ثقافةصحيفة البعث

بليغ حمدي.. إبداع استثنائي

أمينة عباس 

خصّص الباحث الموسيقي عثمان الحناوي أمسية فنية بامتياز، أقامها في المنتدى الاجتماعي مؤخراً بإدارة المؤلف الموسيقي إيهاب مرادني للحديث عن الملحن بليغ حمدي الذي وصِفَ بإجماع النقاد بأنه أفضل من أنجبت الموسيقا العربية، وقد وصف الموسيقار محمد عبد الوهاب ألحانه بأنها “إلهام من السماء” لموهبته الاستثنائية وخياله شديد الخصوبة، في حين وصفه الشاعر كامل الشناوي بأنه أمل مصر في الموسيقا، ولُقّب بـ”سيد درويش العصر” و”عبقري الألحان”، لذلك لم يكن غريباً على الحناوي أن يختار بليغ حمدي ليتحدث عن مسيرته وهو الذي شهد وعاصَرَ جزءاً كبيراً منها، وقد رافقه في دمشق قرابة خمس سنوات كان فيها صديقاً وشاهداً على عبقريّته، وقد أكد الحناوي في تصريحه لـ”البعث” ضرورة أن نتذكر دائماً العباقرة الذين أثروا الموسيقا العربية ومكتبتها، وأنه كان محظوظاً نتيجة عمله مع الفنانة ميادة الحناوي ومرافقته لها.

مطرب فملحن لأغاني أم كلثوم

وبيَّن الحناوي في حديثه أن بليغ حمدي بدأ مسيرته مطرباً، فبعد تخرّجه من معهد فؤاد الأول للموسيقا احترف الغناء وسجل للإذاعة المصرية أربع أغنيات له، ثم قام بتلحين أغنيتين للفنانة فايدة كامل، تبعهما بـ “ما تحبنيش بالشكل دا” للفنانة فايزة أحمد، وحين أدرك أن موهبته الحقيقية تكمن في التلحين ترك الغناء ومضى ملحناً استطاع أن يفرض نفسه في عالم مليء بالملحنين الكبار، مشيراً إلى أنه ومع بداية الستينيات وحين بدأت أم كلثوم تبحث عن التجديد طلبت من محمد فوزي أن يلحّن لها، إلا أنه رشح لها بليغ حمدي الذي أسمعها في أول لقاء بينهما مقطعاً من أغنية “حب إيه” للشاعر عبد الوهاب محمد، فطلبت منه الانتهاء منها بسرعة لتغنيها لأول مرة في العام 1960 وكان حمدي حينها لم يبلغ الثلاثين من عمره، في الوقت الذي كان فيه التعاون مع أم كلثوم حلم كلّ المبدعين، ثم أتبعها بأغنية “أنساك” كلمات مأمون الشناوي والتي كان من المقرّر أن يقوم محمد فوزي بتلحينها، إلا أن روعة بليغ حمدي في تلحينها جعلت فوزي يقدمها لأم كلثوم وهو يقول: “بليغ قام بتلحينها أفضل مني” لتتوالى بعد ذلك ألحانه معها والتي وصلت إلى أحد عشر لحناً، نذكر منها: “أنا وأنت ظلمنا الحب، كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، بعيد عنك، ألف ليلة وليلة، فات الميعاد، الحب كله، حكم علينا الهوى” والأخيرة كانت آخر أغنية قدمتها أم كلثوم عام 1973.

 حمدي والعندليب

وأوضح الحناوي أنه في بداية الستينيات وفي الوقت الذي كان بليغ حمدي يحضّر أغنية “تخونوه” لليلى مراد كان عبد الحليم حافظ يستعدّ لتصوير فيلمه “الوسادة الخالية”، وعندما سمع حافظ “تخونوه” شعر أنها مناسبة لفيلمه، فطلب من ليلى مراد أن تتنازل عنها له، فوافقت إكراماً له، وكانت هذه الأغنية بداية لمسيرة فنية غنية بينهما قدّم خلالها حمدي لحافظ ثلاثين أغنية من أبرزها: “توبة”، “جانا الهوى”، “موعود”، “زي الهوا”، “حاول تفتكرني”، “دمعة حزن”، “حبيبتي من تكون”، مبيناً أن علاقة إنسانية مهمة ربطت بليغ حمدي وعبد الحليم حافظ إلى جانب العلاقة الفنية.

وردة أكثر من لحن لها

وأشار عثمان الحناوي إلى أن المطربة وردة الجزائرية كانت أكثر من لحَّن لها، فما إن تعرّفا على بعضهما حتى جمعتهما قصة حب انتهت بالزواج، فالطلاق، لتكون أكثر من لحَّن لها في مسيرته، حيث بلغ مجمل ما لحن لها من أغنيات 25 ما بين الوطني والعاطفي والاجتماعي، أبرزها: “بلاش تفارق، حنين، لو سألوك، اسمعوني، بودعك” والأخيرة كانت آخر أغنية قام حمدي بتلحينها لوردة عام 1993 منوهاً بأن بليغ حمدي قدم ألحانه أيضاً لشادية: “عطشان يا صبايا، خلاص مسافر، الله يا زمن، يا حبيبتي يا مصر، يا أسمراني اللون”، وجميع أغاني واسكتشات مسرحيتها “ريا وسكينة” والعديد من أغاني أفلامها، كما لحَّن لصباح: “عاشقة وغلبانة، يانا يانا، زي العسل، جاني وطلب السماح” وغيرها، وتُعدّ المطربة سميرة سعيد من أكثر مطربات جيلها تعاوناً مع بليغ حمدي، حيث قدَّم لها الكثير من الألحان، كما قدَّم ألحاناً للعديد من المطربين والمطربات مثل: محمد رشدي، وديع الصافي، طلال مداح، محمد عبده، عزيزة جلال، محرم فؤاد، لطيفة، عفاف راضي، فهد بلان، هاني شاكر، وليد توفيق، فايزة أحمد، ذكرى.. وغيرهم.

مع مطربة الجيل

وتوقف الحناوي في حديثه مطولاً عند مرحلة تعاون بليغ حمدي مع ميادة الحناوي التي غنّت معه أروع أغانيها الطربية، وقد كان عطاؤه في السنوات العشر الأخيرة موجَّهاً لها، موضحاً أن حمدي ما أن سمع من الحناوي أغنية “اسمع عتابي” وموشح “يا غائباً لا يغيب” ألحان محمد الموجي حتى قَدِمَ من لندن إلى دمشق خصيصاً للتعرف عليها، وبقي فيها قرابة خمس سنوات ولحَّن لها أول أغنية “فاتت سنة” كما غنَّت من كلماته وألحانه “الحب اللي كان، أنا بعشقك”، ومما لحن لها أيضاً: “مش عوايدك، فاتت سنة، أنا أعمل إيه، سيدي أنا، أول وآخر حبيب، حبينا واتحبينا، عندي كلام” وغيرها من أروع الأغاني التي حققت لها انتشاراً كبيراً في العالم العربي وبين الجاليات العربية في أميركا وأوروبا.

من عباقرة الموسيقا

أما عازف الكمان عدنان الحايك، والذي عزف في الأمسية مجموعة أغنيات من ألحان بليغ حمدي، فقد بيَّن في تصريح لـ “البعث” أنه كان ضمن فرقة أمين الخياط التي رافقت ميادة الحناوي في إطلاقها لأول أغنية من ألحان بليغ حمدي وهي “فاتت سنة” ثم “حبينا وتحبينا”، معبّراً عن سعادته بوجوده في الأمسية التي تتحدث عن عبقري من عباقرة الموسيقا. في حين عبَّرت السيدة حنان عاصي المشرفة على الأمسية عن سعادتها بإقامة أمسية استثنائية من حيث الشكل والمضمون عن الملحن العبقري بليغ حمدي من خلال الباحث الموسيقي عثمان الحناوي صاحب الأرشيف الاستثنائي، وقد تفاعل الجمهور معها بشكل كبير واستمع فيها إلى بعض التسجيلات والفيديوهات النادرة لبليغ حمدي، متمنية من الحناوي أن يستمر في إقامة مثل هذه الأمسية لتعريف الجيل الحالي بعباقرة الزمن الجميل.