي، مع احتمال إغلاق سفارات هذا الكيان في عواصم الدول المطبّعة.

وتأتي الهجمات التي تشنّها قوى المقاومة في المنطقة العربية بمنزلة طوفان آخر يدعم طوفان الساحات تشهده ميادين القتال ليحذّر الكيان والقوى الاستعمارية الداعمة له من إمكانية قلب الطاولة وتوسيع نطاق الحرب إلى حرب إقليميّة لن تقتصر تداعياتها على الكيان الإسرائيلي وداعميه فقط، بل ستكون عالمية، حيث سيكون لها تأثيرات على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط والغذاء، وهو ما يفرض المزيد من الضغوط على اقتصادات الدول الغنيّة والفقيرة على حدّ سواء.

ولا شكّ أنّ ضغط الشارع العربي والعالمي في يوم القدس سوف يضيف ضغطاً جديداً على الولايات المتحدة بوصفها الداعم والشريك في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، ويجبرها على الخضوع والاستجابة للدعوات الدولية للهدنة الإنسانية في قطاع غزّة وسط الحرب الوحشيّة التي تشنّها قوّات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وما يتعرّض له المدنيّون هناك من جرائم إبادة لم يشهد التاريخ نظيراً لبشاعتها.

إنّ فلسطين هي القضيّة الأساسيّة بالنسبة لمحور المقاومة، وهي القضيّة المركزية التي تجتمع عليها فصائله في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن وتدعمها سلطات رسميّة وترعاها في دمشق وطهران في ظلّ الدعم الغربي غير المحدود للكيان الإسرائيلي، وخاصّة في أعقاب العدوان الهمجي على قطاع غزّة، حيث إنّ الدعم الأمريكي الراسخ للكيان الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزّة منذ السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣ الذي أدّى إلى ارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء، وحّد محور المقاومة وأنتج تنسيقاً عمليّاتياً بين فصائله وسط تقارير عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة لهذا الغرض.

إنّ طوفان الأحرار في يوم القدس العالمي يأتي استكمالاً لطوفان الأقصى ولن يتوقّف وسوف يستمرّ بأشكال مختلفة لدعم القضية الفلسطينية القضية المركزية التي يجتمع عليها العرب والمسلمون وأحرار العالم حتّى تحقيق الغاية المرجوّة بتحرير فلسطين وإزالة الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ تام.