انتخابات البرلمان الأوروبي تقلق قادته التقليديين
ريا خوري
اقتربت انتخابات البرلمان الأوروبي للعام الجاري 2024، حيث من المخطط إقامته في الفترة من 6 إلى 9 حزيران القادم. هذه الانتخابات ستكون العاشرة منذ أن تم إقامة أول انتخابات مباشرة عام 1979، وتأتي بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، وهي واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للجدل في أوروبا في تاريخ البرلمان الأوروبي، ويعود ذلك إلى صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرّفة بشكلٍ لافت، وخاصة أنَّ حزب الشعب الأوروبي تمكّن من جذب الأحزاب ضمن كتلة المحافظين لإنشاء كتلة محافظة كبيرة وواسعة يمكن أن تعمل على زعزعة توازن القوى السياسية الذي استمرّ سنواتٍ طويلة بين حزب الشعب الأوروبي مع الديمقراطيين والاشتراكيين من يسار الوسط ومجموعة تجديد أوروبا الوسطية التوجّه.
من الواضح أنَّ حالة القلق والاضطراب قد طالت 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، أي جميع دول الاتحاد، مع اقتراب موعد انتخاب برلمانها المؤلف من (705) أعضاء، فقد أفادت معظم استطلاعات الرأي أنَّ اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية يمكن أن تجتاح صناديق الاقتراع وتحقق نجاحاتٍ كبيرةً غير مسبوقة يمكن أن تغيِّر وجه أوروبا وتوجّهاتها وسياساتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، حيث سيصل عدد الذين سوف يدلون بأصواتهم في عاشر انتخابات مباشرة إلى أكثر من أربعمائة مليون ناخب أوروبي.
الجدير بالذكر أنَّ البرلمان الأوروبي هو الذي يصوغ التشريعات والقوانين الناظمة، ويحدِّد السياسات الداخلية والخارجية، ويضع الميزانية العامة للاتحاد. فالانتخابات البرلمانية الأوروبية تجري كل خمس سنوات، لكن هذه المرة سوف يكون المشهد السياسي الأوروبي مختلفاً كثيراً والنتائج أيضاً، ما يثير قلقاً عملياً حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.
المتابع لمستجدات المواقف الحزبية الأوروبية يدرك تمام الإدراك أنَّ الأحزاب السياسية اليمينية الشعبوية المتطرفة قد أطلقت حملتها الانتخابية يوم الأحد الماضي من إسبانيا، واحتلت قضية الهجرة والمهاجرين، وخاصة هجرة المسلمين، الموضوع الأبرز في مواقف هذه القوى وتلك الأحزاب، إضافة إلى قضايا الأمن والمناخ ودعم الكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة والشعب العربي الفلسطيني، لأن مسألة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) تشكّل نقطة مركزية في الاستراتيجية الانتخابية لهذه الأحزاب وتوجّهاتها، وبعضها يضع في مقابله العودة إلى الدين المسيحي بكل طوائفه كسبيل لإنقاذ الاتحاد الأوروبي، كما في حالة زعيم حزب (الحل اليوناني) كيرياكوس فيلوبولوس الذي ينشر خطاباً فيه كل الكراهية والعداء للهجرة والمثلية الجنسية، وكذلك زعيم (حزب الشعب) الهولندي غيرت فيلدز، الذي يناصب العداء للمسلمين بشكلٍ عام والعرب بشكلٍ خاص، وكان برنامجه الانتخابي للفترة بين 2021 و2025 يدعو إلى إنشاء وزارة للهجرة وإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وكذلك حزب (الحرية) النمساوي اليميني الشعبوي المتطرِّف، وحزب (الشعب) اليميني الشعبوي المتطرف الدنماركي، و(حزب البديل) الألماني، بزعم الترويج وبث الأفكار السامة التي تفوح بالحقد والكراهية لأن المسلمين غير مندمجين في مجتمعاتهم، ويشكّلون بؤراً خطيرة للإرهاب. وفي فرنسا نادت مارين لوبان زعيمة حزب (التجمع الوطني)، أول حزب أوروبي استخدم مصطلح (الإسلاموفوبيا) في حملتها الانتخابية، ببثّ الخوف من المسلمين، وهنا لا يمكننا إغفال أنَّ صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرّفة مردّه الإحباط الذي يعانيه الناخب الأوروبي من فشل الأحزاب التقليدية التي لها تاريخ سياسي عريق في تحقيق وعودها بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية والسياسية، ما دفع إلى اللجوء إلى الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة كسياسة عقابية للأحزاب التقليدية، أو لاعتقاد المواطن الأوروبي أنَّ اليمين الشعبوي المتطرّف قادر على تحقيق ما فشلت فيه الأحزاب السياسية الكبيرة الأخرى.
لقد كان لاستطلاعات الرأي دور كبير في التعبير عن توجّه المواطنين الأوروبيين في المرحلة القادمة، حيث أفادت بأنّ أحزاب اليمين المتطرّف سوف تصعد على حساب أحزاب اليسار التي ترهّلت وضعفت وتقلّص دورها، والديمقراطيين ويسار الوسط وأحزاب الخضر، وتحديداً في فرنسا وبلجيكا والنمسا والتشيك وهولندا والمجر وسلوفاكيا، وبولندا، وقد تحقِّق تقدم ملحوظ في كل من ألمانيا والسويد ولاتفيا والبرتغال ورومانيا وإسبانيا وفنلندا وإستونيا.
في حال هيمنة أحزاب اليمين الشعبوي المتطرّف على البرلمان الأوروبي سوف يتحوّل هذا البرلمان إلى ما يطلق عليه (البطة العرجاء)، وبذلك لن يستطيع تمرير التشريعات والقوانين التي تمسّ وحدة الاتحاد الأوروبي في السياسة والأمن الاستراتيجي والاقتصاد، باعتبار أن أحزاب اليمين المتطرّف مناهضة لعمل المؤسسات والهيئات والإدارات والعمل الأوروبي المشترك، وهو أمر يثير القلق والخوف بعد أن بدأت أوروبا بمعظم دولها في اتخاذ إجراءات مباشرة في مجال السياسة والأمن الاستراتيجي والدفاع، في إطار دعمها لأوكرانيا في مواجهة روسيا، ما يؤدّي إلى دعم موسكو وإضعاف كييف.
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية تسعى الأحزاب اليمينية المتطرّفة إلى أن تكون عتلة الوصول على حساب بقية الأحزاب التقليدية العريقة، فهل تتحوّل القارة الأوروبية إلى قارة أكثر وهناً وضعفاً؟.