أمام العدالة الجنائية الدولية
د . خلف المفتاح
كانت الفكرة الأساسية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية هي عدم تمكن المجرمين الدوليين من التفلّت من العقاب إزاء ما يرتكبونه أو ينسب إليهم مسؤولية ارتكاب جرائم ذات طابع خاص، من قبيل الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، لما لهذه الجرائم من آثار كارثية على شعوب، أو جماعات بعينها، وقد نجحت فكرة إقامة المحكمة وتعقب مرتكبي تلك الجرائم خلال اجتماعات عقدت في روما وتمخض عنها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 في روما بصدور ما سمي النظام الأساسي للمحكمة والذي وقعت عليه عشرات الدول.
ولكن المشكلة أن ثمة أكثر من 70 دولة ليست موقعة على ميثاقها مثل الولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى كيان الاحتلال الصهيوني رغم نسبة معظم جرائم العالم من فعلهما، ولكن هذا لا يحول دون ملاحقة أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب في تلك الدول أو غيرها، وسبق للمحكمة أن حاكمت مرتكبي جرائم أو متهمين بها كما هو الحال لأشخاص من صربيا ورواندا والسودان وليبيا وغيرها من دول، بعضهم حوكم وصدرت بحقه أحكام قضائية وبعضهم الآخر لم يمثل أمامها لعدم توفر تعاون مع عمل المحكمة من بعض الدول مع غياب جهاز تنفيذي، أو أداة تمكن المحكمة من جلب وإحضار المتهمين وتعقبهم حيثما تواجدوا، وهذه من نقاط ضعف عمل المحكمة التي تحتاج التجاوز عبر التعاون الدولي، في خضم وجود مشكلات متعددة تعوق آليات عملها مثل ذلك الموقف السلبي للولايات المتحدة الأمريكية منها ومن عملها، حيث أصدرت الإدارة الاميركية قراراً قبل عدة سنوات بمنع محاكمة أي عسكري أمريكي أمامها، على خلفية ما ارتكب من جرائم اقترفها عسكريوها إبان غزوها العراق وأفغانستان، وما شهداه من جرائم بحق أبناء تلك البلدان، ومن بينها ما جرى في سجن أبو غريب.
إن ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية ممثلة بالمدعي العام لها، تجاه رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو وشريكه في الإجرام غالانت يمثّل خطوة هامة باتجاه افتضاح أمر هؤلاء المجرمين أمام الرأي العام العالمي بوصفهم مجرمي حرب، وخاصةً أنهما يحملان صفتان سياسية وعسكرية، ما يعني أن العالم أمام حكومة مجرمة، وكيان يزعمون أنه دولة هو أيضاً مجرم ومتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ما يرتب على جميع دول العالم من الناحية القانونية والأخلاقية عدم التعامل معهما ومع حكومتهما المتطرفة، بالصفتين السياسية والشخصية، والمساعدة في إلقاء القبض عليهما وتقديمهما للمحاكمة لاتخاذ ما يستحقونه من عقاب جراء ما ارتكباه بحق أبناء غزة، وهي جرائم مشهودة لا تحتاج إلى كثير من عناصر الإثبات.
ولا ننسى جانب الردع الذي يمكن أن يخلقه حكم المحكمة، وما يستتبعه من وقف للمحرقة التي يتعرّض لها سكان غزة والضفة الغربية من قوات الاحتلال الصهيوني وساستهم.
إن ما وصلت إليه هيئة المحكمة، وتسطير مذكرة إلقاء القبض والجلب للمحكمة بحق المجرمين يتطلب تعاوناً لتمكين المحكمة من مثولهما أمام هيئتها القضائية واستصدار ما تراه من أحكام بحقهما إعمالاً للعدالة الدولية، والحدّ من الجرائم ضد الإنسانية على الصعيد الدولي برمته، إن أدرك كل المجرمون أن العدالة الدولية ستطالهم، وأنهم لن يفلتوا من العقاب العادل مهما كانت قوة بلادهم.