ثقافةصحيفة البعث

تجربة المهند كلثوم بالأفلام القصيرة في النادي السينمائي

ملده شويكاني

“نهر الفرات بيطوف وبيروح وبيجي” الجملة التي قالتها الممثلة سهير صالح بلهجة منطقة الفرات في الفيلم القصير “نهري ـ بحري” والتي حملت دلالات عن الحرب الإرهابية على سورية، وكانت موضع نقاش في جلسة النادي السينمائي، في سينما الكندي بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار برئاسة الدكتورة أيسر ميداني، والمؤسسة العامة للسينما بحضور المخرج المهند كلثوم الحاصل على جوائز دولية عديدة، وبطل فيلم “فوتوغراف” الشاب اليافع سليمان الأحمد، بإدارة الكاتب والمخرج وليم عبد الله.

وقد خُصصت الجلسة لعرض ومناقشة فيلمي المخرج المهند كلثوم اللذين تناولا الحرب الإرهابية من زاوية مختلفة “نهري- بحري” و”فوتوغراف”- إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

ففيلم “نهري- بحري” سيناريو سامر محمد إسماعيل وتمثيل عبد المنعم عمايري ومريم علي والبطلة سهير صالح يربط بين النهر والبحر، إيماءة إلى كامل جغرافية سورية التي واجهت الحرب الإرهابية، فيختزل تهجير أهالي الرقة إلى الساحل بعد مواجهة “داعش” باحتماء العديد من العائلات في المدرسة لتكون مركز الإيواء، وانتظار لمّ الشمل إلى ألمانيا، فتدخل الكاميرا إلى أجواء الحياة البائسة التي عاشها المهجّرون، وتنتقل الأحداث إلى البحر، ليدمج كلثوم بين الحبّ والحرب بلقاء عاطفي بين سهير صالح التي أطلق عليها حبيبها الصياد “وهب” ـ عبد المنعم عمايري- “سمكة برية” بالقارب المتمايل في عرض البحر على ضوء القمر برمزية إلى سورية التي تواجه وتقاوم، فتقص عليه حكاية تهجيرهم من الرقة على وقع أهزوجة فراتية، وفجأة يسارع “وهب” لإنقاذ طفلة رضيعة تطفو فوق جسد أمها الغرقى، ويحملها إلى القارب، لكن الحبيبة تصرّ على أن يحاول مرة ثانية لإنقاذ الأم على الرغم من تأكيده موتها، وباختفاء “وهب” تسارع الحبيبة برمي نفسها بالبحر بعد أن وضعت قلادة الصدف في عنق الطفلة، فيلفهمها دوار البحر بحركة الكاميرا الدائرية، لتشرق الشمس بنجاة الطفلة برمزية إلى البقاء والصمود والاستمرار.

أما في فيلم “فوتوغراف” سيناريو بثينة نعيسة، وتمثيل سليمان الأحمد وغالب شندوبة وجمال العلي وصفوح ميماس وعتاب أبو سعدة، فيضعنا كلثوم إزاء الحدث مباشرة بإحدى مناطق الدمار والتخريب الذي حوّل المنازل الآمنة إلى أكوام حجارة، تناثرت بينها ذكريات العمر، فيوثق أحداث الحرب من خلال العلاقة بين اليافعين “سلطان” الناجي من القذيفة و”يحيى” الذي فقد بصره، يعمل “سلطان” على جمع الحديد من الأنقاض ليبيعه بمرافقة “يحيى” الذي يربطه بحبل وثيق معه إيماءة إلى التكاتف والتعاون لمواجهة الحرب وتبعاتها المؤلمة، ليصل المخرج إلى المشهد المؤلم بذهابهما إلى الاستديو الذي أصبح حجارة، فيبكي “يحيى” ويصل بخطواته بين الأنقاض إلى مكان الكاميرا، فيخبره “سلطان” بأنها مازالت مشحونة، فيسرق من الزمن لحظات فرح ويصوّر “يحيى”، لكن حجراً يسقط على “يحيى” فيصيبه ويرتطم رأسه بالأرض ويفارق الحياة.

يتقاطع الفيلم في زاوية ما مع “نهري ـ بحري” بدخول الكاميرا بعمق أكبر إلى مراكز الإيواء المؤقت بالمدرسة، فيتطرق إلى الصعوبات التي تعرض لها المهجّرون من خلال لقاءات عدد من الصحفيين، وأهمها تسريب الأطفال من المدرسة وتوقفهم عن التعليم، كما يختزل جشع وقسوة بعض الأشخاص من خلال شخصية بائع الخضار، الذي يعمل عنده “سلطان”، تتصاعد الأحداث فيبيع البائع الجشع الكاميرا إلى شخص انتهازي وصل متأخراً عن الوفد، لتتجه الأحداث نحو منحى آخر يتناول تبعات الحرب بافتتاح معرض فني للصور الضوئية وبعرض الفنان المصوّر اللقطات الأخيرة لـ”سلطان ويحيى” ويبدو بمظهر جديد، وهو ينظّر بشعارات رنانة “أتمنى من الفنانين النزول إلى الدمار ونشر ثقافة الحياة”، وقد جسد المهند كلثوم بأداء لافت هذه الشخصية، لينتهي الفيلم برمزية إلى استمرار السرقة بحضور صحفي آخر إلى المعرض يتظاهر بأنه يصوّر، ليسرق الكاميرا من جديد.

وبعد العرض تحدثت الدكتورة أيسر ميداني عن الرموز والدلالات المحمّلة بالفيلمين، ابتداء من نهر الفرات الذي “يطوف بيروح وبيجي” دلالة على السلطات التركية التي تضيق على سورية بحرب المياه، ثم تطرقت إلى التهجير من الرقة، ومحاولات الهرب من الإرهاب إلى البحر بالقوارب باتجاه تركيا، وغرق الكثيرين بدلالة العلم التركي على سترة الأم الغرقى، ومن جهة ثانية نوّهت باستنباط رسائل من خلال الفيلمين تشير إلى إعادة إعمار سورية وترميم جراحها، كما نوّهت بما تتعرض له الثروة المائية من أخطار نتيجة التفجير بالديناميت كما ورد في “نهري ـ بحري”.

وتابع المخرج وليم عبد الله الحديث عن أهمية عرض الفيلم القصير المتصف باختزال وتكثيف أحداث تحتاج إلى أفلام روائية عدة، وتوقف عند التناقض بالعنوان “نهري ـ بحري” الذي يجمع المياه الحلوة بالمالحة، وتالياً العلاقات الاجتماعية بين المناطق، وتابع عن الإخراج الذي نفذ بطريقة جميلة جداً وبحرفية فنية وبلغة سينمائية متقنة، وخاصة فيلم “فوتوغراف” الذي حمل الكثير من التساؤلات.

المهند كلثوم رحب بجمهوره وبنشر الثقافة السينمائية من خلال المبادرة الإيجابية للنادي السينمائي، بالاهتمام بعرض الأفلام القصيرة ضمن خطتها السينمائية بعرض الأفلام الروائية وإتاحة الفرصة للجمهور لرؤية الأفلام القصيرة، التي لا تعرض إلا بالمهرجانات أو بالعرض الخاص، وتابع عن تاريخ السينما التي نشأت من الأفلام القصيرة ما يوضح أهميتها، ومن ثم تطرق إلى دور الفيلم القصير بتوثيق الأحداث الإرهابية المفجعة على سورية بالوصول إلى العالم من خلال المشاركة بالمهرجانات لكونه أسهل من الفيلم الروائي بالمرور، فكان أسرع من الإعلام بنشر الحقيقة.

وتوقف كلثوم عند الفيلمين المعبّرين عن تجربتين مختلفتين تماماً، فكل تجربة تحمل تساؤلات وقضية تصب بدائرة توثيق الحرب الإرهابية على سورية.

وحظيت الجلسة بتشعبات كثيرة وحوارات مستفيضة مع المخرج كلثوم، من أهمها تمثيله شخصية الفنان الانتهازي في فيلم “فوتوغراف”، فأوضح أن هذه الشخصية الانتهازية استفزته لتأديتها، شخص بلا هوية غير معروف عمله يبدو بمظهر غير لائق بتنافر ألوان ثيابه وتسريحة شعره وابتسامته الساخرة، يتحوّل فجأة إلى فنان يقيم معرضاً بمظهر مختلف تماماً يرتدي طقماً ويدخن السيجار بإيماءة إلى أمراء الحرب ومدعي الثقافة والمنظمات الإنسانية، وكل الجهات التي تاجرت بحلم الطفولة واستغلت الحرب لمصلحتها.

نهاية الفيلم أيضاً كانت موضع جدل، فبعض الآراء تمنت أن يكون الرجل الذي سرق الكاميرا هو “سلطان” بعد أن مرّت سنوات عدة فيستعيد حقه، لكن كلثوم نفى ذلك لأنه غيّر بكتابة السيناريو بالاتفاق مع الكاتبة للتركيز على تبعات الحرب.

كما ردّ كلثوم على نقد صحة اللهجة الفراتية في المنطقة الشرقية المتنوعة باللهجات والغنية بالثقافات، فأشار إلى أنه اختار اللهجة العامة للمنطقة الشرقية، وكذلك للمنطقة الساحلية.

وتنوعت التساؤلات حول الإضاءات المتعلقة بتقصير المجتمع الأهلي بالتعاون مع مراكز الإيواء، ومسؤولية التربية حول تأخر تعليم الطلاب المهجرين، وعمالة الأطفال وما تعرضوا له من جشع، ليبقى السؤال الموجه من قبل جمهور النادي إلى المؤسسة العامة للسينما: لماذا لا يحصل المخرج الحائز على جوائز دولية المهند كلثوم على فرصة إخراج فيلم طويل؟.