قراءة في “رحيق العشق” للشاعرة عبير غالب نادر
هويدا محمد مصطفى
صدر للشاعرة عبير نادر مجموعة شعرية بعنوان “رحيق العشق”، عن دار الهيثم للطباعة والنشر. وقد تنوعت قصائد المجموعة ما بين الشعر الوجداني والوطني والغزلي، وأيضاً الشعر العمودي والنثر، لتضم بين دفتيها ٣٧ قصيدة. إن الفكرة لدى كاتب الشعر لا توجه لغة الخارج إن الشاعر نفسه شبيه بلغة جديدة تبني نفسها وتبتكر لنفسها وسائل تعبيرية وتتنوع حسب معناها الخاص المتشبع بالنضوج والحس الإنساني والفكر العميق ومزجهما بالوجدان الصادق الذي يعكس داخله إلى خارجه فنرى طاقة شعرية قادرة على إزاحة مستويات التعبير إلى عمق دلالي، ومع ذلك تعمل عناصره على تشكيل مشهد شعري متعدد الجوانب، فالشاعرة هنا مهتمة برسم صور حية ونابضة للذات التي تبقى في مواجهة مستمرة مع الفعل الإنساني الأجمل لتبدأ أول عبارات الإهداء في مجموعتها لتقول:
إليك أنت / أيها الصادق في حبك/ للآخر.. وللوطن أهدي كلماتي / فكان الحب أول قصائدها لتقول في قصيدة “افتتاحية العشق”: أمن المحبة والهوى تتوجع/ والعين من فرط النوى هي تدمع/ يقولون لي مالحزنك باديا/ على وجنتيك؟ وعبرة لا تقطع/ لو تعلمون ما بقلبي، أنة/ من على عرش الورى متربع.
لقد استطاعت الشاعرة أن تمتلك أدوات شعرية ترسم الصورة التي تخلق الرؤية لما تحمله هذه اللغة الرائعة من شحنات متتالية وطاقات قادرة على التحدي وهنا تتخلق حيوية النص ويتعاظم توهجه، فنرى طاقة حية نابضة للذات بعمق دلالي.
وفي قصيدة بعنوان “صمت” تقول الشاعرة: كلما أصرخ/ تخرسني آلاف الأصوات/ ترمقني سهام النظرات/ ينفجر في بركان من كلمات/ لماذا.. لماذا ..لماذا/ تنشق الأصوات في الحناجر/ ويذبح الحب بالخناجر/ لنجد أن الشاعرة تعمد الكتابة بروح محلقة شكلاً ومضموناً لتأتي القصيدة وكأنها لوحات متعددة الألوان بمفردات متنوعة وعالماً خاصاً بلغة مثقلة قوية وألفاظ جزلة يكتحل فيها الشوق بالجرح والخوف بالوله والوحدة بالأنين من بعيد إلى وله حيث تتساقط أوراق الليل حالة من المشاعر تعبيرية الوجد والنشيج والوجع ورومانسية محلقة تشف على قلب عطوف مليء بالغربة والحنين وذلك يؤدي إلى تماسك البنية المدمجة المفردات والأداء الفني المتميز وضروراته المقنعة للقارئ.
وفي قصيدة بعنوان “حوار مع الموت”، تقول الشاعرة: النعش بقربي يسير/ وكلما هدني السفر/ يناديني بانتظار/ لم التعب يا صغيرتي/ والموت في انتظار؟ حيث الشاعرة تطرح أسئلة انطولوجية عن قضايا تؤرقها وتغوص عميقاً في فكرها، فكل ما في الوجود والغياب والموت والمنفى تساؤل الروح الحائرة، فجاء النص بأسلوب اعتمد التكثيف والاختزال واقتناص اللحظة الزمنية ما أعطى النص ذائقة جمالية وتقنية شعرية برؤية فلسفية تصويرية.
وفي قصيدة بعنوان “أمل” تقول الشاعرة: لاحرب بعد اليوم/ ولا طبول تقرع ولا هذيان/ فهذاالطريق لنا/ وهذي الحياة لنا/ ولنا وحدنا الحق/ أن نسرج خيلنا/ ونمتطي صهوة هذا الزمان.. هنا نجد موجات متتالية من الدفق الشعوري مرتبطة بحضور الآخر دوماً تخلق منه هامات ومساحات مضيئة عبر تشكيلها الشعري، فيظل النص يلامس مشاعرنا في صورة تخيلية واعتمادها على التجسيد وكافة الأدوات الفنية أضافت أبعاد أعمق وتشكيل متفرد.
وفي قصيدة بعنوان “شآم المجد” تقول الشاعرة: حبيبتي الشام دموع العين تبكيها/ من فيض روحي ومن وجداني اسقيها/العين على الشام قد نامت على جرح/ مذ بات ينزف في روابيها/ ألملم كلمات الحب أنثرها/ هيهات للشعر أن يواسيها/ سيبقى الزمان على المدى يغنيها.. والشاعرة هنا تقدم قصيدة بصورة ثرية الدلالة متوهجة الإيقاع عذبة المفردات فالشام عنوان يكتبه التاريخ على مر العصور والشاعرة تعتمد التشكيل والتصوير والسرد والحوار والتشخيص ممايثري القصيدة بإيحاءات خاصة.
وفي قصيدة “وجوه مكسرة”، تقول الشاعرة: وجوهنا المكسرة/ حزينة مدمرة/ نحاول الخروج للحدائق/ فتحتضننا المقبرة. حين يمتزج الحب الروح فحتماً هو يغسلنا من أتعاب الحياة ومشاقها وهمومها والشعر ينبع من ثنايا الروح ومن أعماق النفس فالشاعرة عبير قدمت عبر مجموعتها قصيدة سردية رسمت فوق السطور بريشة رهفة الألوان فمزجت بين الواقعية والخيال.
وأخيراً أقول أن المجموعة الشعرية “رحيق العشق” مجموعة مضيئة عبر تشكيلها الشعري فيظل النص منذ عتبة العنوان يكشف طوال الوقت هذه الأعماق الدلالية والسرد المدهش معظم العناوين هي تشريح كلي لواقع ممتدة فيه فلسفة الألم بأزمنة الفوضى الضائعة المؤثرة بتراتبية زمنية.