ثقافة

رجب باشا يستقبل رمضان بابتهالات أم كلثوم الدينية

“القلب يعشق كل جميل” الأغنية الدينية الأجمل والأشهر لأم كلثوم كانت محوراً أساسياً في المحاضرة التي قدمها الباحث وضاح رجب باشا بعنوان “المسيرة الدينية لأغاني أم كلثوم” ضمن سلسلة موسيقا الزمن الجميل التي يقيمها المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- تلك الأغنيات التي اقتربت من الابتهالات الدينية وُقسمت إلى قسمين بينهما فاصل زمني كبير وتطور لحني، وقد تميّزت المحاضرة بمفاجآت أطلقها الباحث وضاح باشا لا يعرفها كثيرون.

وأوضح الباحث بأن أم كلثوم غنت خمس عشرة أغنية دينية خلال مسيرتها الفنية الطويلة، أول أغنية كانت في عام 1925، “وحقك أنت المنى والطلب” كلمات الشيخ عبد الله الشرقاوي وألحان أستاذها (أبو العلا محمد) وغلب عليها الطابع اللحني البسيط للجملة الموسيقية السردية، ثم تطورت لتبلغ ذروتها في “سلوا قلبي- القلب يعشق كل جميل- ولد الهدى”. وكانت أول أغنية بمدح الرسول (ص) وتميزت بصيغة لحنية نمطية وكلمات رائعة.

وأضاف الباحث باشا أن أستاذها (أبو العلا محمد) لحن لها تسع أغاني، ثم اتجهت أم كلثوم نحو الأغنية الطربية وابتعدت عن الأغنية الدينية طيلة ثلاثين عاماً.

وشكّل عام 1955 بداية جديدة لمسار الأغنية الدينية لأم كلثوم حينما قررت السينما المصرية إخراج فيلم رابعة العدوية، وقد مثلت دورها الفنانة نبيلة عبيد، فغنت أم كلثوم كل أغنياته، ابتداءً من أول أغنيتين حينما كانت رابعة العدوية راقصة في حياة اللهو،وهما (حانة الأقدار- يا صحبة الروح) تلتها ثلاث أغنيات بعد الانعطاف الذي حدث في حياة رابعة العدوية وتدور حول الابتهالات ومناجاة الخالق، وهي: الرضا والنور -عرفت الهوى مذ عرفت هواك- التي اتصفت بالألحان الانسيابية الرائعة للسنباطي وبتطور الجملة اللحنية، لاسيما أن السنباطي كان متمكناً من تلحين القصيدة في ذاك الزمن. والثالثة “على عيني بكت عيني على روحي جنت روحي” وأفرد فيها السنباطي مساحة للمقدمة الموسيقية لنغمات الناي وتميّزت بتفرد الآهات لأم كلثوم بإعجاز لافت.

لكن المفاجأة التي تحدث عنها الباحث باشا والتي لايعرفها إلا المتخصصون بالتراث الموسيقي لأم كلثوم أن هناك أغنية دينية رابعة لم تغنَ بالفيلم ولم تلحق بأغنياته بعنوان ” تائب تائب تجري دموعي ندماً، لغيرك ما مددتُ يدي” ألحان السنباطي وكلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفى.

ويعزو الباحث ذلك إلى طول مدة الفيلم وعدم وجود مساحة ظاهرياً، وبيّن أن السبب الحقيقي يعود إلى كلماتها المغرقة بالصوفية في الوقت الذي منح فيه الرئيس جمال عبد الناصر مساحة من الحرية للإخوان المسلمين بعد الثورة المصرية، لكن بعد غدرهم بحادثة المنشية تغيّر موقفه منهم. ورغم أن صوت أم كلثوم كان في ذروة عظمته مع القدرة التعبيرية له إلا أن الأغنية لم تحقق شهرة. والمفاجأة الثانية التي استغربها الحاضرون أيضاً أن كلمات أغنيات فيلم رابعة العدوية ليست من شعرها، وإنما من شعر طاهر أبو فاشا المجموعة في كتابه العشق الإلهي.

وجاءت مرحلة ما بعد الفيلم فسجلت أغنية “غريب على باب الرجاء” إلا أنها لم تحقق أيضاً الشهرة، والثلاثية المقدسة لمحمد حسن إسماعيل.

روائعها مع  شوقي

استهوت الأغنيات الدينية أم كلثوم وربما- كما ذكر الباحث- بإيحاء من الزعيم جمال عبد الناصر لدعم التيار الديني، فاختارت نصوصاً من شعر أحمد شوقي وغدت روائع من ألحان السنباطي، أشهرها نهج البردة، وسلوا قلبي، وإلى عرفات الله، وأوضح الباحث أن جمالية هذه القصائد بأنها ملحنة دون تلحين لتأثر شوقي بالشعر الجاهلي وقربه من المعاصرة، ولإبحاره بالمناجاة رغم أنه لم يكن ملتزماً بالدين، وأفرد الباحث مساحة من المحاضرة لتحليل رائعة نهج البردة التي عارض فيها شوقي قصيدة الإمام البوصيري المؤلفة من مئة وتسعين بيتاً، عارضها بمئة وثمانية وستين بيتاً، مطلعها:

< ريم على القاع بين البان والعلم                               أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

لحن السنباطي ثلاثين بيتاً، منها أربعة للاستغفار واثنا عشر بيتاً لمدح الرسول (ص)، وذيلت بأربعة أبيات بالدعاء والرجاء ووصفها الباحث بأنها أجمل ما قيل في الدعاء:

< فالطف لأجل رسول العالمين بنا

ولا تزد قومه هدماً ولاتسم

وعلق الحاضرون مع الباحث بأننا أحوج ما نكون إلى هذا الدعاء في وقتنا الحالي.

ثم انتقل الباحث إلى أغنية “سلوا قلبي” وولد الهدى التي تسمى “بالهمزية” ونظمها شوقي في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم مؤلفة من ستين بيتاً غنتها أم كلثوم بساعة وربع وتتصف بالحكمة.

< ولد الهدى فالكائنات ضياء

وفم الزمان مبتسم وسناء

ليخلص الباحث إلى أجمل أغنية هيمنت على الحاضرين وجعلتهم يطالبون بتكرارها وهي الأشهر “القلب يعشق كل جميل” كلمات بيرم التونسي التي ألفها أثناء تأديته مناسك الحج وصنفها النقاد بأنها من أجمل ما كتب بالشعر الديني، وما يميزها أن السنباطي لحنها بأسلوب مختلف عن القصائد الدينية السابقة مثل نهج البردة، وسلوا قلبي، فمضت ألحانها وفق الجمل اللحنية السريعة الخفيفة المكثفة والراقصة في المقدمة الموسيقية والفاصلة بين المقاطع، مما يدل على تأثر السنباطي بالتطور الموسيقي الذي أدخله محمد عبد الوهاب إلى الموسيقا العربية بإدخال آلات موسيقية جديدة، وتأثر السنباطي بالتأثير الجديد، وقد لاقى اللحن صدى واسعاً لاسيما بتلحين القفلة التي ابتعدت عن تكرار اللحن وارتبطت بترنيمات أم كلثوم للمفردة “دعاني لبيته لحد باب بيته”.

وختم المحاضر موضوع بالحديث عن رائعة رباعيات الخيام ومناجاة الله، كلمات أحمد رامي وتلحين السنباطي التي افتُتحت:

“سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحر      نادى من الغيب غفاة البشر”.

ملده شويكاني