الغرب منشغل بفشل روسيا
عناية ناصر
منذ اندلاعه في عام 2022، استمرّ الصراع الروسي الأوكراني لمدة عامين، ومن الواضح الآن أنه يدخل مرحلته الأخيرة، حيث تواصل روسيا الحفاظ على موقفها المميز في الوضع الحالي، وقدّمت الدوائر السياسية والأكاديمية في روسيا تقييماتٍ متفائلة للغاية، ترى أن الاقتصاد القوي يضمن قدرة روسيا على تحقيق المزيد بموارد أقل، ويدعم روسيا في استنزافها على المدى الطويل ضد الغرب.
وفي المقابل، الرأي العام الغربي عموماً يحمل نظرة متشائمة بشأن مستقبل روسيا، ويعتقد أن الجماعة الغربية تتمتع بميزة كبيرة، وأن روسيا سوف تفشل في نهاية المطاف. ومؤخراً، ناقش مركز ويلسون البحثي الأمريكي الشهير “اختلال التوازن الاقتصادي الجديد في روسيا”، وتنبأ بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف “يترك روسيا في حالة خراب”، كما تنتشر مثل هذه التصريحات المتشائمة بشأن روسيا على نطاق واسع في الرأي العام الغربي، وهو ما يتناقض مع النهج الاستباقي الذي تتبناه روسيا في ساحة المعركة، الأمر الذي يجعل الأمر يبدو كأن الغرب وبقية العالم يعيشون في عوالم متوازية.
والواقع أن الحكم على “فشل روسيا” ليس ظاهرة جديدة، بل هو عبارة مبتذلة، فمنذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني في شباط 2022، ظل الغرب يستخف بروسيا باستمرار. وقالت العديد من وسائل الإعلام الغربية بجرأة: إن روسيا أضاعت أفضل فرصة للفوز بعد فشلها في السيطرة على كييف بسرعة، حتى إن البعض اعتقد أن الحرب المطولة من شأنها أن تؤدّي إلى تفاقم الاستياء الداخلي من بوتين داخل المجتمع الروسي، ما يؤدّي إلى الانهيار الداخلي للحكومة الروسية الحالية.
إن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا التي تهدف إلى التسبّب في صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة في روسيا، كانت مبنية على وجه التحديد على الحكم الغربي بأن روسيا سوف تنهار، والتوقع بوجود قوى معارضة داخلية للرئيس بوتين.
وفي الوقت نفسه، يحاول الغرب إثارة حالة عدم الرضا لدى الشعب الروسي عن إدارة بوتين. لكن الحقائق لا تثبت ذلك،حيث لم تنهَر روسيا ، بل إن وضعها الاجتماعي والاقتصادي ظل مستقراً. علاوة على ذلك، أظهر المواطنون الروس في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، دعماً قوياً للحكومة الروسية. لذلك، يمكننا الاستنتاج أن التوقعات بأن “روسيا ستهزم” لا أساس لها من الصحة في الوقت الحالي.
ومع ذلك، يواصل الرأي العام الغربي دون كلل نشر وجهات النظر المتشائمة بشأن روسيا، في محاولة لخلق الانطباع بأن روسيا معزولة. ويهدف هذا إلى خلق حالة من عدم الاستقرار داخل روسيا وخارجها. في حين تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تضخيم الحكم بأن “بوتين سيفشل” لتشجيع الدول الأخرى الصديقة أو المحايدة لروسيا على تغيير موقفها، وبالتالي عزل روسيا تماماً. ومع ذلك، فإن هذه التوقعات المتشائمة من الغرب تختلف بشكل متزايد عن الواقع، إذ لا تزال روسيا تتمتع باليد الطولى في ساحة المعركة، رغم أن الغرب لا يدّخر جهداً في نشر الخطاب القائل: إن روسيا سوف تفشل.
صحيح أن روسيا واجهت العديد من المشكلات على مدى العامين الماضيين، خلال المرحلة المبكرة من الصراع الروسي الأوكراني والاضطرابات في التصنيع المحلي بسبب انسحاب الشركات الغربية، لكن رغم ذلك، لا يمكن تجاهل قدرة روسيا على تعديل جهاز الدولة لديها بسرعة لتتناسب مع أنماط التعبئة في مواجهة الصعوبات، وبالتالي توليد قوة قتالية هائلة وقدرة على التحمّل.
في المقابل، لا تتعامل الدول الغربية بالضرورة مع قضاياها الداخلية المعقدة بشكل أفضل من روسيا، وكما قال الدبلوماسي الأمريكي جورج ف. كينان ذات مرة: “إن الأمر يتعلق بالأحرى بالدرجة التي تستطيع بها الولايات المتحدة أن تخلق لدى شعوب العالم عموماً انطباعاً بأنها دولة تعرف ما تريد، وتتعامل بنجاح مع مشكلاتها الداخلية ومسؤوليات القوة العالمية، والتي تتمتع بحيوية روحية قادرة على الصمود بين التيارات الأيديولوجية الرئيسية في ذلك الوقت”.
من الواضح أن الرأي العام الغربي فشل في فهم المقصود من كلمات كينان. فإذا كانت روسيا قادرة على معالجة قضاياها الداخلية بفعالية وتعزيز الإجماع المجتمعي، فما أهمية التنبّؤ بفشل روسيا؟.