أصالة حلب العروبية تفضح تزوير الأردوغانية للتاريـخ والـحـاضـر
دمشق – البعث
يستمر النظام التركي في تقديم المفاجآت، واللعب على أكثر الغرائز السياسية انحرافاً وتوحشاً، تحفزه الموجة تلو الموجة من الرغبة بالانتقام، والحقد على سورية العربية وبلاد الشام التي أنهت أربعمائة عام من الاحتلال والظلامية العثمانية، ورفضت حلف بغداد، وحطمت مؤامرة “الربيع العربي” الذي أوكلت الولايات المتحدة الأمريكية مهمة تنفيذه لأردوغان شخصياً، كي لا ننسى، ولا ننسى أيضاً أن سورية اليوم بذلت كل ما بوسعها لتفشل مخططات أردوغان بإضرام نار الشقاق بين الشعبين السوري والتركي، لكن المذكور استمر في تأجيج هذه النار خدمة لأعداء العروبة والإسلام.
إن رفع العلم التركي فوق قلعة حلب العاصمة الاقتصادية لسورية العربية، وعاصمة الحمدانيين العرب، وأقدم مدينة مأهولة في العالم وموغلة القدم في تاريخها العروبي بأبعاده الاستراتيجية والحضارية منذ فجر التاريخ، لا يعكس إلا الأحلام المريضة للنظام الأردوغاني الذي يستخدم اليوم قطعان الإرهابيين والمرتزقة لإعادة تفسير التاريخ، وإحياء التاريخ الإمبراطوري من خلال بلورة خليطٍ من أوهام عثمانية وطورانية يكون لتركيا، في إطارها، الدور المهيمن في المنطقة.
ومن المؤكد أن تلبية المتطلبات السياسية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلف شمال الأطلسي تبقى الانتماء الراسخ الذي يحرك سياسة نظام أردوغان تجاه المنطقة العربية وسورية على الأخص؛ ولكن المساومات الدنيئة التي قام ويقوم بها هذا النظام تظهر باستمرار انعدام الحد الأدنى من الفهم السياسي والأخلاقي للتعامل مع سورية ومع العروبة بأفقها الحضاري الأصيل، لأنه كان وما زال جزءاً من تفجيرها واستمرارها، وذلك من خلال تآمره على سورية وغيرها من الأقطار العربية وانخراطه بمشروع تفتيتي تقسيمي لا يخدم إلا الأهداف الإسرائيلية والأمريكية والغربية في الشرق الأوسط.
وليس غريباً، وسط السيل العارم من عمليات التزييف الإعلامي واحتفالات النصر الكاذبة، أن يعيش كل من أردوغان ونتنياهو كوابيس نهاية العالم، ومعركة هرماجدون، وحيث تسير السياستان الإسرائيلية والتركية بالتوازي حيناً، وبالتقاطع حيناً آخر، لبناء الشرق الأوسط الجديد، حلم المحافظين الجدد الأمريكيين الذي ينتعش اليوم مع عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، ومع تصاعد الحديث عن نظام عالمي جديد قد يكون أكثر بطشاً وإجرامية وتوحشاً.
ففي وقت يراهن أردوغان ونتنياهو على تفجير الحرب الشاملة وجرّ الشرق الأوسط ليكون بؤرة صراع عالمي رهيب، يرى كل منهما في الأوضاع الإقليمية والعالمية الراهنة فرصة تاريخية الأول لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، والثاني لإعادة بناء السلطنة العثمانية على أساس توسيع حدود تركيا الحالية باتجاه حلب والموصل وكامل قبرص وآسيا الوسطى والقرم، وحتى إلى الحرمين الشريفين في مكة المكرمة.
وفيما تطفح الممارسة السياسية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بدوافع توراتية معلنة، يظلّل الرئيس التركي سياسته الخارجية بتمشيحات مذهبية وطائفية يريد بها تحويل العثمانية الجديدة والطورانية إلى دين جديد لتركيا المسلمة بثقافتها وتاريخها.
وكما أن هناك ميليشيات سموتريتش وبن غفير التي تعمل كعصابات متقدمة لاستباحة الأراضي الفلسطينية وتوسيع الاستيطان الصهيوني، هناك الانكشاريون الجدد، الممثلون بعصابات الذئاب الرمادية، والفصائل التكفيرية المرتبطة مباشرة بالجيش التركي في شمال سورية، والتي أرسل بها أردوغان وبهتشلي، إلى حلب وإدلب لفرض الإدارة التركية ورفع العلم التركي فوق منشآتها، ولاسيما فوق قلعة حلب، إضافة إلى ما أطلقه رئيس حزب الحركة القومية التركي من تصحيح زائف لتاريخ وجغرافيا يهدف إلى تزويرهما بمؤازرة قطعان من التكفيريين والإرهابيين المتطرفين الوافدين من أربع جهات الأرض والذين يمثلهم هو وأردوغان أقذر تمثيل، فمن المعروف أن أسواق المدن التركية وأذواق شعبها تقتبس من المدن السورية في حلب ودمشق كل محاكاة للباس والطعام والعمارة ومفردات اللغة.. إلخ، هذا كله يجب أن يدفع كل وطني سوري وعروبي أصيل إلى فداء كل ذرة من تراب حلب وباقي الأرض العربية السورية بأغلى ما يمكن من تضحية وانتماء ووفاء.
إن السوريين بمختلف أطيافهم، ومعهم العروبيون في كافة الأقطار العربية يحذرون النظام الأردوغاني من اتباع سياسة قائمة على اللعب على خرائط المنطقة والتطاول على أراضي الدول المجاورة بغية تحقيق أهداف قصيرة النظر ستكون آثارها كارثية على المنطقة بأسرها، فمثل هذه المؤامرة الجديدة القديمة ستواجه من قبل سورية بمختلف الوسائل المشروعة دفاعاً عن شعبنا ووحدة أرضنا.
إن حلب مدينة عربية منذ خمسة آلاف عام، وستبقى عربية حالها حال الكثير من المدن التي اقتطعت بمؤامرة استعمارية فرنسية من أراضي سورية، والتي ستعود إلى حضن الدولة السورية طال الزمن أم قصر.