ثقافةصحيفة البعث

العيد في الرواية.. حضور شبيه بالغياب وتسلل لفوانيسه من قصص مصر لتزين جدراننا

حمص- سمر محفوض
العيد كما نعرفه موزعين بين أحلام الطفولة وبهجة الملابس الجديدة.. حلوى منزلية، وتحضيرات ونشاط وانتظار في العيون البريئة، ولقاء بين الأهل وطقوس ووابل من التفاصيل المفرحة بعد طول ترقب، أما على صعيد مظاهر العيد من منظور الأدب والرواية، فإننا نتلمس طفولتنا وعلاقتها بالفرح على مدى أوسع وأجمل من عثرات وخيبات الواقع؛ ربما لأن تلك الفنون اللغوية تطلق العنان لمساحة أوسع من التعبير المتمازج بين مشاعرنا والخيال.
كنا نسرح في أفق ذلك الخيال عندما نقرأ لغادة السمان في روايتها “ليل الغرباء” عندما قالت: “والعيد مستمر، العيد يبقى، والأطفال فقط يتبدلون”.. كم يذكرنا هذا بمشهد أطفالنا وهم يأخذون نفس موقعنا من الفرح السابق الهارب مع ما نعيشه من مراحل، وربما نشعر بقلق المشاعر ونعيشه عندنا نطالع للعراقية إنعام كجه جي في روايتها “الحفيدة الأميركية” في وصفها لعيد تعكره مشاعر الخوف ويتلبد الشعور بصعوبة القلق، عندما كتبت: “هل تفرح في العيد أعين تنام على فزعٍ، وعليه تستيقظ؟”.
أما على جادة الرواية المصرية التي زينها جيل الرواد، والذين عرف عنهم أنهم الأكثر إشارة إلى العيد في مسارات وأحداث نتاجاتهم عبر سياقات متنوعة كانت ماثلة في حنايا العديد منها.
وفي وصفه لتلك الطقوس، قال الدكتور محمود خضر، أستاذ الأدب العربي في جامعة البعث، في حديث لـ”البعث”: “إن للعيد طقوساً خاصة، ولعل عيد الفطر يحمل مكانة تجعله جديراً بالدراسة، ذلك أنه يعد امتداداً لطقوس شهر رمضان المبارك، ما جعل له حضوراً خاصاً في المنتج الأدبي العربي والمصري، وللمجتمع المصري خصوصيّة ثقافية تتجلى في تعدّد النخب الثقافية والسياسيّة التي تعاقبت عليه عبر تاريخه، ما أكسب كل حدث فيه خصوصية التقاليد الثقافية التي يجسدها ذلك الأدب، حيث ترصد الروايات الطقوس الثقافية ذات الصبغة الدينية في معظمها، ففي رواية “في بيتنا رجل” لإحسان عبد القدوس، تناولت الرواية في طياتها طقوس الإفطار، ويلي ذلك عرض لطقوس العيد، وإن كان مروراً لا يمكن أن نعد أنه يحمل عمقاً على صعيد التركيز على تلك الطقوس، أما في رواية “الثائرون نياماً” لسعد مكاوي التي نُشرت عام 1963، فقد لمسنا توظيفاً للتراث، ورصداً لاحتفالات العيد في عصر المماليك، ولعلّ لحضور السلطان المملوكي والعصر المملوكي على وجه الخصوص رمزية خاصة تجعل أفكار القارئ تتجه إلى ما أخذته التقاليد المرتبطة بالمناسبة من تاريخ الثقافات المتعاقبة التي عبرت أرض مصر، وحتى الفوانيس التي اشتهر بها شهر رمضان والعيد وطقوسهما المشتركة ليست سوى قصة تعود إلى أحد سلاطين المماليك والتي ما زالت تشكل رمزاً أساسياً من رموز الشهر الفضيل حتى يومنا هذا بمصر وعلى مستوى الوطن العربي بأسره. وفي رواية “استقالة ملك الموت” لصفاء النجار فقد تعرضت إلى قضية الفقر وتفاصيل العيد بالنسبة لعائلاته العاجزة عن تلبية متطلبات العيد، حيث يصف سردها طقوس صناعة الكعك والبسكويت في المنزل لصنع بعض الفرح معه، وذلك ليس سوى استمرار لرصد المشكلة الاجتماعية، والفوارق الطبقية، فالموسرون يمكن لهم ممارسة تلك الطقوس دون غيرهم؛ إذ رصدت الرواية مشكلة اجتماعية متأصلة منذ القدم في المجتمع المصري والعربي عموماً، وليست تلك المشكلة بجديدة على صعيد تقديمها عبر الإنتاج الإبداعي، وقد تناولتها السينما المصرية التي اعتمد إلى حدّ بعيد في قصصها على تلك الروايات”.
ويشير خضر إلى أنّ كل راوية من الروايات تعكس جانباً من الأنماط الثقافية والاجتماعية التي تجسد تقاليد المجتمع، مثل رواية “خالتي صفية والدير” للروائي بهاء طاهر، أما الرواية التي تصدت لتناول العيد وأخذت مكاناً متفرداً في هذا المضمار، فهي رواية نجيب محفوظ “خان الخليلي”، على أننا لا يمكن أن نغفل إسهامات محفوظ في رواياته الأخرى، فطقوس العيد التي هي امتداد لطقوس شهر رمضان لها دور فاعل في رصد واقع المجتمع المصري، وهي بدورها تتواشج مع معطيات الثقافة العربية؛ لأن مرد تلك الثقافة إلى حدّ كبير يتأثر بجذورها الإسلامية المرتبطة بشكل حر ّبالمناسبة ذاتها، بينما يعمل كل مجتمع على حدة على التعبير عن تلك المناسبة على طريقته الخاصة وحسب تقاليده، وفي رواية (مد الموج) لمحمد جبريل، نجد أن ألعاب الأطفال لها طقوس ترافق قدوم رمضان وتتجدد مع هلال العيد، فيصف في روايته ألعاب الطفولة في الإسكندرية، وذلك في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، مؤكداً أن رمضان خلفية لا بد منها لكل من يريد تناول طقوس العيد، ويمكن القول، إن اختلاف طقوس الاحتفال يعود لاختلاف الثقافات المتجذرة تاريخياً واجتماعياً، ولها دور مهم في العمل على جمع الناس على صعيد ثقافي واحد، وعلى خلق شعور بالانتماء إلى الثقافة، ونقل جوانب منها من جيل إلى جيل، وتكريس القيم التاريخية والدينية والاجتماعية عبر تلك التقاليد الشائعة للاحتفال بالأعياد والمشاركة في طقوس معينة.
وتحدث لنا الروائي المصري محسن الغمري قائلاً: “إن عيد الفطر في الرواية المصرية شكل حضوراً متردداً، فقد أظهرت بعض الأعمال الروائية المصرية من خلال نصوصها السردية، مظاهر الاحتفال أيام شهر الصيام المبارك لدى غالبية شعوب المنطقة العربية، وغالباً ما يذهب السرد بنا، لذكر مظاهر الاستعداد والاحتفاء بعيد الفطر المبارك، واستعداد الأسر له منذ بدء العشرة الأواخر، كطقوس مصرية متأصلة في تراثنا الشعبي، مازال البعض يتمسك بأحيائها، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر رواية “أفندينا” لـ”كاتب هذا الرأي”، والتي تدور أحداثها بين عام (1805-1855) إبان فترة حكم أسرة محمد علي، وتعرض الكثير من طقوس ابتهاج المصريين واحتفالهم باستقبال رمضان، وما يليه من احتفاء بثبوت رؤية هلال شوال، وبدء أيام عيد الفطر المبارك أما مظاهر الاحتفالات بالأعياد في قصص الأطفال التي تفوق الحصر، كما لا ننسى أن السينما والدراما المصرية، أظهرت بالصوت والصورة في الكثير من أفلامها مظاهر وطقوس الاحتفال بالأعياد المستمدة من الرواية، منذ الدولة القديمة مروراً بالفتح الإسلامي، وحتى الدولة الحديثة، كما اشتهرت فترة الدولة الفاطمية باحتفائها الكبير بالمناسبات الدينية، وتفننهم في صنع الحلوى، والزينة والألعاب الترفيهية، والنارية كأنواع متباينة من مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، بل وكل المناسبات الدينية وتناولت الروايات ذلك بدقة وصفٍ متناهية”.
ويشير الروائي السوري عبد الغني ملوك إلى أن البحث عن مظاهر العيد في الرواية العربية عمل شاق؛ فقد سجل العيد حضوراً شبيهاً بالغياب ولن نجد في أحسن الأحوال أكثر من جملة عابرة أو فقرة في أغلبية المنجز الروائي العربي، مضيفاً: “إن حضور العيد في روايته كان حضوراً افتراضياً في أحسن الأحوال”.
من جانبه، يذهب راتب إدريس، روائي وشاعر سوري، إلى أن الفرح قلما نتحسّسه في مناسباتنا؛ فالعيد كموروث وذاكرة جمعية خضع لكثير من التغييرات، لافتاً إلى أنه حين يكون العيد قناعاتٍ وفرح فسينتقل من الكبار على الصغار كسلوك وشعور معاً”.
ليختتم بالقول: “التعاطي مع مفهوم العيد روائياً هو موضوع إشكالي وملفت ويحتاج للكتابة عنه والنظر إليه من زوايا مختلفة”.
أخيراً نشير إلى أن ثمة نزعة جمالية للتعبير عن العيد ومظاهره المختلفة والاحتفاء كمفهوم سعيد ويحمل الفرح، ويعتمد على موقف الراوي الشخصي من الاحتفاء به كبعد ثقافي متوقع بالعلاقة مع الأدب والذات.