سمر الكلاس: أحداث الرواية هي التي تحدد وظيفة العيد
ملده شويكاني
“اختفت بتول فجأة بلا مقدمات، استمر الاختفاء في طيّ الكتمان، ثم عزّام، لكننا استطعنا أن نتكهن سبب اختفائه، إنه البحث عن بتول، وأيضاً لاختفاء رهف تأويل، أما ماجد فليس له تأويل، قبل قليل كان معنا، أيعقل أن يختفي بهذه السرعة؟” هذا ما كتبته الأديبة سمر الكلاس في روايتها الثانية “جنوب الكهف بقليل” بعد روايتها الأولى “وينكسر الطريق”.
وقد تميزت تجربتها الروائية بالانتقالات السردية وتعدد الأمكنة والدخول إلى عوالم مخيفة، توازت هذه المحاور السردية مع الأحداث الرئيسة المستمدة من فجائع وويلات الحروب وامتداد الكيان الصهيوني، وما يحدث في غزة، ضمن أبعاد اجتماعية ونفسية لتشابك حيوات أشخاص لا يستطيعون الانفصام عن الواقع المعاش وعن محيطهم.
“البعث” تحاورت مع الروائية سمر الكلاس حول توظيف مظاهر العيد في الرواية، وكيف يتم تناوله من رؤيتها؟ ولاسيما في غزة التي تواجه محاولة إبادة جماعية يشنها الكيان الصهيوني، تقول: “لم يكن للعيد مكان في روايتي “وينكسر الطريق” الصادرة عن وزارة الثقافة في سورية، فذاكرة أحداث الشارع العربي يفوح منها الحزن، أما في روايتي الثانية “في جنوب الكهف بقليل” الصادرة عن دار المفكر العربي في القاهرة، فكان لابد من أن أحدث حالة فرح في مكان وزمان مرتبطين بأحداث مريبة ومحزنة، لأننا في حاجة إليه في خضم هذه الأحزان آخذة بالحسبان المكان والزمان والشخصيات، لهذا زرعتُ الفرح في احتفال الشخصيات بحفل زواج يكون بمثابة عيد”.
وبالسؤال عن كيفية توظيف العيد بالرواية، وبيان ارتباطه بالزمان والمكان، تجيب كلاس: “لكل رواية فكرة، ولكل فكرة روح تنشأ في زمان ومكان، وأحداثها هي التي تحدد وظيفة العيد، في الواقع لم أفكر بالعيد في خضم هذه الأحداث في هذا الزمن، وبالتأكيد منشأ الرواية فكرة تختلف طقوسها باختلاف بيئة المجتمع وعقيدته وزمانه، فالعيد عند المسيحيين مختلف عن العيد عند المسلمين، ولو أردتُ أن أوظّف العيد في فكرة رواية قادمة فسيكون بابتكار أسلوب الفرح وطقوسه النابعة من أحداث هذا الزمن ومكانه وحسب عقيدة الشخوص على الرغم من اختلافها، ولعلّي كنتُ سأتناول فكرة الطبقية في هذه الأجواء، فالعيد في الرواية يعني مظاهر الفرح والبهجة للجميع على حدّ سواء، وهي في الواقع فكرة لم تخطر لي على بال، فكما قلت لم يكن للعيد مكان في ظل الأحزان المتكاثرة في الشارع العربي، ولهذا حمّلتُ عبء هذه الأحزان المنبثقة من بؤرة واحدة ألا وهي الاحتلال الصهيوني لفلسطين في تجربتي الروائية.
وتضيف كلاس: “ولو كنت سأكتب عن العيد ولا سيما في غزة، لكنت سأتناول الموضوع ببساطة وتكثيف، يكفي أن أقول: إن فرحة العيد في العالم يمكن أن تكون في ثياب جديدة أو قطعة حلوى أو أضحية، أما في غزة فتكون بقطعة خبز، ويمكن تخيّل مدى الفرح لو توافر الرغيف بأكمله، ولو خطرت ببالي فكرة العيد في روايتي جنوب الكهف بقليل، لكنتُ كتبت بشكل مفصل وموجع بغية توليد غضب للقارئ، لعلنا نحدث تغييراً في واقع غزة وفلسطين ككل، وبالتالي في واقع الشارع العربي برمته.
تكتب كلاس بأسلوب مخيف وتدخل عوالم السحر والشعوذة، أما العيد فطرف آخر، إذاً سيتغير الأسلوب، توضّح كلاس: “أعتقد أن ما يحكم أسلوبي هو طقوس المكان، فلكل مكان عقيدته المختلفة، لو أن فكرة العيد طرقت مخيلتي كان من الممكن أن أكتب عن طقوس الهند، حيث المشعوذين الذين يستخدمون السحر الأسود، ويحتفلون بالعيد باستخدام الأفاعي الحارسة لينابيع الحياة، سيكون ذلك مريباً وغريباً بعض الشيء على اعتبار أنني تطرقت لعاداتهم باستخدام السحر الأسود، ومن الممكن أن أكتب عن المغرب وكيفية الاحتفال بالعيد رغم كثرة الشعوذة واستخدام الكثير من أفراد الشعب السحر الأسود، فهم يحتفلون بالعيد كما نحتفل نحن على الرغم من تعدد الديانات واختلاف سلوكياتهم، فالعقل الباطن يحمل موروثاً فكرياً وبيئياً واحداً، وبناء على هذا سأعزف لحن الفرح على أوتار بيئة المكان والزمان، ولن يختلف الأسلوب في جوهر الرواية.
روائيون كثر تناولوا العيد في رواياتهم، والسؤال هنا: لمن قرأت سمر كلاس في هذا المجال؟ وهل بقيت الحالة التوصيفية في ذهنها؟ تجيب: “ارتبطت أحداث رواية إحسان عبد القدوس “في بيتنا رجل” بشهر رمضان، وامتدت أحداثها لما بعد العيد في طقوس الزمان والمكان، ولم تتسنَ لي فرصة قراءة الرواية، لكني شاهدتها فيلماً، وكذلك ثلاثية نجيب محفوظ “خان الخليلي”، و”بين القصرين”، و”السكرية”، وفي أول زيارة لي لمصر زرت الأماكن التي ذُكرت بالروايتين، لأعيش طقوس المكان، ولأنني عشتُ في مصر ما يقارب العشر سنوات بقيت أحداث هذه الروايات في ذاكرتي.