بثلاث حكايات مشوقة للأطفال… محمد ناصر الشبلي يعود للإخراج
أمينة عباس
بعد غيابه الطويل كمخرج عن عروض مسرح الطفل يعود المخرج محمد ناصر الشبلي إلى الإخراج من خلال مسرحية “حكايات” التي تُعرَض حالياًعلى مسرح القبانيبدمشق في أول تجربة إخراجية له مع مديرية المسارح والموسيقا،وهو الذي كان ومازال حاضراً كممثل في معظم العروض المسرحية الموجهة للطفل.
*حول ماذا تدور حكاياتك في مسرحية “حكايات”؟
**تدور الحكايات التي تقدمها فرقة مسرحية جوالة عن ضرورة الحفاظ على الطيور والحيوانات الأليفة وعدم قطع الأشجار والمحافظة على الماء وعدم هدرها، ويشاهد الطفل كيف تقوم هذه الفرقة في كل حكاية بتغيير ديكوراتها وملابسها أمام الجمهور لتحكي حكاياتها للأطفال،وقد أردت من خلال هذا الشكل والمضمون تقديم نمط جديد من المسرحيات الموجهة للطفل، معتمداً في سرد الحكايات على البساطة والعفوية لتمرير القيم المرادة للطفل عبر الرقص والغناء والقصص المشوقة.
*كيف تفسر غيابك عن الإخراج طيلة هذه الفترة؟
**كان غيابي عن الإخراج لسنوات عديدة مرتبطاً بانشغالي كممثل مع مسرح الطفل وبالظروف المحيطة، ولكن عندما تهيأت ظروف مناسبة للعودة تشجعت على خوض تجربتي الأولى مع مديرية المسارح التي هيأت ضمن الإمكانيات المتاحة لها الظرف المناسب لإنجاز مسرحية “حكايات” مع ممثلين محترفين في العمل مع مسرح الطفل والذين كان لهم دور كبير عبر العلاقة التشاركية معهم في إنجاز العرض.
*تعاملتَ كمخرج في أعمالك السابقة مع القطاع الخاص، واليوم تتعامل لأول مرة مع القطاع العام من خلال مديرية المسارح، فأي فارق وجدتَه بين الاثنين؟
**الفرق كبير في العمل بين القطاع الخاص والقطاع العام الذي عملت من خلاله بشكل مريح مكاناً وزماناً وعلى صعيد توفر الإمكانيات الفنية اللازمة ضمن ما هو متاح، ولا بد أن أعترف أن العمل مع القطاع الخاص كان دائماً محكوماً بمزاجيات أصحابه، في حينكنتُفي عملي كمخرج مع مديرية المسارح صاحب القرار، فقدمتُ ما أريده وما أنا مقتنع به دون تدخل من أحد.
*ما سبب تأليفك لنصوص “حكايات”؟
*لن أكرر ما يقوله البعض عن نقص النصوص الصالحة لمسرح الطفل،وبالتالي لم أكتب النصوص لوجود نقص في نصوص الأطفال بل لأن معظمها يتطرق لموضوعات تقليدية تتناول حكاية الملك أو الأميرة أو الساحرة، في حين أرى أن هناك العديد من المواضيع الحياتية المهمة من الضروري التطرق إليها في مسرح الطفل كموضوع المياه وعدم هدرها وهي قضية عالمية، إلى جانب موضوع الاهتمام بالطبيعة كعدم قطع الأشجار والتأثيرات السلبية لغياب الغطاء النباتي على المناخ.
*ماذا عن التأثيرات الإيجابية والسلبية للجمع بين الإخراج والتأليف؟
**كان الجمع بين التأليف والإخراج بالنسبة لي أمراً إيجابياً في تجربتي، خاصة وأن لدي موهبة الكتابة التي أمارسها منذ سنوات طويلة وفي رصيدي عدد كبير من النصوص التي تجسدت على خشبة المسرح، لذلك لا أرى أن هناك مشكلة في أن يكون المخرج هو الكاتب بشرط أن يمتلك مهارات الكتابة بشكل جيد، وإن تحقق ذلك فهو لصالح العمل لأن المخرج حينها يكون مدركاً لكل تفصيلة من العمل، وسيضمن أن الإخراج لن يغرد خارج سرب النص لأن المخرج أحياناً يقدم قراءة خاصة للنص الذي يكتبه الكاتب قد تكون بعيدة عما أراده الكاتب، وبالتالي في حال الجمع بين الإخراج والتأليف يصان النص ويحمى دون إغفال مبادرة الممثلين في تقديم إضافات لصالح الفكرة الأساسية للعمل.
*جمعتَ أيضاً في هذا العرض بين الإخراج والتمثيل فأيهما الأسهل بالنسبة لك؟ ولماذا؟
**أعمل منذ سنوات طويلة في مسرح الطفل كممثل، وفي كل العروض السابقة التي أخرجتها لم أقف على خشبة المسرح كممثل فيهاإلا أنني في مسرحية “حكايات” اضطررت لفعل ذلك ليس لعدم وجود من يحل مكاني بل لأن طبيعة الشخصية تتطلب ذلك، إضافة إلى طبيعة العرض الذي يحتاج إلى من يقود المجموعة وقد كان للممثلين دور كبير في مراقبتي على الخشبة كممثل.. وأنابالعموم أميل للتمثيل أكثر من الإخراج،مع تأكيدي على أن التمثيل أسهل بكثير من الإخراج لأن الممثل يكون عادة مسؤولاً عن دوره، في حين أن المخرج يجب أن يتابع كل تفصيلة من تفصيلات العمل، وهذا يتطلب منه الكثير من الجهد، خاصة وأن العمل في مسرح الأطفال أكثر صعوبة من العمل في مسرح الكبار لأن مسرح الطفل يحتاج إلى فكرة مكثفة والكثير من الحذر في التعاطي مع الطفلبشكل عام ومع طفل الأزمة والحرب بشكل خاص، خاصة على صعيد تغيير القيم والسلوكيات التي أفرزتها الحرب.
*ما الذي تغير فيك كمخرج بين الأمس واليوم؟
**بدأت العمل في المسرح كهاوٍومازلت أعمل بنَفَس الهواة..من هنا حرصت كمخرج على تقديم رؤيتي الفنية في كل عناصر العمل، مع إدراكي أن طفل اليوم لا يشبه طفل الأمس، وأن الأعمال المسرحية التي سبق وأن قدمتها خلال السنوات الماضية كانت مناسبة لتلك المرحلة ولطفلها، وأن طفل اليوم يحتاج لأن يخاطبه المسرحي بما يتلاءم مع عقليته التي تغيرت كثيراً بفضل التكنولوجيا والظروف المحيطة.
*هل هناك فرق كبير بين ما كنتَ تفكر به وما حققتَه على خشبة المسرح في “حكايات”؟
**أنا راضٍ،وأستطيع القول أن نسبة ما تحقق على خشبة المسرح في “حكايات”تجاوز 75% وهي نسبة جيدة بالنسبة لي ولأي مسرحي، ويجب أن لا ننسى أننا نعمل في ظروف حياتية واقتصادية صعبة للغاية.
*ما أبرز الثغرات التي تعاني منها عروض مسرح الطفل برأيك؟
**لا بد وأن أشير إلى أهمية الموسيقا والغناء في مسرح الطفل، ويحزنني كثيراًأنهما مازالا دون الطموح في الأعمال المسرحية الموجهة للطفل في ظل غياب الموسيقا والغناء المناسبين لمضمونها حيث ما زالت الموسيقا تقدَّم فيها كفواصل بين مشهد وآخر، في حين أن وظيفتها يجب أن تكون دعماً لمقولتها.
*ازدهرت أعمال القطاع الخاص في فترة من الفترات، فما سبب ذلك برأيك؟
**كان هناك تبنّ لهذه الأعمال من قبل شركات الإنتاج والفرق المسرحية، وكان لهذه الأعمال جمهور كبير من العائلات، وأذكر أنني شاركت بمسرحيات للقطاع الخاص تابعها جمهور كبير، ومنذ سنوات وإلى اليوم غاب دعم القطاع الخاص لهذه الأعمال، خاصةً فيما يتعلّق بمسرح الطفل الذي يحتاج إلى إمكانيات كبيرة لتقديم عمل ناجح، ويجب أن لا ننسى أن الظروف التي مررنا بها في فترة الحرب على بلدنا وفترة وباء كورونا قد عقّدت الأمور أكثر، وما زلتُ أتمنى إنتاج عمل للأطفال، لكن الظرف لا يساعد لأن إنتاج عرض خاص مغامرة بحد ذاتها، ويجب على الأقل ألا يكون المنتج خاسراً، إضافةً إلى أن العروض الخاصة إذا لم تجُل على المحافظات فلا يمكن أن تحقق المردود المادي للمنتج.
*ما الذي يشدّك في مسرح الطفل وفي رصيدك عدد كبير من الأعمال الطفلية كمخرج وممثل؟
**مسرح الطفل يحقق لي المتعة بشكلٍ شخصي، فهذا المسرح يُعيدني إلى مرحلة الطفولة واللعب، وأنا في هذا المسرح كممثل وكمخرج وككاتب أفعل كل هذه الأمور وكأنني طفل.
*هل هناك نوع محدد من الممثلين بإمكانه فقط أن ينجح في مخاطبة الطفل؟
**مخاطبة الطفل ليست أمراً سهلاً، إذ يجب أن يشعر الممثل في هذا النوع من المسرح أنه طفل، وأهم ما يميز مسرح الطفل هو جمهوره، فالجمهور هنا إما أن يحبّ العرض أو لا، وغالباً ما يتلقى الممثل ردود فعل الأطفال مباشرةً، وهذا يحقق المتعة له.
*من هم المخرجون الذين أتقنوا مخاطبة الطفل بطريقة راقية ومستوى فني عالٍ؟
**هم الذين يحققون المعادلة الصعبة في المتعة والفائدة،وهم للأسف قلة قليلة.
*حسب خبرتك وملاحظاتك ما هو أصعب شيء في عمل المخرج المسرحي؟
**إذا استثنيت اختيار النص أصعب شيء هو اختيار المجموعة المناسبة للعمل، ومن ثم قيادة هذه المجموعة، خاصةً إذا كانت لدى المخرج رؤية بصرية معينة، ومن المؤسف أن الكثيرين من المخرجين ينفذون أعمالهم وهم لا يمتلكون الرؤية الفنية الخاصة بهم، وإذا كان المخرج لا يمتلك رؤية خاصة به وليست لديه خطة فعليه ألا يقدم على ممارسة الإخراج.
*من هو بتقديرك المخرج الذي ليست لديه رؤية؟
**هو إما أن يكون قد درس الإخراج وليست لديه الموهبة، أو أنه مخرج قادر على مناقشة النص بشكلٍ جيد ولديه أفكار ومقترحات، لكنه على أرض الواقع غير قادر على تنفيذها، ويجب أن نقرّ بوجود مخرجين يعتمدون على الممثلين ليقوم العرض على أكتافهم.
*للموسيقا حيز كبير في تجربتك الفنية والمسرحية، فأي شغف لديك فيها؟
**الموسيقا والإيقاع من الأدوات المهمة جداً للممثل وهي عنصر أساسي من عناصر اكتمال العرض المسرحي،وأنا أحببتُ الموسيقا والأداء الغنائي منذ نعومة أظافري، فوالدي موسيقي وعازف عود محترف، ومن جلسات الصوفية تعلمت عزف الإيقاع والموشحات والأناشيد الدينية،وعندما مارست العمل المسرحي تعلمت العزف على العود وألَّفْتُ الموسيقا والأغاني لكل العروض المسرحية التي كتبتُها وأخرجتها وشاركت في مهرجانات الأغنية وحصلت أغنية “أمي” على جائزة المركز الأول في المهرجان العربي للأغنية السياسية الذي شارك فيه كبار كتّاب الأغنية والملحنين من أغلب الدول العربية.
*بعد مسيرتك الطويلة في مجال التمثيل المسرحي هل شعرت أن عدم دراستك بشكل أكاديمي قد أحدث ثغرة في هذه المسيرة؟
**على الإطلاق، رغم أنني أؤمن أن الدراسة الأكاديمية كان من الممكن أن تكون خير داعم لي في مسيرتي وجزءاً من الطموح الذي كان لديّ، إلا أنني لم أشعر في يوم من الأيام بعقدة نقص عدم الدراسةِ الأكاديمية، ومنذ بداياتي حاولتُ أن أرمم هذا الأمر من خلال استكمال معلوماتي وأدواتي كممثل على صعيد الموسيقا والأداء والحركة والثقافة.