جمعيات خيرية أم واجهات للتلميع! التكافل الاجتماعي ما زال خجولاً وينتظر دعماً حكومياً وأهلياً!
البعث الأسبوعية- غسان فطوم
في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن السوري منذ عدة سنوات، تبرز الحاجة الماسة للتكافل الاجتماعي، الذي يتجلى بصور وحالات عديدة كإعانة الأسر الفقيرة التي تبحث عن قوت يومها في ظل هذا الغلاء الفاحش، والأخذ بيد الأطفال من ذوي الإعاقة، وخاصة اليتامى الذين كثر عددهم جراء الحرب، بالإضافة إلى مساعدة الشباب الجامعي على استكمال تحصيلهم العلمي، وغير ذلك من حالات المساعدات.
كثيرة ولكن!
بالأرقام يوجد في سورية آلاف الجمعيات الخيرية المرخصة وغير المرخصة، وفي تقييم الأداء والنتائج نجد أن عدد قليل منها لم تتخلَ عن دورها الإنساني والمجتمعي رغم إمكانياتها المحدودة، فيما الغالبية منها اكتفى أصحابها بجعلها واجهة اجتماعية، أو “برستيج” ذات شعار براق للظهور في مناسبات معينة لدعم حضورهم الاجتماعي، وطمعاً بالوصول لمواقع متقدمة في المسؤولية.
نساء الحرب!
ولعل الحالة التي نستطيع أن نحكم فيها على ضعف التكافل الاجتماعي هو تهميش الكثير من الأسر الفقيرة، التي يعيلها نسوة ممن فقدن أزواجهن نتيجة الحرب، منهم من أستشهد على جبهات القتال، ومنهم ضحايا قصف المجموعات الإرهابية على الأحياء السكنية، أو نتيجة تفجيرات غادرة في الشوارع وفي مركبات النقل وغيرها من حوادث.
صحيح أن بعض النسوة يحصلن على تعويضات شهرية، لكنها اليوم لم تعد تكفي أو تسد تكاليف الاحتياجات اليومية، فكيف باللواتي لا يحصلن على أية مساعدات ويعشن من “مال الله” متسولات في الشوارع، أو مجبرات على تحمل ظلم رب عمل يستغل حاجتهن للعمل، أو مؤجر يهدد بطردهن من البيت إن لم يوافقن على رفع أو زيادة الأجر الشهري؟!.
الأمثلة كثيرة
وتروي أم أحمد /أم لثلاثة أطفال/ أنها بعد وفاة زوجها في قصف المجموعات الإرهابية على مخيم اليرموك اضطرت للتسول حتى تتمكن من الصرف على أولادها الصغار، مشيرة إلى أنها أجبرت على هذا العمل بعد أن طردها صاحب البيت لعجزها عن تأمين الزيادة في الأجرة التي طلبها، واصفة إياه بعديم الرحمة لأنه لم يقدّر وضعها الصعب، وذكرت أنها راجعت كذا جمعية للحصول على مساعدات لكنها لم تستفد شيئاً إلا الفتات الذي لا يسد الرمق!.
وفي هذا السياق هناك العديد من الميسورين يفضلون تقديم المساعدة مباشرة إلى المحتاجين بدلاً من اللجوء إلى الجمعيات، في إشارة منهم لضعف ثقتهم ببعض الجمعيات الخيرية، بل وثقة العديد من الناس المحتاجين!.
وهنا يمكن السؤال: من يدقق في توزيع المساعدات التي تحصل عليها بعض الجمعيات، هل تعطى سلة المعونة كاملة دون نقصان لمن يستحقها؟!.
هناك ما يبرر هذا السؤال في الوقت الذي يحكى فيه عن جمعيات تتاجر بالمساعدات، بل ويقال أن البعض ممن يحصل على المساعدات هو ليس بحاجتها!.
ولعل من يراقب تلك الجمعيات أثناء توزيع المعونات يلاحظ بوضوح أشخاص ميسوري الحال يأخذون السلة قبل الكل أمام الناس المحتاجين الذين “يتدافشون” على الدور!.
نباشو القمامة
في حالة أخرى لا تقل بؤساً وألماً يخرج فجر كل يوم عشرات الأطفال، بل المئات وأكثر، وهم بعمر الورود يتسابقون على نبش حاويات القمامة لجمع مخلفات البلاستيك والورق وأشياء أخرى قابلة للبيع، غالبية هؤلاء الأطفال إن لم يكونوا كلهم متسربين من المدارس ويعيشون في أكواخ على أطراف المدن بمناطق العشوائيات، أمام عين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والوقائع تشير إلى أن الأطفال النباشين أكثرهم من اليتامى، أي لا يوجد من يعيلهم، وهم يعملون بأجر زهيد عند من يشغلهم.
والسؤال هنا: لماذا تغيب مبادرات الجمعيات الخيرية عن مساعدة الأسر الفقيرة، هل عجزت تلك الجمعيات وحتى المؤسسات الحكومية عن إقامة مبادرات لتمكين المرأة (الأرملة والمطلقة والعانس) وكذلك الأطفال اليتامى من العمل المناسب لهم لأجل أن يصبحوا مشاركين وفاعلين في المجتمع، بدلاً من أن يكونوا عالة عليه؟.
دورات تدريب وتأهيل
في دول الجوار تسعى الجمعيات على اختلاف مسمياتها وتخصصاتها على إقامة دورات تأهيل وتدريب على تعلم الحرف للنسوة والشباب العاطل عن العمل، وتحاول تأمين فرص عمل لذوي الاحتياجات الخاصة، فيما عندنا لا زالت المبادرات خجولة ومحدودة قياساً للعدد الكبير من الأسر المحتاجة للمساعدة!.
الباحثون في علم الاجتماع يرون أن الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم السوريين ساهمت في تراجع التكافل الاجتماعي، وكأن الناس فقدت الرحمة من قلوبها، في حين يرى آخرون أن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، مشيرين إلى مبادرات يستحق أصحابها الشكر عليها برزت في أكثر من محافظة لدعم الأسر الفقيرة، كمبادرة تأمين مازوت التدفئة مجاناً للأسر الفقيرة، بالإضافة إلى مبادرات أخرى تمثلت في جمع تبرعات عينية ومالية، وتقديم ألبسة مستعملة وجديدة ومواد غذائية وكلها مجانية، وأحياناً بنصف سعرها.
وهناك جمعيات ترفع لها القبعة أدت منذ بداية الحرب في سورية دوراً كبيراً في إغاثة الأسر الفقيرة، كمبادرة “أهل الشام” على سبيل المثال لا الحصر، والتي يعمل ضمنها أكثر من 60 جمعية تقدم المساعدة لأكثر من 30 ألف أسرة.
بالمختصر المفيد، سنوات الحرب فعلت فعلها وتركت آثارها السلبية القاهرة على الوضع المعيشي، وما زاد الطين بلة العجز عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار وانكماش الأجر الشهري، فكيف بحال غير الموظف؟، الأمر الذي جعل الكثير من السوريين تحت خط الفقر، من هنا تبرز أهمية تعزيز ثقافة العمل الخيري، وتعزيز التكافل الاجتماعي الذي يتمثل بالشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، فنحن اليوم أحوج من أي وقت لنكون أقرب إلى بعض ونساعد بعضنا البعض، ويبقى للجمعيات والمؤسسات الخيرية الأهلية والحكومية الدور الأبرز بذلك، فهناك الكثير من الطرق يمكن اعتمادها في تفعيل دورها بجعلها جسر وصل حقيقي بين الأغنياء والفقراء بطريقة حضارية بعيداً عن الاستعراض!.